صراع القيم العالمي والتطرف القيمي:
> د. حياة بن سعيد باأخضر.> الصراع على القيم أزلي؛ لأن الاستيلاء على أي بقعة في الأرض هو استيلاء على سكانها؛ فهو يعني تغييرًا كاملاً لها عقيدةً وفكرًا وأرضًا وبشرًا وبيئةً تناسب وتتسق مع المحتل الجديد سواءً بالقوة العسكرية أو القوة الناعمة التدريجية عبر الإعلام والتعليم والمساعدات المادية المتوالية؛ فالقوة هي القدرة على التغيير لما يريده صاحب القوة.
> والقيم هي ما تتوارثه البشر ممثلةً في تعاليم دينية، وعادات اجتماعية متوارثة، وترسيخها عبر ممارسات يومية، وتدريس، وتربية الكبار والمؤثرين في الأفراد. ولدينا بصفتنا مسلمين قيمنا الإسلامية التي تكتسب خصوصيتها شأنها شأن كل أصحاب معتقد، ويمكننا أن نعرفها بأنها: “مجموعة الأخلاق التي تصنع نسيج الشخصية الإسلامية، وتجعلها متكاملة قادرةً على التفاعل الحي مع المجتمع، وعلى التوافق مع أعضائه، وعلى العمل من أجل الدين ثم النفس والأسرة، وهي تنقسم إلى قسمين: قيم تخلية: وتعني القيم المأمور تركها وتجنبها، وقيم تحلية: وتعني القيم المأمور فعلها وتعلمها”.
> وإن القيم الفطرية قيم راسخة وليست نسبية ولا متغيرة، ومنها القيم الإسلامية، وهذه القيم يسعى عقلاء وعلماء كل أمة لثباتها؛ لأنها تعتبر سياجًا لحفظ الأمة من تذويبها في قيم وثقافات غيرهم، وهذا ما نجده بارزًا في القيم الإسلامية التي نادى بها كل الأنبياء والرسل عليهم السلام؛ فهي قيم ثابتة لا تتغير، ولا تتبدل على اختلاف العصور، والأشخاص، والبيئات، والمصالح؛ لارتباطها بالعبادة الخالصة لله تعالى؛ فالقائم بها هو في عبادة ينال بها أجورًا مضاعفة في الدنيا والآخرة؛ لذا كان تأصيل هذه القيم، وتحقيق نسبتها للدين من مهمات الراسخين في العلم؛ حتى لا تختلط البدع والقيم البشرية المبنية على عادات، ومصالح متعددة المصادر مع الدين الحق، ولما كان هذا شأن القيم والأخلاق الإسلامية، وجدناها سببًا في دخول شعوب في الإسلام، وتمسكهم به جيلاً بعد جيل، وكان أيضًا سببًا في الاهتمام الغربي بها، والتخطيط لحرب هذه الأخلاق من خلال وسيلتين:
> – إزالة كلية لهذه الأخلاق باعتبارها من مخلفات الماضي والتراث والفلكلور الشعبي، وأنها مصادمة للوقت المعاصر.
> – بقاؤها مع تغيير تدريجي لها عبر ممارسات خاطئة تحمل لبوس الدين زورًا وبهتانًا.
> واستخدموا لذلك:
> – الوسائل الإعلامية المتعددة التي تبرز من نصبوهم لتغييرها بأن جعلوهم رموزًا سياسية واجتماعية وتعليمية وحقوقية وإعلامية من مغنين وممثلين ومقدمي برامج ومسابقات وقنوات اليوتيوب والمقاطع القصيرة.
> – القوة الناعمة عبر الوسائل الإعلامية ومعها المحاضرات والندوات والورش والحملات الإعلامية والدعائية المتوالية، والقوة الناعمة هي الأخطر؛ فهي تسعى للتغيير الجذري للدول من غير استخدام القوة المباشرة بل عبر الاهتمام بالقضايا الملحة للمجتمعات المختلفة، وطرح الحلول العملية السريعة لها، وهذه الحلول تكون وفق رغبة صاحب القوة لكنه اختار التوقيت المناسب لطرق قضايا ملحة جاذبة في مجتمع ما لم تطرح لها الحلول الفاعلة في ذات المجتمع، مع ملاحظة أن يكون لصاحب القوة تأثير سابق يتمثل في كونه قدوة للحضارة والقوة المتعددة في المجتمع.
> – الاعتماد النخبوي عبر المؤثرين الذين تُقبل كل أو أكثر أقوالهم، ويُقتدى بأفعالهم حتى لو كانت مجانبة للصواب تمامًا أو تحوي بعض الحق؛ لذا تربية القيادات المؤثرة ووسائل وصولهم للمجتمع تكون من أولويات كل راغب في التغيير الإيجابي والسلبي.
> – السعي الحثيث للوصول إلى القرى والأرياف؛ فأهلها معادن القيم المتوارثة البعيدة عن التأثير الخارجي المتوالي فينصبون شباكهم المغطاة بمزاعم الدعم المادي لأحوالهم.
> ونحن الآن نعيش عصرًا من عصور التغيير القسري للقيم الإسلامية في العالم الإسلامي بدأ منذ قرن تقريبًا، وتوالى تقليم أظافر القيم الإسلامية؛ فأدّى ذلك لتحول المنكر معروفًا، والمعروف منكرًا، والتطرف القيمي قد ظهر في مجتمعاتنا على أنه الشرع الحنيف، ومن صور ذلك:
> – نزع الحجاب الشرعي واستبداله بحجاب لا صلة له بالإسلام على أنه حقيقة شرعية ثابتة.
> – تغيير المفهوم الشرعي للستر والعفاف والحياء عند الرجال والنساء في تمرد على القيم إلى سلوك مجانب للفطرة السوية والسمو الأخلاقي وتمرد على القيم.
> – قوامة الرجل وأنثوية المرأة؛ فوجدنا تأنيث الرجال واسترجال النساء.
> – المطالبة بحقوق زائفة، وجعلها من ضمن الحقوق المشروعة ليختلط الباطل بالحق؛ فتعمى الأبصار والبصائر عن الرؤية الصحيحة.
> – تغيير حقيقة المسؤولية المنوط بها كل فرد في الحياة، والمسؤولية تعني وجوب قيام المكلف بها؛ فقلبوها حريات مزعومة، وقلبوها مسؤولية للتدمير المجتمعي بشعارات الحقوق الزائفة.
> والأمثلة تطول، وأترك للقارئ أن يجمعها من حياته؛ ليعلم مقدار تغيير القيم في حياته.
> فما هو دورنا:
> – العلماء والمؤثرون عليهم عبء كبير في النزول للمجتمع، وتقديم الحلول النافعة الملموسة لقضاياهم عمليًا، ولا يكتفون بالتنظير الشفوي.
> – ربط دروس وحلقات العلم الشرعي بواقع الحياة التي يعيشها المجتمع.
> – الوصول لأفراد المجتمع كلٌ بحسب مؤهلاته العلمية والاجتماعية والفكرية.
> – الطرق المتوالي على تثبيت القيم قولاً وعملاً عبر مراكز الأحياء والمساجد والتعليم، والثناء على من يشارك ويتفاعل.
> – التعامل المفلح الإبداعي مع وسائل الإعلام المتاحة للجميع.
> وأيضًا أترك للقارئ المشاركة بتقديم المقترحات البناءة فلديه الكثير مما هو أفضل مما قدمته، ولدينا رصيد ضخم من أفراد صالحين مصلحين بحمد الله.