التَّرَاحُمُ فِي الأُسْرَةِ :
الحَمْدُ للهِ ربِّ العالمينَ، أمرَنَا بمعاملةِ الأهلِ بالرَّحمةِ والإحسانِ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ القائلُ سبحانَهُ: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾ [1] وأَشْهَدُ أَنَّ سيدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، القائلُ صلى الله عليه وسلم:« إِنَّ مِنْ أَكْمَلِ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا وَأَلْطَفُهُمْ بِأَهْلِهِ»[2] اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى سيدِنَا محمدٍ وعلَى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ.
أمَّا بعدُ:
فأوصيكُمْ ونفسِي بتقوَى اللهِ جلَّ وعلاَ، قَالَ سبحانَهُ وتعالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [3]
أيُّها المسلمون:
يقولُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:« خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي»[4] فِي هذَا الحديثِ النَّبويِّ الشَّريفِ يضَعُ فيهِ صلى الله عليه وسلم الأساسَ المتينَ فِي تَعامُلِ كلِّ إنسانٍ معَ أهلِ بيتِهِ، ولاَ يكونُ ذلكَ بالقولِ فقطْ، بَلْ يدعُونَا النَّبيُّ الكريمُ صلى الله عليه وسلم إلَى التَّأَسِّي بِهِ مِنْ خلالِ التَّطبيقِ العمَلِيِّ فِي معاملتِهِ لأهلِ بيتِهِ، فقَدْ كانَ صلى الله عليه وسلم أرحَمَ النَّاسِ بالناسِ وخاصةً أهلَ بيتِهِ، وكانَ النَّموذجَ الذِي يُحتذَى بِهِ فِي كُلِّ تصرُّفٍ مِنْ تصرفاتِ الآباءِ والأزواجِ، فمَا عرفَتِ الإنسانيَّةُ أرحَمَ منْهُ ولاَ أكرمَ منْهُ معاملةً وتسامُحاً ورفْقاً بأهلِ بيتِهِ وبالنَّاسِ أجمعينَ، كيفَ لاَ وهُوَ الرَّحمةُ المهداةُ، وهُوَ الَّذِي يوجِّهُنَا لنكونَ رحماءَ، قَالَ صلى الله عليه وسلم:«الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا أَهْلَ الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ»[5]
أيُّها المسلمُ الكريمُ:
لقَدْ بشَّرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم صاحِبَ القلْبِ الرحيمِ بالجنَّةِ فقالَ صلى الله عليه وسلم:« أَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلاثَةٌ: ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ مُصَدِّقٌ مُوقِنٌ، وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ بِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ، وَرَجُلٌ عَفِيفٌ فَقِيرٌ مُتَصَدِّقٌ»[6]
فزوجتُكَ وأولادُكَ وبناتُكَ بأَمسِّ الحاجةِ إلَى معاملةٍ رحيمةٍ، ورعايةٍ حانيةٍ، وبشاشةٍ سَمْحَةٍ، وَوُدٍّ يسعُهُمْ، وحُلمٍ لاَ يضيقُ بجهلِهِمْ، ولاَ ينفُرُ مِنْ ضعفِهِمْ، إنَّهُمْ بحاجةٍ إلَى قلبٍ كبيرٍ، يرحمُهُمْ ويُحسنُ إليهِمْ، ويَرفقُ بِهِمْ ويعْطِفُ عليهِمْ،عَنْ عَائِشَةَ رضيَ اللهُ عنها أَنَّهَا قَالَتْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:« إِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَهْلِ بَيْتٍ خَيْرًا أَدْخَلَ عَلَيْهِمْ الرِّفْقَ»[7].
فتذَكَّرْ وأنْتَ تُعامِلُ أهلَ بيتِكَ قولَ رسولِكَ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم:« مَنْ لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ»[8] ولاَ تَكُنْ مِمَّنْ وصفَهُمْ صلى الله عليه وسلم بقولِهِ:« لاَ تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ إِلاَّ مِنْ شَقِيٍّ »[9].
عبادَ اللهِ:
إنَّ المقصودَ بالرَّحمةِ منهجٌ عمليٌّ يُتَّبَعُ وخطواتٌ مستمرَّةٌ تُطَبَّقُ، ومِنْ أهَمِّهَا حُسْنُ الرِّعايةِ والتَّربيةِ وتَحمُّلُ المسؤوليَّةِ تجاهَ أهْلِ البيتِ، فأعظَمُ خيرٍ وأعظمُ رحمةٍ يقدِّمُهَا المسلمُ لأسرتِهِ غرسُ القِيَمِ والمبادئِ العاليةِ الرَّفيعةِ فِي نفوسِهِمْ، وبذلكَ يرفَعُ قدْرَهُمْ ويُعْلِي شأْنَهُمْ عندَ القريبِ والبعيدِ، ويَسلُكُ بِهِمْ مَسالِكَ النَّجاةِ فِي الدُّنيا والآخرةِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [10]
وهذَا لاَ يتحقَّقُ إلاَّ بإعطاءِ الزوجةِ والأولادِ حقَّهُمْ مِنَ الوقتِ، فيجلِسُ معَهُمْ ويُعلِّمُهُمْ، ويؤانسُهُمْ ويُداعبُهُمْ، ويقضِي حوائجَهُمْ، قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:« إِنَّ لأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا»[11]
ومِنَ الرَّحمةِ بالزوجةِ معاملَتُهَا معاملةً كريمةً ومعاشرَتُهَا بالمعروفِ وإكرامُ أهلِهَا، قالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:« اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا »[12]
ومِنَ الرَّحمةِ بِهِمْ الإنفاقُ والتَّوسعَةُ عليهِمْ، يَقُولُ صلى الله عليه وسلم:« دِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ، أَعْظَمُهَا أَجْراً الَّذِى أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ»[13]
اللَّهمَّ أَدِمْ علينَا نِعمةَ التَّراحُمِ فِي هذَا المجتمعِ المتراحمِ، واجعلْنَا رُحماءَ بأهلِنَا وأرحامِنَا وجيرانِنا والنَّاسِ أجمعينَ برحمتِكَ يا أرحمَ الرَّاحمينَ، اللهمَّ وفِّقْنَا لطاعتِكَ وطاعةِ مَنْ أمرْتَنَا بطاعتِهِ، عملاً بقولِكَ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ﴾[14]
نفعَنِي اللهُ وإياكُمْ بالقرآنِ العظيمِ وبِسنةِ نبيهِ الكريمِ صلى الله عليه وسلم.
أقولُ قولِي هذَا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولكُمْ.
المصدر: خطب الجمعة – الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف .