من واجبات الأسرة.

من واجبات الأسرة :

مما لا شك فيه أن الأسرة لها بصماتٌ وآثارٌ على الفرد تستمرُّ مدى الحياة، ولسوف تبقى التربية الأسرية لها دور قويٌّ وخطير في صياغة شخصية الفرد، ورسْم ملامحها فكريًّا وسُلوكيًّا، ولهذا أسباب عديدة؛ منها طولُ الفترة الزمنية التي تكُون الأسرةُ فيها مصدرًا تربويًّا وتثقيفيًّا رئيسًا للشخص، وهي فترة طفولته التي تَرْبُو على اثني عشر عامًا، وكذلك فإن للأسرة سلطانًا ماديًّا ومعنويًّا ذا طابع خاصٍّ في نفس الفرد، يجعل ما يتلقَّاه عنها يَحظَى بالقبول والاحترام، وينزل المنزلةَ اللائقة به، كما أن ما يتعلَّمه الفردُ ويُنَشَّأُ عليه في فترة طفولته يَبقَى أثرُه مصاحبًا له على امتدادِ مراحلِ عُمره، وغير هذا مِن الأسباب[1].

 

ويُمكِن أنْ تؤدِّي الأسرةُ المسلمة دورًا كبيرًا في قضية النُّهوض بالأخوَّة الإسلامية، على النحو التالي:

1 – إن أوَّلَ وأهمَّ شيء يجدر بالأسرة أن تقوم به: هو التربية الإسلامية الشاملة للنَّشْء؛ حيث إن هذه التربية الإسلامية الشاملة، عَقَدِيًّا وعباديًّا وخُلُقيًّا، هي الأساس – بلا ريب – في تحقُّق الطفل بخلالِ الخيرِ والفضائل كلها، وتمسُّكه بالقِيَم النبيلة، ومنها الأخوَّة الإسلامية، وهي المنطلَق الأساسي، والركيزة الكُبرَى التي ننطلق منها لِبَثِّ مفاهيم الأخوَّة الإسلامية في عقل وقلب الفرد، وإيجاد قناعة لديه – منذ الصغَر – تحْمله على إقامتها في حياته، وصيانة حقوقها وواجباتها على النحو الذي شرعه الله تعالى.

 

2 – ويتفرَّع عن هذه التربية الشاملة أن تقُوم الأسرةُ بتربية النَّشْء منذ نعومة أظافِرهم على الأخوَّة الإسلامية – خاصَّة – وأداء حقوقها وواجباتها، وهذه التربية ترتكز على جانبين:

أحدهما: مَعْرفيٌّ؛ يُزوَّد الطفل في إطاره بالمفاهيم النظرية عن الأخوَّة الإسلامية؛ من حيث معناها وضرورتها، وحقوقها وواجباتها، وغير ذلك.

 

والثاني: عَمَليٌّ؛ تُترجَم من خلاله تلك المفاهيم التي تلقَّاها عن الأخوة إلى سلوك تطبيقي، مثل تهيئة الفُرَص والمناسبات العملية التي تُتيح للنَّشْء القيام بواجبات الأخوَّة نحو غيرهم مِن المسلمين، كالمشاركة في بعض أعمال التكافُل والبِرِّ والمواساة، وأنشطة وفعاليات لمناصرة المسلمين وقضاياهم في بلد ما.

وبهذا يَكْبر الطفل وتَكْبر في نفسِه الأخوَّة الإسلامية، ويكُون هو نفسه عاملًا في إنهاضها، وتقوية كيانها.

 

3 – وجديرٌ بالذكر؛ أن الوالدين يجب أن يكونا قدوةً أمام النَّشْء في التحقُّق بالأخوَّة، ورعاية حقوقها وواجباتها عمليًّا، في المواقف المختلفة، كالتفاعُل مع مشكلات المسلمين وهمومهم في شتَّى بقاع الأرض، والتحرُّك الإيجابي حيالها، بالإسهام العملي – قدْر المستطاع – في محاولة إزاحة البلاء عنهم، بالتكافُل والمواساة والنُّصْرة، وإظهار مشاعر الحزن لما يمسُّهم مِن ضرَّاء، ومشاعرِ الفرح لما يَنالهم مِن سرَّاء، والدعاء لهم في كل حال.

 

4 – ولتحرص الأسرةُ على وقاية النَّشْء مِن الوسائل التي تُضعِف أو تُميع في نفوسِهم وفِكْرِهم مبدأَ الأخوَّة الإسلامية، مثل وسائل الإعلام والتثقيف التي تتبَّنى مضمونًا علمانيًّا أو قوميًّا، وغير هذا مما يُعاكِس قضيةَ الأخوَّة، ويَذهَب بصفائها لدى المسلمين، فهذه الوسائل ونحوها ينبغي ألَّا يُسمح بأن تغزو عقول النَّشْء وقلوبهم بثقافتها التي تُزعْزِع مبدأ الإخَاء الإسلامي، وأن يُعْمل على تصحيح ما يَتسرَّب إلى نفسِه من مفاهيم وتصوُّرات خاطئة.

 

وخلاصة الأمر: أن واجب الأسرة المسلمة في النهوض بالأخوَّة الإسلامية، يتركز – فيما أرى – في أن تقوم بتربية الأجيال الناشئة تربية إسلامية، وإعدادهم إعدادًا يَغْرس في نفوسهم مفاهيم الأخوَّة الإسلامية، ويُقوِّي الإيمان بمشروعيَّتها وضرورَتها، ويُعمِّق في حياتهم وتصرُّفاتهم العمليةِ التحقُّقَ بأخلاقها، والالتزام بواجباتها وحقوقها، ومِن ثم تكون هذه الأجيال سببًا للنهوض بها، وعاملًا في ترسيخها ودعم بُنيانها.

 

وفي تقديري: إن هذا الواجب الأسَري لو تحقَّق، ونهضَت كلُّ أسرة بما يَسَعُها القيامُ به، ونُشِّئت الأجيالُ على ذلك النحو؛ لأسْهَم هذا بنصيبٍ موفورٍ في أن ترتفع رايةُ الأخوَّة الإسلامية عاليةً في سماء الأَّمة، وأن ينعم المسلمون في كل مكان بظِلالها الوارفة، ولا عجب؛ فإن الأجيال الناشئة هم شباب الأمَّة في الغد، ورجالهُا وقادتُها، وصانِعُو حضارتها في المستقبل.


[1] يقول العقَّاد: «الأسرة هي الأمَّة الصغيرة، ومنها تعلَّم النوعُ الإنسانيُّ أفضلَ أخلاقِه الاجتماعية، وهي في الوقت نفسِه أجملُ أخلاقِه وأنفعُها.

من الأسرة تعلَّم النوعُ الإنسانيُّ الرحمةَ والكرمَ، وليس في أخلاقه جميعًا ما هو أجملُ منها وأنفع له في مجتمعاته.

وإذا تتبَّعنا سائرَ الفضائلِ والمناقبِ الخُلُقيَّة المحمودة، بلغْنا بها في أصلٍ مِن أصولها على الأقل مصدرًا مِن مصادر الحياة في الأسرة، فالغيرة والعزَّة والوفاء ورعاية الحرمات؛ كلها قريبة النسَب من فضائل الأسرة الأولى، ولا تزال من فضائلها بعد تطوُّر الأسرة في أطوارها العديدة منذ عشرات القرون.

ولا بقاء لما كسَبه الإنسانُ من أخلاقِ المروءة والإيثار إذا هجَر الأسرةَ وفكَّك روابطَها ووشائجَها… لا أمَّة حيث لا أسرة؛ بل لا آدميَّة حيث لا أسرة».

(حقائق الإسلام وأباطيل خصومه، عباس محمود العقاد، ص 122 – 123 باختصار، نهضة مصر – القاهرة، ط الرابعة 2005م).

– شبكة الألوكة .

Scroll to Top