صورة قرآنية بديعة:د. عثمان قدري مكانسي.بسم الله الرحمن الرحيم
تأمل معي هذه الصورة المتحركة الملونة لإنشاء السحاب في القرآن الكريم، قال تعالى: (ألم ترَ أن الله يزيجي سحابًا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركامًا فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال في برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عمّن يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرةً لأولي الأبصار).
1- يزجي سحابًا .
2- ثم يؤلف بينه.
3- ثم يجعلُه ركامًا.
4- فترى الودق يخرج من خلاله.
5- وينزل من السماء من جبال فيها من برد.
6- فيصيب به من يشاء.
7- ويصرفه عمّن يشاء.
8- يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار.
9- يقلب الله الليل والنهار.
10- إن في ذلك لعِبرةً لأولي الأبصار.
صورة بديعة، تبدأ بغمامات صغيرة في السماء تجمعها الرياح بإذن الله، فتنتشر في رقعة كبيرة في السماء، ثم يجعل الغيومَ طبقات بعضُها فوق بعض، يكاد النهارُ يُعتم لكثافتها، ثم ينزل المطرُ من خلال الغيوم غيثًا غَدَقًا، وقد يتجمد في الأعالي فتكون الغيوم جبالاً من برد، فتنزل رحمة ونعمة أو عذابًا ونقمة، ذاك يجلل الأرض ويحفظ الزرع، والثاني يدمر ويحطم، وحين تلتقي الغيوم سالبُها وموجبُها يسبح الرعد بحمد الله بصوت مجلجل يهز القلوبَ ويصم الآذان، (سبحان من سبّح الرعدُ بحمده والملائكة من خيفته) ويلمع البرقُ بقوة تكاد تأخذ الأبصار، فيغمض المرء عينيه خشية العمى؛ فيجعل الليلَ نهارًا شديدَ المعان.
هكذا يتبادل الليل والنهار أماكنهما في هذه الأرض بنظام كوني متناسق؛ فلا يسبق الليل النهار ولا يتأخر النهار عن الليل، إنهما آيتان من آيات الله العظيمة وقدرته البديعة، لا يعتبر بهما إلا من رزقه الله القلب الحي والبصيرة الإيمانية الفذة.
أذكر أستاذًا لنا في كلية الآداب في جامعة حلب أواخر الستينات ينقل عن أساتذته المستشرقين أن القرآن كتاب عظات وعبر وهو -القرآن- على جلال قدره لا صور فيه، وتمر الأيام وندرس القرآن أدبًا وصورًا؛ فنراه يعجُّ بها وإذا هو بحر من الصور المتحركة المعتمدة أحيانًا على حركة الكلمة ولونها وصوتها، وأحيان على الصورة الكاملة بأركانها الأربعة: المشبه والمشبه به وأداة التشبيه ووجه الشبه وأحيان بأنواع التشبيه التمثيلي والتضميني وغيرها وأحيان بالاستعارات بكل فروعها.
تجد نفسك في مروج زاهية ذات طاقات عبقة وأزاهير فواحة وأَسْرِيَةٍ تتشعب فيها فتتملكك النشوة في هذه الرياض النضرة، وتتأكد أن المستشرقين لم يفهموا القرآن فلم يُنصفوه، أو إنهم مكروا ودلّسوا، فنقل عنه تلامذتهم من أهل العربية دون أن يتبيّنوا، وهم يظنون أنهم يُحسنون صنعًا.