أصول التربية الإسلامية:أ.د. فهد العصيمي.الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، محمد بن عبد الله، وبعد:
التربية الإسلامية هي تنمية فكر الإنسان، وتنظيم سلوكه، وعواطفه على أساس الدين الإسلامي بقصد تحقيق أهداف الإسلام في حياة الفرد والجماعة أي في كل مجالات الحياة؛ فالتربية الإسلامية على هذا عملية تتعلق قبل كل شيء بتهيئة عقل الإنسان، وفكره، وتصوراته عن الكون، والحياة، وعن دوره وعلاقته بهذه الدنيا، وعن غاية هذه الحياة المؤقتة التي يحياها الإنسان، والهدف الذي يجب أن يوجه مساعيه لتحقيقه.
وقد قدم الإسلام هذه الأفكار كلها في منظومة من التصورات مترابطة متينة البنيان كما قدم لنا العقائد التي يجب على الإنسان أن يؤمن بها، وتحرك في نفسه الأحاسيس والمشاعر، وتعزز العواطف الجديرة بأن تدفعه إلى السلوك الذي نظمت الشريعة له قواعده وضوابطه؛ فالجانب الإيماني الاعتقادي من الدين يقدم أساسًا راسخًا من العقيدة الثابتة، والتصورات الواضحة المترابطة، والجانب التشريعي يقدم لنا قواعد وضوابط نقيم عليها سلوكنا، وتنظم بها علاقتنا بل هو الذي يرسم لنا خطة حياتنا وسلوكنا، والجانب التعبدي هو سلوك المسلم الذي يحقق به كل تلك التصورات.
وعملية التربية هي تنمية شخصية الإنسان على أن تتمثل كل هذه الجوانب في انسجام متكامل تتوحد معه طاقات الإنسان، وتتضافر جهوده؛ لتحقيق هدف واحد تتفرع عنه وتعود إليه جميع الجهود، والتصورات، وضروب السلوك، ونبضات الوجدان.
وتعاني الإنسانية اليوم من التفكك والضياع الشيء العظيم والكثير، والعالم بمعسكريه الغربي الرأسمالي والشيوعي الملحد يسيران بالبشرية إلى الهاوية والدمار، وذلك بسبب انعدام الدين الصحيح في نفوس القوم، وبسبب الإفراط في الشهوات، وانعدام ضوابط الغريزة، وهو راجع إلى التركيبة التي تعيشها هذه المجتمعات؛ حيث انبثقت هذه التركيبة من التربية غير الموفقة والمجانية للقيم، والتعاليم السماوية فتربي الإنسان تربية بهيمية تركز فيها على الجانب الجسدي من حياة الإنسان.
وصدق الله العظيم في وصفهم: (إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا)، وفي قوله: (يعلمون ظاهرًا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون)، ولكن بسبب هذه التربية المعوجة ضاعت الطفولة لديهم، وضاعت الأنوثة والرجولة، وأصبحت البشرية على حافة الدمار، والخراب، والبؤس، والشقاء، وشريعة الغاية هي التي تحكمهم، وتسير حياتهم؛ لذلك ونتيجة حتمية لا بد من بحث عن بديل لهذه التربية المعوجة.
ولما كان الإسلام دين عالمي شامل كامل متطور بتعاليمه إلى السمو في كل حياة الإنسان في الدنيا والآخرة قال تعالى: (ما فرطنا في الكتاب من شيء)، وقال صلى الله عليه وسلم: (تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك)، فلا بد لهذا الدين بتوجيهاته المنبثقة من الكتاب والسنة ألا يترك موضوع التربية وأصولها، وطرقها، وأساليبها، وذلك بالتوجيهات العظيمة التي تبني الإنسان منذ صغره إلى ما فيه سعادته في الدنيا والآخرة، ذلك أن الإنسان في منظور الإسلام يتكون من مادتين لكل منهما ما يغذيه، ويربيه، “مادة الروح ومادة الجسد” فمادة الروح تُغذَّى وتُربَّى بتوحيد الله تعالى، وصرف جميع أنواع العبادة له دون سواه بما في ذلك الصلاة والزكاة والحج والصوم وغيرها من أنواع العبادات التي ورد ذكرها في الكتاب والسنة (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين)، ومادة الجسد تُغذَّى بالطيبات مما تخرج الأرض من أكل وشرب ولباس وسكن وغيرها من ضرورات الحياة المعيشية، قال تعالى: (ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث)، وقال تعالى: (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعًا)، وقال تعالى: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين)، وقال تعالى: (فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور)، وقال صلى الله عليه وسلم: (كل واشرب ما أخطأتك خصلتان سرف ومخيلة)، فالإسلام بتوجيهاته العظيمة يربي هاتين الخصلتين كلاً فيما يخصه؛ وذلك حتى ينمو هذا الإنسان على هذه الكرة الأرضية نموًا متوازيًا لا يتغلب جانب على حساب جانب آخر، وكذلك يُربَّى الصغير في الإسلام على كل ما ينفعه في دينه من توحيد الله والصلاة والصيام، وفي دنياه من تعليمه وتغذية جسده والعناية به من إرضاعه وكفالته حتى يشب عن الطوق، ولا تنقطع هذه التربية حتى يُوارى جثمان الإنسان الثرى، وإنما يُركَّز عليها في الصغر الأب والأم وجميع الأقارب والمجتمع والدولة، وفي الكبر يظل الإنسان يربي نفسه بنفسه على منهج الله تعالى، والالتزام بتعاليمه، ويهتم بأولاده ويربيهم كذلك على منهج الله تعالى، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارًا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون).