قبل الدلوف إلى تاريخ القطاع غير الربحي في المملكة العربية السعودية، تجدر الإشارة إلى أن القطاع غير الربحي تندرج ضمنه الأعمال الفردية الموجهة للخير، مثل تلك الأعمال التي يقوم بها المحسنون في خدمة المحتاجين إلى المورد المالي والغذائي والخدمي عمومًا، وما يقومون به من أعمال خيرية أخرى تدعم المحتاجين في حياتهم وتمكنهم من العيش في كفاف، إذ إن التعاليم الإسلامية جاءت بالنداء إلى مثل هذه الأعمال كإطعام المسكين والإيثار ومثلها من الصفات التي دعا الدين الحنيف إلى الاتصاف بها. وفي هذا تكون الأعمال غير المؤسسية التي يقوم عليها المحسنون في تقديم العون للمحتاجين هي من ضمن النشاطات غير الربحية، وتاريخ المملكة حافل بهذه الأمثلة، إذ إن المجتمع بذلك يحقق على نفسه من الخير مثل ما قال الحديث الشريف إن مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحُمّى.
ولتأسيس مسار لحركة القطاع غير الربحي في المملكة، فإن المؤسس الملك عبد العزيز -طيب الله ثراه- كان قد أقام للقطاع غير الربحي مساحته ضمن الكيانات المؤسسية، وفيما يلي خط زمني لحركة القطاع في أربع محطات تاريخية:
1928م أصدر جلالة الملك عبد العزيز -رحمه الله- نظامًا لتوزيع الصدقات والإعانات يحدد أهداف الرعاية الاجتماعية ومجالاتها.
1929م تم تأسيس لجنة خيرية في مكة المكرمة باسم لجنة الصدقات العُليا.
1934م افتُتحت أول دار لرعاية الأيتام أطلق عليها دار أيتام الحرمين الشريفين في المدينة المنورة.
1963م تم افتتاح أول دار للعجزة والمنقطعين في مكة المكرمة بهدف احتضان المسنّين والعاجزين من الحجّاج الذي انقطعت بهم السبل.
وعلى الرغم من صعوبة وجود الأبحاث المحلية في القطاع غير الربحي والمعلومات التي تؤصل لهذا القطاع محليًّا بصفته عملًا مؤسسيًّا أو جهدًا فرديًّا، إلا أنه يمكن رصد انطلاقته بصيغته الرسمية الحديثة وعلى المستوى المؤسسي، ويمكن ذلك بالنظر إلى تاريخ تأسيس وزارة الحج والأوقاف التي تأسست في المملكة في عام 1961م، إذ شهدت المملكة في تمرحل الوزارة إلى ما هي عليه الآن تأسيس الهيئة العامة للأوقاف في المملكة.
كما أنه بالنظر إلى الأبحاث الموجودة في القطاع غير الربحي، فإن من أوائل الجمعيات المسجلة في القطاع غير الربحي هي جمعية البر بمكة المكرمة التي تأسست في عام 1951م، وفي ذلك يوجد من يقول إن أول منظمة غير ربحية مسجلة كانت قد تأسست منذ 70 عامًا، ويمكن القول إنها هي الجمعية المعنية، ما يعني أن القطاع غير الربحي كان له حضور متنامٍ في المجتمع المحلي بصفة رسمية منذ خمسينيات القرن الماضي وقبله كما يوضح الرصد التاريخي أعلاه في عهد الملك عبد العزيز -رحمه الله-. ويمكن الربط مع هذا القول إذ إن المملكة شهدت أولى ازدهارات القطاع غير الربحي في سبعينيّات القرن الماضي؛ وذلك بسبب تنامي الاقتصاد المحلي من الصادرات النفطية للمملكة، إذ انطلقت الحكومة في دعم البرامج الاجتماعية بناءً على وارداتها من الصادرات البترولية.
وفي رصد ذلك نجد أن من أوائل الجمعيات التي نشأت في تنامي المملكة اقتصاديًّا كانت قد تأسست المنطقة الشرقية، إذ إن المنطقة كانت من أوائل مناطق المملكة التي تشهد تأسس أعداد من الجمعيات، وربما كان لظهور البترول في المنطقة الشرقية دور في هذا التنامي التي سبقت المنطقة الشرقية فيه بقية مناطق المملكة.
إنما فما يزال القطاع بالنظر إلى عمر المملكة التي يقارب الثلاثة قرون بحاجة إلى تنمية وطنية متسارعة يكون للقطاع بها إسهام في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، إذ إنه وحتى عام 2018م كان القطاع غير الربحي فيه صنفان اثنان فقط من الكيانات غير الربحية، وهما المؤسسات غير الربحية والمؤسسات الخيرية، إذ تشكل الثانية أربعة أضعاف الأولى.
وبالقفز زمنيًّا في رصد ما شهده القطاع على المستوى المحلي، فقد كان عام 2005م وما يليه من الأعوام شاهدًا على تنامي كيانات القطاع غير الربحي، إذ تخصصت هذه الكيانات في مجالات مختلفة مثل:
- البيئة
- التأييد والمؤازرة
- التعليم والأبحاث
- التنمية والإسكان
- الخدمات الاجتماعية
- الدعوة والإرشاد
- الصحة
- دعم العمل الخيري
وأكمل القطاع تناميه إذ صارت بوادر نمائه كلما تظهر عامًا بعد عام حتى بلغ نمو الكيانات غير الربحية في المملكة ما بين عامي 2015م و2016م ما نسبته 20%. وجاءت رؤية 2030 لتغيّر هذا المشهد وتسارع في وتيرة النمو في القطاع.