تعريف الفكر لغةً:
جاءتْ مادَّة “فكر” في “لسان العرب” بمعنى إعْمال الخاطر في الشَّيء[1]، وفي “المعجم الوسيط”[2]: الفِكرُ مقلوبٌ عن الفرك، لكن يستعمل الفِكرُ في الأمور المعنويَّة، وهو فركُ الأمور وبحثُها للوصول إلى حقيقتها.
وجاء عند ابن فارس: “فكَرَ؛ الفاء والكاف والراء: تردّد القلب في الشيء، يقال: تفكَّر، إذا رَدَّدَ قلبه معتبرًا، ورجل فِكِّيرٌ: كثير الفكر” [3].
وقد وردت مادة (فكر) في القرآن الكريم في نحو عشرين موضعًا[4]، ولكنَّها بصيغة الفعل، ولم ترد بصيغة الاسم أو المصدر؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ ﴾ [5] أي فكر فيما أنزل على عبده محمد صلى الله عليه وسلم من القرآن، وقدر فيما يقول فيه[6]، وقال تعالى: ﴿ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ ﴾ [7] أفلا تتفكرون في آيات الله؛ لتبصروا الحق فتؤمنوا به[8].
أمَّا من الناحية الاصطِلاحيَّة:
فكما ورد عند ابن منظور: “إعمال الخاطر في الشيء”، فقد ورد عند الرَّاغب الأصفهاني بأنَّه: “قوَّة مطردة للعلم إلى معلوم، وجوَلان تلك القوَّة بحسب نظر العقل، وذلك للإنسان دون الحيوان، ولا يمكن أن يُقال إلاَّ فيما يمكن أن يحصل له صورة في القلْب”[9].
وقد جاء في “المعجم الوسيط” “فكر” بمعنى: إعمال العقل في الشَّيء، وترتيب ما يعلم ليصل به إلى مجهول”[10]، أو: “إعمال العقل في المعْلوم للوصول إلى معرفة مجهول”[11]، كما عرَّفه طه جابر العلواني بأنَّه: “اسم لعمليَّة تردّد القُوى العاقلة المفكّرة في الإنسان، سواء أكان قلبًا أو روحًا أو ذهنًا، بالنَّظر والتدبُّر لطلب المعاني المجْهولة من الأمور المعلومة، أو الوصول إلى الأحْكام، أو النسب بين الأشياء”[12].
فالفكر إمَّا أن يراد به الكيفيَّة التي يدرك بها الإنسان حقائق الأمور التي أعمل فيها عقله، فيكون الفكر عندئذٍ بمثابة الأداة أو الآليَّة في عمليَّة التَّفكير، وما يلحق بها من طاقات وقوى وملكات عقليَّة ونفسيَّة.
وإمَّا أن يراد به ما نتج عن ذلك من تصوُّرات وأحكام ورؤًى حول القضايا المطروحة، ثمَّ تتَّسع دائرة مفهوم الفِكْر أو تضيق تبعًا لمنطلقات المحدّد لمفهوم الفكر، فإذا اتَّسع مفهوم الفكْر اشتمل على الموْروث الفكْري للإنسان في جَميع ميادين المعْرِفة والعلوم على الصَّعيد النَّظري، على أنَّ هناك مَن يدخل العلوم التَّجريبيَّة والتَّطبيقيَّة داخل مفهوم الفكر، فيشتمل على النَّشاط الإنساني بعامَّة بما يخرج مفهوم الفكْر عن الفكْر ليشْتمل على مفهوم الثَّقافة بل الحضارة أيضًا.
وقد تضيق دائرة مفهوم الفكر حتَّى تنحصر في مجرَّد النَّظر العقلي في أمرٍ ما، فيكون الفكْر عندئذٍ منسوبًا إلى مبدأ، أو مذهب، أو طائفة، أو أمَّة، أو عصر، أودين.
فالمعنى الكيْفي للفكر المتمثّل في حركة الذّهن للانتقال من المعلوم إلى المجهول، ونحو ذلك من التعبيرات المختلفة التي تؤدّي المعنى نفسه – هو ما استخدمه الأقدمون مثل: (ابن سينا) و(الرازي) و(ابن خلدون)، ولخَّصها (الجرجاني) في تعريفاته بقوله: “الفكر ترْتيب أمور معلومة لتؤدِّي إلى مجهول”.
[1] لسان العرب، ابن منظور: مادة (فكر).
[2] انظر المعجم الوسيط: إبراهيم أنيس وآخرون، طبعة المكتبة الإسلامية إستانبول، تركيا، الطبعة الثانية (بدون تاريخ)، الجزء الثاني مادة (فكر). ص698.
[3] مقاييس اللغة، تحقيق عبدالسلام محمد هارون، عن دار الجيل، الطبعة الأولى 1411ه- /1991م، مادة (فكر)، الجزء الرابع ص446.
[4] المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، انظر: محمد فؤاد عبدالباقي، عن المكتبة الإسلامية، إستانبول، تركيا، (بدون تاريخ)، مادة (فكر)، ص525.
[5] سورة المدثر:18
[6] تفسير الطبري (ج24 – ص 23).
[7] سورة الأنعام:50
[8] التفسير الميسر (ج1 – ص 133).
[9] مفردات ألفاظ القرآن، الراغب الأصفهاني مادة (فكر) بتحقيق: صفوان عدنان داوودي، الطبعة الأولى 1412ه، 1992م، دار العلم بدمشق، والدار الشامية ببيروت، ص 83، 643.
[10] ينظر: المعجم الوسيط، الجزء الثاني ص698.
[11] المصدر السابق ص698.
[12] الأزمة الفكرية، طه جابر العلواني: ص27.