أثر ثقافة الغير على الفكر.

أثر ثقافة الغير على الفكر:
إبراهيم محمد السعوي.

مما أنعمه الله على هذا العبد الضعيف عقل وفكر يستنير بهما دروب الحياة، ويميز بهما بين الحق والباطل، وبين الضار والنافع، وبين الخير والشر، ومحلاً للجزاء والعقاب، ومرمى للثناء والذم، بواسطتهما يخطط لمستقبل حياته، ويستعين بهما لتنوير الأمة طريقها، والنهوض بها، وبحبلهما يساهم في إنقاذ من تاه وانسلخ مع الأمواج إلى بر الأمان.
إلا أن هناك بواعث ومؤثرات تجنح بالفكر، وتقف خلف كثير من التحولات فمرةً إلى أقصى اليمين، ومرةً أخرى إلى أقصى اليسار، وسبب لطروحات حادة يستعصي معها الفهم والتحليل.
ومن تلك البواعث والمؤثرات في هذا العصر فهم نصوص الوحي على ما تمليه الثقافة الغربية؛ فتجد من يأخذ نصًا من كتاب أو سنة فيعطيه معنى من معاني هذه الثقافة له لوازم لا تناسب مع بقية نصوص الكتاب والسنة؛ فإما أن يتقبل بهذه اللوازم فيمضي في تحريفه إلى نهايته، وإما أن ينكر هذه النصوص فيقع في التناقض والحرج، ويكون من أهل هذه الآية قال عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً) النساء: 150.
ومثال هذه النصوص التي سير فيها على هذه الطريقة قوله تعالى: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) البقرة: 256؛ فهذا نص صار يستدل به البعض على ما يسمى بالحرية الدينية على ما يريده الغرب؛ مما يقتضي أن يكون من حق الإنسان أن يدخل في الدين أو يخرج منه متى شاء، فتكون الردة أمرًا مباحًا لا جريمة يعاقب عليها مرتكبها.
ومن ثم يقول ليس هناك نص فيه تجريم المرتد؛ فإذا قلت له قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ * فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُم) محمد: 25-28، فيقول بكل جرأة هذا عقاب أخروي، وكذا يسير مع آية أخرى نحو قوله تعالى: (وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون) البقرة: 217.
فإذا أتيت بنصوص من السنة صحيحة صريحة لا غبار عليها تجرِّم الردة وتعاقب عليها نحو ما أخرجه البخاري عن ابن عباس: (من بدّل دينه فاقتلوه)، فيجيبك بشبهة واهية تعاقب عليها الأجيال، الخلف يستقيها من سلفه، وهو أن هذا التجريم والعقوبة واردة في أحاديث آحاد، والحدود لا تثبت بحديث آحاد.

* غَبَش الرؤية والفكر:
من الصفات الجميلة في المفكر وغيره وضوح الرؤية التي تعني إدراك الأشياء على حقيقتها؛ فيرى الجميل جميلاً، والقبيح قبيحًا.
وأما الاضطراب في الفكر لدى فئات من الناس الذي أوصلهم إلى عالم الزندقة، وكذا الجنوح الثقافي الذي أوصل ثلة من المثقفين إلى درجة الذبذبان، والتردد إلا نتيجة لغبش الرؤية ووضوحها؛ لأنهم عندما ينظرون، ينظرون إلى مظاهر الأشياء، أو بعض أجزائها، أو من زوايا ضيقة؛ ثم ينطلقون في تصوراتهم وآرائهم من خلالها، ولهذا نجدهم عند قراءتهم لبعض النصوص يستخلصون من نص واحد آراء وطروحات متباينة ومتناقضة.
ومما يزيد في غبش الرؤية شلة ورفقاء الدرب الكبار في الفكر، ولهذا نجد الواحد إذا انطلق في فضاء القراءة النزيهة، البعيدة عن الوصاية، واتصال ببعض من يحملون التصور الصحيح، وقف على حقائق الأمور، وعرف الصحيح من السقيم، وأن ما كان عليه في السابق سراب في أرض قاحلة فسيحة.
ومن أمثلة ذلك أشار أحدهم -خالد محمد- إلى أن ضيق التصور هو الذي جرفه في طرق منحرفة من التفكير قبل أن يعود إلى جادة الطريق، وحينما عاد رأى الأشياء بوضوح؛ فعرف أنه كان واهمًا في رحلته السابقة.

Scroll to Top