مفهوم الأثر:
أ.لطيفة يوسفي
المطلب الأول: الأثر في اللغة
تعددت المعاني التي حدد بها الأثر في اللغة، ولبيان ذلك نورد النقول التالية:
ففي (مقاييس اللغة ) لابن فارس” (أثر) الهمزة والثاء والراء، له ثلاثة أصول:
تقديم الشيء، وذكر الشيء، ورسم الشيء الباقي.
قال الخليل: لقد أثرت بأن أفعل كذا، وهو هم في عزم. وتقول افعل يا فلان هذا آثرا ما، وآثر أثير، أي: إن اخترت ذلك الفعل فافعل هذا إما لا.قال الخليل: والأثر بقية ما يرى من كل شيء وما لا يرى بعد أن تبقى فيه علقة. والأثار الأثر، كالفلاح والفلح، والسداد والسدد. قال الخليل: أثر السيف ضربته.والأثارة: البقية من الشيء، والجمع أثارات.”[1]
وفي (لسان العرب) لابن منظور ” الجمع آثار و أثور، وخرجت في إثره وفي أثره أي بعده،واتثرتهوتأثرته: تتبعت أثره، عن الفارسي، ويقال، آثر كذا و كذا بكذا وكذا أي اتبعه إياه، و منه قول متمم بن نويرة يصف الغيث:
فأثر سيل الواديين بديمة ترشح وسميا من النبت خروعا.
أي أتبع مطرا تقدم بديمة بعده.”[2]
وفي (القاموس المحيط) للفيروز ابادي ” نقل الحديث وروايته، كالإثارة والأثرة، بالضم يأثره و يأثره و إكثار الفحل من ضراب الناقة، و بالضم: أثر الجراح يبقى بعد البرء، وماء الوجه، و أثر على أصحابه كفرح، فعل ذلك.”[3]
وفي (المعجم الوسيط) “رجل أثر: يستأثر على غيره بالخير، و تفضيل الإنسان نفسه على غيره، و في الحديث” سترون بعدي أثرة”: يستأثر أمراء الجور بالفيء.ومنه الإيثار: تفضيل المرء غيره على نفسه، و الإيثارية عند علماء الأخلاف: مذهب يعارض الأثرية، و يرمي إلى تفضيل خير الآخرين على الخير الشخصي.”[4]
وعند إعمال النظر في هذه النقول نستطيع رصد معان كثيرة للأثر هي:
- بقية الشيء
- العزم في فعل الشيء
- اقتفاء الأثر
- الخبر
- العلامة
- تفضيل الغير على النفس.
وقد ورد ذكر الأثر في آيات كثيرة من القرآن الكريم بهذه المعاني نذكر منها ما يلي:
- ﴿اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾[5]” قال مجاهد (أو أثارة من علم) قال: أحد يأثر علما.وقال آخرون: بل معنى ذلك: أو ببينة من الأمر. وقال آخرون: بل معنى ذلك: ببقية من علم.ذكر من قال ذلك:حدثنا أبو كريب، قال: سئل أبو بكر، يعني ابن عياش عن(أثارة من علم) قال: بقية من علم.”[6]وذهب الطبري إلى أن ” أولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: الأثارة: البقية من علم، لأن ذلك هو المعروف من كلام العرب، وهي مصدر من قول القائل: أثر الشيء أثارة، مثل سمج سماجة، وقبح قباحة، كما قال راعي الإبل:
وذات أثارة أكلت عليها… نباتا في أكمته قفارا
يعني: وذات بقية من شحم.” [7]
- ﴿وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ وَآثَارَهُمْ﴾[8]“وقوله (وآثارهم) يعني: وآثار خطاهم بأرجلهم، وذكر أن هذه الآية نزلت في قوم أرادوا أن يقربوا من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليقرب عليهم.”[9]
- ﴿وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا﴾[10]“قال ابن عباس: ملكوا الأرضوعمروها.وقال:مجاهد (وأثاروا الأرض) حرثوها.”[11]
- ﴿سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾[12] أي ” يعرف ذلك يوم القيامة في وجوههم من أثر سجودهم في الدنيا.”[13]
- ﴿ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا﴾[14] أي ” ثم أتبعنا على آثارهم برسلنا الذين أرسلناهم بالبينات على آثار نوح وإبراهيم برسلنا.”[15]
- ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ﴾[16] “(عَلَى آثَارِهِمْ)، من بعدهم.”[17]
- ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾[18]” يقول: ويعطون المهاجرين أموالهم إيثارا لهم بها على أنفسهم.”[19]
المطلب الثاني: الأثر في الاصطلاح
من استقرئ معنى الأثر اصطلاحا، يجد له عدة اطلاقات بحسب ما يراه أهل كل فن:
- فهو عند الأصوليين:“قول الصحابي و فعله و هو حجة في الشرع.”[20]
- وهو عند المحدثين يطلق على: “الحديث الموقوف والمقطوع كما يقولون جاء في الآثار كذا، و البعض يطلقه على الحديث المرفوع أيضا كما يقال جاء في الأدعية المأثورة كذا.”[21]
- وهو عند الفقهاء ” يستعمل للدلالة على “كلام السلف، و جميع ما يرد عنهم من الأخبار.”[22]
- أما صاحب (التعريفات): فقد أورد مجموع المعاني المقررة للأثر، سواء منها اللغوي و الاصطلاحي الخاص بأهل الاصطلاح من الفقهاء فقال: “الأثر له أربعة معان الأول بمعنى النتيجة وهو الحاصل من الشيء، و الثاني بمعنى العلامة، والثالث بمعنى الخبر و الرابع ما يترتب على الشيء، وهو المسمى بالحكم عند الفقهاء.”[23]
المراجع:
(1 / 53 ) وما بعدها[1]
مجمع اللغة العربية بالقاهرة: ( ابراهيم مصطفى، احمد الزيات، حامد عبد القادر، محمد النجار ) (ص 5)[4]
” سورة الأحقاف” جزء من الآية 3[5]
” جامع البيان في تأويل القرآن ” للطبري (22 / 94)[6]
” جامع البيان في تأويل القرآن ” للطبري (22 / 94)[7]
” سورة يس ” جزء من الآية 11[8]
” جامع البيان في تأويل القرآن ” للطبري (20 / 497) [9]
[10] ” سورة الروم ” جزء من الآية 8
” جامع البيان في تأويل القرآن ” للطبري (20 / 78)[11]
” سورة الفتح ” جزء من الآية 29[12]
” جامع البيان في تأويل القرآن ” للطبري (22 / 262) [13]
” سورة الحديد ” جزء من الآية 26[14]
” جامع البيان في تأويل القرآن ” للطبري (23 / 202)[15]
” سورة الكهف ” جزء من الآية 6[16]
” معالم التنزيل في تفسير القرآن ” للبغوي (3 / 172) [17]
” سورة الحشر” جزء من الآية 9[18]
” جامع البيان في تأويل القرآن ” للطبري (23 / 284)[19]
” الكليات ” للكفوي (ص 40) [20]