إياك و الفراغ |
|
دكتور / بدر عبد الحميد هميسه |
إن الشــــبــــاب و الـــفـــراغ *** مفسدة للــمـــرء آي مفســـدة ! وإن العاقل هو من يجعل أعماله أكثر من أوقاته ؛ فإن الإنسان لا يحس للقلق أثراً عليه طالماً أنه يعكف على عمل ما ، و لكن ساعات الفراغ التي تعقب العمل هو أخطر الساعات عليه . قال الإمام علي -كرم الله وجهه – ” للمؤمن ثلاث ساعات : فساعة يرم فيها معاشه ، و ساعة يخلى بين نفسه و بين لذتها فيما يحل و يجمل ، و ليس للعاقل أن يكون شاخصاً إلا في ثلاث : مرمة لمعاش ، أو خطوة في معاد ، أو لذة في غير محرم ” (3). قال ابن الجوزى ينصح ولده : ” فانتبه يا بنى لنفسك ، اندم على ما مضى من تفريطك .. واجتهد في لحاق الكاملين مادام في الوقت سعة ، واستق غصنك ما دامت فيه رطوبة ، واذكر ساعتك التي ضاعت فكفى عظة ، ذهب لذة الكسل فيها وفاتت مراتب الفضائل ” (4). ومما يروى في ذلك ما قاله القاضى إبراهيم بن الجراح الكوفي تلميذ أبى يوسف : قال : لقد أتيته أعوده فوجدته مغمى عليه . فلما أفاق قال لي : يا إبراهيم ما تقول في مسألة ! قلت : في مثل هذه الحالة ؟ ! قال : لا باس بذلك ندرس لعلة ينحو به ناج ! ثم قال : يا إبراهيم : أيهما أفضل في رمى الجمال – أي في مناسك الحج – أن يرميها ماشياً أو راكباً ؟ قلت : راكباً ، قال : أخطأت ، قلت ماشياً قال : أخطأت ، قلت : قل فيها يرضى الله عنك . قال : أما ما كان يوقف عنده للدعاء فالأفضل أن يرميه راكباً ، ثم قمت من عنده فما بلغنا باب داره حتى سمعت الصراخ عليه ، وإذ هو قد مات رحمة الله عليه (6). وكان الفتح بن خاقان يحمل الكتاب في كمه أو في خفه فإذا قام من بين يدي المتوكل للبول أو الصلاة أخرج الكتاب فنظر فيه وهو يمشى حتى يبلغ الموضع الذي يريده ثم يصنع مثل ذلك في رجوعه إلى أن يأخذ مجلسه فإذا أراد المتوكل القيام لحاجة أخرج الكتاب من كمه أو خفة فقرأه في مجلس المتوكل إلى حين عوده (7). ومكث ابن جرير الطبري أربعين سنة يكتب في كل يوم منها أربعين ورقة وقد صار مجموع ما صنفه نحو 358 ألف ورقة ، وقد ولد بن جرير سنة 224هـ وتوفى سنة 310هـ فعاش 81 سنة فإذا طرحنا منها سنة قبل البلوغ وقدرناها بأربع عشرة سنة يكون قد بقى ابن جرير سنتين وسبعين سنة يكتب كل يوم 14 ورقة فإذا حسبنا الاثنين والسبعين سنة وجعلت كل يوم منها 14 ورقة تضيفا كان مجموع ما صنعه نحو 358 ألف ورقة (8). الهوامش : المرجع : صيد الفوائد . |