التربية الأسرية في ضوء سورة النساء

 

 

أهمية الأسرة ومكانتها:

الأسرة هي اللَّبِنة الأُولى في بناء المجتمع، الذي يتكوَّن من مجموعة أسرٍ ترتبِط بعضها ببعض، والمجتمع كله تُقاس قوَّته أو ضعفه بقدْر تماسُك الأسرة أو ضعْفها داخل المجتمع، وتَرجع قوة الأسرة أو ضعفها في المجتمع الإسلامي إلى مدى تمسُّكها بالدين الإسلامي.

 

وتظهر أهمية الأسرة ومكانتها العظيمة من خلال ما يلي:

1- تلبية الأسرةِ لحاجتها الفِطرية، وضروراتها البشرية، والتي تكون موافِقة لطبيعة الحياة الإنسانية؛ مثل: إشباع الرغبة الفطرية، وهي الميل الغريزي في أن يكون له ذُريّة ونَسْل، وإشباع حاجة الرجل إلى المرأة وعكسها، وإشباع الحاجات الجسمية، والمطالب النفسية، والرُّوحية والعاطفية.

 

2- تحقيق معانٍ اجتماعية لا يمكن أن تتحقَّق إلا من خلال الأسرة؛ مثل: حفْظ الأنساب، والمحافظة على المجتمع سليمًا من الآفات والأمراض النفسية والجسمية، وتحقيق معنى التكافُل الاجتماعي.

 

3- يغرِس الإسلام الفضائل الخُلُقيَّة والخِلال الحميدة في الفردِ والمجتمع ؛ (عقلة، 1404هـ، ص17- 27).

 

وذلك من خلال ما جاء في القرآن الكريم والسُّنة النبوية؛ لذا أسَّس الأسرة واعتنى بها؛ حتى تَنشأ نشأة قوية مُتماسِكة؛ إذ يقوم بناء الأسرة في القرآن الكريم على أسس ثابتة، أهمها:

أ- أن أصل الخَلْق واحد، وأن الرجل والمرأة من منشأ واحد؛ قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

 

وقال الله تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ ﴾ [الأنعام: 98].

 

ب- تقوم الأسرةُ على تحقيق المودة والرحمة لإقامة المجتمع والأفراد المتماسكين ذوي الفضل؛ قال الله تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21].

 

ففي الأسرة يجد الأولادُ الراحةَ الحقيقية، ويَنعمون بالرحمة والمودة منذ الصغر في ظلِّ الوالدين؛ مما يؤدي هذا إلى لينِ جانب الأولاد، والتواضع لهما بتذللٍ وخضوع، والدعاء لهما بالرحمة؛ لإحسانهما في تربيتهم في الصِّغر.

 

جـ- تقوم الأسرة على العدالة والمساواة لكل فردٍ من أفرادها بما له من حقوق، وما عليه من واجبات؛ قال الله تعالى: ﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [البقرة: 228].

 

ففي الأسرة تكون العدالة والمساواة بحُسن العشرة وترْك الضرار بين الزوجين، وكذلك إقامة العدل والمساواة بين الأولاد؛ حدَّثنا حامد بن عمر، حدَّثنا أبو عوانة، عن حصين، عن عـامر، قال: سمِعت النعمان بن بشير – رضـي الله عنهما – وهو على المنبر يقول: أعطاني أبي عطيةً، فقالت عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تُشهِد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأتـى رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: “إني أعطيتُ ابني من عمرة بنت رواحة عطيةً، فأمرتني أن أُشهِدك يا رسول الله”، قال: ((أعطيتَ سائر ولدِكَ مِثلَ هذا؟))، قال: لا، قال: ((فاتقوا الله، واعدلوا بين أولادكم))، قال فرجع فردَّ عطيَّتَه؛ البخاري، د. ت، ج 3، ص206.

 

د- تقوم الأسرة على مبدأ التكافلِ الاجتماعي والتعاون بين جميع أفرادها؛ لذا شُرِعت أحكام النفقات والميراث والوصية؛ الصابوني، 1403هـ، ج 3، ص32،33.

 

قال الله تعالى: ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 11].

 

تتَّضِح أهمية الأسرة في الشريعة الإسلاميَّة من خلال اهتمامها “بوضع الضمانات التي تُمكِّن الأسرة من أن تكون الأساس الصالح والتُّربة الطيبة التي تَمنح المجتمع الإسلامي كلَّ مقوماته”؛ الفوال، 1406هـ، ج1، ص390.

 

فالأسرة الصالحةُ كالتربة الصالحة؛ إن صلَحت صلَح نباتُها، وإن فسَدَتْ فسَد نباتُها، كما أن في الأسرة إشباعًا للنزوع الوِجداني إلى الأمن والسكن، والإنسان بحكم تطوّره الفكري والحضاري، وتعدُّد أهدافه، وتعقُّد وسائله – لم يَعُد يعيش للذَّته الحيوانية فحسب، وأنه في كفاحه الدائب لبلوغ غايته وسعيه في أداء رسالته، يتطلَّب الأمن والاستقرار، ويحتاج إلى القلب الحنون الذي يبادِله الأُنس والسعادة، ويُهيئ له وسائلَ الراحة والسكينة.

 

– المصدر : شبكة الألوكة .

Scroll to Top