قانون لقمان الثلاثي للإبداع التربوي:د. جاسم المطوع.من يتأمل سيرة إبراهيم -عليه السلام- مع أبيه، وموقف يوسف -عليه السلام- مع امرأة العزيز، ووصايا لقمان الحكيم لابنه، يلاحظ أن بين هذه المواقف الثلاث خيط تربوي رفيع، وهو “التميز، والإبداع، وقوة الإيمان”، وهذه القيم الثلاثة يتمناها كل مربي في أبنائه، وهي الرسالة التربوية التي نتعلمها من القرآن الكريم لتربية أبنائنا، فإبراهيم -عليه السلام- كلّم والده بلطف، وبعبارة “يا أبتِ” عندما قال له: (يا أبتِ لِمَ تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئًا)، ويوسف -عليه السلام- كان له موقف واضح بعدم الاستجابة لطلب امرأة العزيز بفعل الفاحشة، واستطاع أن يتعامل مع الموقف الحرج بحكمة وضبط نفس، وقوة إيمان، فإبراهيم -عليه السلام- استثمر ذكاؤه وتميزه؛ لإقناع والده بعدم فائدة ما يعبد من الأصنام باستخدام تميزه الفكري والعقلي، بينما يوسف -عليه السلام- استثمر تميزه الإيماني والعقدي بالصبر وضبط الشهوة، وجعل طاعة الله تعالى لها الأولوية في حياته وهو تميز وإبداع كذلك، بينما لقمان الحكيم وصّى ابنه بعدة وصايا من أجل تربيته على التميز والإبداع في حسن التعامل مع ثلاثي مهم لكل إنسان، وهو حسن التعامل مع الخالق وهو الله تعالى، ومع المخلوق وهو النفس أو الذات، ومع الخَلْق وهو الناس؛ فأوصاه بخصوص علاقته بالله ألا يشرك به شيئًا، وأن يحافظ على صلاته، وفي علاقته بالناس أوصاه بأن يبر والدَيه، ولا يطيعهما إذا أمراه بالشرك بالله، وكذلك ألا يتكبر على الناس، ويعاملهم بالتواضع، ويكون خلوقًا عند الحديث معهم؛ فلا يرفع صوته، وإذا وجد خيرًا يثني عليه، ويأمر بالمعروف، وإذا وجد خطأ ينهى عنه، وينكر المنكر، وأما تعامله مع نفسه أن يكون صابرًا أمام تحديات الحياة، وإيذاء الناس، ويكون إيجابيًا ومبادرًا ومتفائلاً؛ فالمنهج القرآني التربوي من خلال عرض القصص يساهم في الحفاظ على الأسرة، وتميز التربية، فلو عامل الوالدَين مع الطفل من صغره بطريقة مميزة من خلال استخدام أسلوب الحب والحوار والمدح والثناء والتشجيع؛ فإن الطفل إذا كبر سيكون متميزًا ومبدعًا وقائدًا، ولهذا فصلت السنة والسيرة النبوية المنهج التربوي بإجراء تطبيقي عملي مثل موقف مدح النبي -صلى الله عليه وسلم- للحسن -رضي الله عنه- وتشجيعه له منذ طفولته فقال: (إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين) “رواه البخاري”؛ فالطفل وهو صغير عندما يسمع مثل هذه الكلمات من والده أو جده فيحفظها، ويتفاعل معها، ويتبناه لتكون مشروعًا له مستقبليًا في حياته، ويحرص على تطبيقها، وهذا ما حصل مع الحسن -رضي الله عنه- عندما كبر، فالتربية المتميزة والمبدعة هي عبارة عن خلطة تربوية فيها حسن الحوار والحب والتشجيع والمدح، ومن يقرأ تاريخنا يتعرف على أطفال كانوا متميزين ومبدعين بسبب التربية التي تلقوها، مثل: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعمر بن عبد العزيز، والقاضي أبو يوسف، وربيعة الرأي، وأبناء عبد الملك بن مروان الأربعة الوليد وسليمان ويزيد وهشام، ومحمد بن القاسم، ويحيى بن يحيى، وكثير يزخر بهم تاريخنا، ومن يتأمل القرآن يجد أن لفظ الأولاد والأبناء ذكر “62” مرة، منها آيات تذكر حقوقهم، وأخرى تذكر تربيتهم، وآيات تذكر أهميتهم بالحياة، وأخرى تحذِّر من أن ينقلبوا من نعمة إلى فتنة، ومنها آيات تتحدث عن علاقة الأبناء بآبائهم، وكلها تعتبر منهج تربوي تساعد المربين والوالدَين في حسن التعامل مع الأطفال من أجل تنشئة متيمزة ومبدعة، فـ(المال والبنون زينة الحياة الدنيا)، ولهذا لخّص لنا لقمان الحكيم قانون الإبداع التربوي بثلاثي مهم وهم “الخالق، والمخلوق، والخلق”، فإذا أحسن الإنسان التعامل مع الثلاثة كان سعيدًا في الدنيا والآخرة، وصار متميزًا ومبدعًا شاكرًا خالقه، ومحافظًا على نفسه، ومحبوبًا للناس، كاسبًا قلوبهم.