شيماء الغامدي.
مقدمة:
من فضل الله تعالى وتكريمه لبني آدم أن شرع لهم الزواج، وجعله من نعمه سبحانه على عباده (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّة) الرعد: 38، فذكر ذلك في معرض الامتنان، وإظهار فضله سبحانه عليهم، وقد رغَّب الإسلام في الزواج، وحثّ عليه؛ فعدَّه آية من آياته سبحانه: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الروم: 21.
على عتبة الزواج:
1- اختيار الزوج المسلم الصالح؛ فقد حضَّ الإسلام على حسن اختيار الزوج من ذوي الأخلاق والصلاح والدين والعفة، قال تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات: 13، وقال سبحانه (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) النور: 32، (1) فلا تغترّي بالمال أو بالجاه أو غيرهما، واحرصي أولاً على الاستقامة في الدين وحسن الخلق لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) “الترمذي”.
2- إياكِ أن تتزوجي من الزاني، قال تعالى: (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) النور: 3، قال الإمام ابن كثير: “أي حرم تعاطي الزنا والتزوج بالبغايا أو تزويج العفائف بالرجال الفجار”.
3- يستحسن أن يكون الزوج من الحريصين على تعلم العلم ومطالعة الكتب -ونحسبكِ كذلك- ليسهل التفاهم والتواصل بينكما، ولتتعاونا على البر والتقوى. (2) ولكِ في أمهات المؤمنين ونساء السلف الصالح أسوة حسنة.
4- احذري أن يتم زواجك ممن لا يحل لك، سواء كان سبب التحريم القرابة أو الرضاع أو غيرهما؛ فتحرّي جيدًا قبل فوات الأوان!
مرحلة الخطبة:
1- بعض الفتيات يترددن كثيرًا في أخذ قرار الزواج وحسم أمرهن فيطلبن من الخاطب مدة للتفكير، فتبدأ في وزن المفاسد والمصالح والإيجابيات والسلبيات، وهذا أمر مقبول إذا لم يتجاوز الحد المعقول فتطول المدة، وإن سُئلت أو استُعجلت، ردّت في دلال -مفرط- “على الأخ أن يصبر لا زلت أفكر” وهذا تصرف غير لائق، خذي مهلة محددة وصلِّ صلاة الاستخارة، واقرئي الدعاء كما علّمنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فما ندم من استخار الخالق وشاور المخلوقين المؤمنين، ثم سَلِ الله التوفيق.
2- أعدّي قائمة حول النقاط التي ترغبين إثارتها أثناء لقائك مع الخطيب ورتّبيها.
3- استعدي نفسيًا لهذا اللقاء، لا تحضريه وبالك مشغول بأمور أخرى، أو أنتِ مريضة، وتجنبي عقد اللقاء أثناء فترة الحيض إذا كان مزاجك مضطربًا.
4- من المستحب أن تنظري إلى خطيبك أثناء اللقاء، لكن احرصي على احترام الضوابط الشرعية، احذري الخلوة أو المصافحة، وحافظي على لباسك الشرعي.
5- بعض العائلات تقيم حفلاً مختلطًا يوم الخطبة، فيدخل الخاطب على مخطوبته وهي متزينة -وإن كانت تغطي رأسها- ليجلس إلى جانبها أو ليلبسها عقدًا أو سوارًا …إلخ وهذا غير جائز شرعًا؛ لأنه لم يعقد عليها بعدُ، فاحترسي ولا تتساهلي!
6- إياكِ والخروج بعد اللقاء الأول أو الحديث مع الخطيب -ولو بالهاتف- قبل العقد، ذلك خشية الملل أو الانجراف وراء العواطف، لا تنسي، إن مما حبا الله به المرأة وكرّمها به أن فاقت الرجل بالحياء ولذلك يُقال في شدة الحياء “أشد حياءً من العذراء في خدرها”، وإنما يهتك ستر الحياء التوسع في الأمور على غير بصيرة، فتنبّهي!
7- استحباب الفحص الطبي قبل الزواج وقايةً واستدراكًا لما يمكن تدراكه.
من حقوقك قبل الزواج:
1- أن يستأذنك وليك ولكِ الحق في قبول الزوج أو رفضه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن) قالوا: يا رسول الله! وكيف إذنها قال: (أن تسكت)، فالولي مأمور من جهة الثيّب، ومستأذن للبكر، لكن احذري من الاستسلام إلى العواطف الهوجاء، واختاري الزوج الصالح المتحلي بالأخلاق الحسنة.
2- جواز عرض الرجل مولّيته على أهل الخير والصلاح: اعلمي أن الرعيل الأول من أصحاب سيد المرسلين -صلى الله عليه وسلم- كانوا يجتهدون في تحري الصالحين لبناتهم أو أخواتهم، بكل صراحة في العرض وعدم تحرّج في القبول أو الرفض، فلا تستنكري على وليك إن تصرف كذلك، ولا تظني أنه يعرضك لترويج بضاعة كاسدة، حشا وكلا! فقد فعل ذلك عمر -رضي الله عنه- وغيره من السلف الصالح.
3- لا يحق لوليك أن يمنعكِ من الزواج بحجة استكمال التعليم أو الحصول على الشهادة والوظيفة، بل يمكن الجمع بين الأمرين إن أحببتِ وتيسّر لكِ ذلك. (3).
4- إياكِ أن تشترطي لزواجك بالرجل أن يطلّق امرأته -إن كان متزوجًا- قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة تسأل طلاق أختها، لتستفرِغ صحفتها، فإنما لها ما قُدِّر لها) “البخاري”.
أركان الزواج الصحيح:
1- أولها الولي: عن أبي موسى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا نكاح إلا بولي) “أبو داود”.
2- الشاهدان: لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) “ابن حبان”.
3- المهر: أوجبه الشرع على الزوج، وجعله هدية تكريم للزوجة، قال تعالى: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَة) النساء: 4، إلا أنه حثّ على يُسره وخفته، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير النكاح أيسره)؛ فاحذري المنافسة في مغالاة المهر.
حفلة الزفاف:
1- كوني حريصة على حفلة زفاف إسلامية خالية من المنكرات، واحذري الاختلاط غير المشروع بحجة أنه عائلي بصعود العريس مع العروس أمام النساء على المنصة، أو التعاقد مع المغنيات والمطربات، أو وضع أشرطة الغناء عبر مكبرات الصوت، والسهر في ليلة الزفاف حتى ساعات الفجر الأولى.
2- يجوز إعلان النكاح بدف وغناء مباح، لقوله صلى الله عليه وسلم: (فصل ما بين الحلال والحرام، الدف والصوت) “أصحاب السنن”.
3- احذري من العادات والتقاليد المنكرة، كدبلة أو دبلتي الخطوبة التي يضعها العريس في خنصر يد العروس اليسرى فإنها من عادة النصارى ولها أصل عقدي عندهم، كما يجب أن تحذري التغالي بملابس ليلة الزفاف أو التشبه بزي العروس غير المسلمة!
الدخلة:
1- اقرئي عن فن الحياة الزوجية الإسلامية -إن صح التعبير- لتكوني على بيّنة من أمرك، والكتب متعددة ومتيسرة، نقترح عليكِ كتاب: “لقاء الزوجين”، أو “تحفة العروس”.
2- لا تصغي إلى من يُهوِّل لكِ أمر هذه الليلة من الصديقات أو غيرهن.
3- إياكِ ومطالعة مجلات أو كتب الجنس الساقطة البعيدة عن الهدي الإسلامي.
4- اسألي عمّا يشكل عليكِ مَنْ تثقين بها من قريباتكِ لترتاحي ولتُحسِني التصرف مع زوجك، واعلمي أن هذه الليلة لها من الأهمية بمكان لك ولزوجك.
5- تزيني لزوجك، وتطيبي، وهيئي نفسك له، وإياكِ والنمص أو الوصل أو قص الشعر على طريقة الرجال، فكل ذلك منهي عنه شرعًا.
6- من الأفضل أن تدخل أمكِ أو أم زوجك أو غيرهما معك إلى مخدعك؛ حتى تستأنسي وتزول وحشتك.
7- صلِّ ركعتين وراء زوجك؛ ففي هذه الصلاة ما يوحي لكِ ولزوجكِ أن الغاية من هذا الزواج الذي بدأ في هذه الليلة ليست المتعة فقط بل أداء واجب ديني أيضًا، وإنجاب أطفال يكثرون سواد المسلمين وينصرون الدين.
8- نعم، إن الحياء من الإيمان، لكن لا تبالغي كي لا تُنفّري زوجك منك.
9- اختاري ألفاظك، وكوني رقيقة، واحذري أن تجرحيه بكلمة أو تصرف يمس رجولته.
10- احذري بعض العادات المخالفة للأعراف والدين كإثبات العذرية للناس! احسمي أمرك ولا تطاوعي الناس في ذلك الفعل المنكر.
هذه حقوقك فاعرفيها:
1- المهر: هو عطية فرضها الله لك ليست مقابل شيء يجب عليك بذله إلا الوفاء بحقوق الزوجية، قال تعالى: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) النساء: 4، فلا حق للزوج أن يجبرك أن تتجهزي له بشيء من الصداق إلا أن تطيبي أنت له نفسًا بشيء من ذلك، كما أن الشريعة حرمت على أي إنسان أن يتصرف في مهرك بغير إذنك الكامل ورضاك الحقيقي قال تعالى: (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا) أي من غير إكراه ولا إلجاء بسبب سوء العشرة ولا إخجال (فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا).
2- النفقة: وقد دلّ على وجوب هذه النفقة قوله تبارك وتعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) النساء: 34، وتشمل الطعام، والشراب، والملبس، والمسكن بالمعروف، وهي واجبة على الزوج، وإن كانت الزوجة موسِرة، وينبغي أن يطعمها وأولادها حلالاً لا إثم فيه، ولكن على الزوجة ألا تحمّله ما لا يطيق من النفقات.
3- من حقك على زوجك أن يغار عليك، ويصونك من كل ما يلمّ بك من أذى في نظرة أو كلمة؛ فالزوجة أعظم ما يكنزه المرء.
4- المعاشرة بالمعروف: قال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) النساء: 19، من حسن المعاشرة أن يتصنّع الزوج لزوجته كما تتصنع له، وأن يطيّب أقواله وألا يكون فظًا غليظًا وألا يعبس في وجهها، ومن المعاشرة بالمعروف:
– القسم بالعدل إن كان للزوج نساء غيرك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من كانت له امرأتان يميل لإحداهما عن الأخرى جاء يوم القيامة يجر أحد شقيه ساقطًا أو مائلاً) “الترمذي”.
– إكرام أهلك بمبادلة الزيارات، ودعوتهم في المناسبات، وبذل الإحسان لهم.
– معالجتك ومداواتك إذا مرضتِ، وأن يباشر رعايتك بنفسه إذا استطاع وتيسّر له ذلك.
5- لا يجوز لك أن تطيعي زوجك فيما لا يحل له، بل يجب عليك مخالفته حينئذ، وذلك مثل أن يطلبك زمان الحيض والنفاس، أو في غير محل الحرث، أو وأنت صائمة صيام فريضة كرمضان، وذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا طاعة لبشر في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف) “البخاري”.
6- إذا انحرف زوجك عن جادة الحق عليك أن تنصحيه، وإن أصرّ فمن واجبك في هذه الحال مخالفته، فلا يجوز للمرأة المسلمة أن تبقى عند غير المسلم.
7- يحرم عليه كذلك أن يتعمد هجرك، فهو مأمور بأداء حقك بقدر حاجتك وقدرته، ومطالبٌ أن يؤدي إليك حقك، ويعفك، ويغنيك؛ لقوله تعالى: (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَة) النساء: 129.
8- من حقك على زوجك وقايتك من النار بالتعليم والتأديب: لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم: 6، قال علي رضي الله عنه: “علموا أنفسكم وأهليكم الخير، وأدبّوهم”، قال الألوسي رحمه الله: “استُدل بها على أنه يجب على الرجل تعلم ما يجب من الفرائض، وتعليمه لهؤلاء …”، فإن لم يقم زوجك بذلك فعليك أن تخرجي كي تتعلمي أصول دينك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (طلب العلم فريضة على كل مسلم).
9- لا يجوز لزوجك أن يمنعك من القيام بواجبك الديني بحجة أنك امرأة، وأن واجبك الأهم هو البيت والأبناء، تذكري قوله صلى الله عليه وسلم: (النساء شقائق الرجال)، لكن عليك أن تراعي التوازن المطلوب، فلا تهملي بيتك بحجة العمل.
خاتمة:
كانت هذه رؤية عامة حول الزواج في الإسلام، لم نقصد منها بسط الكلام حول المسائل المثارة من خلال التفريع الفقهي، وإنما كان الهدف إعطاء نظرة أولية لكل فتاة مقبلة على الزواج؛ لمساعدتها على محو الأمية في هذا الباب، والانطلاق في طريقها نحو حياة زوجية ناجحة.
والله من وراء القصد.
بارك الله لكما، وبارك عليكما، وجمع بينكما في خير.
—————–
(1) ولذلك يبدو لنا خطأ تفكير بعض الأخوات المسلمات من قبولهن بأزواج ليسوا في الحقيقة ملتزمين ومستقيمين على الدين؛ خوفًا من أن يفوتها قطار الزواج، أو لرغبتها في التمتع بالدنيا ولو على حساب الدين! “نقترح عليك قراءة قصة أم سليم الأنصارية”.
(2) طالعي كتاب “عودة الحجاب” لمحمد بن أحمد بن إسماعيل المقدم صفحة 582.
(3) لا شك أنك تدركين أن العلم هو العلم الشرعي والكوني معًا، فلا يكن همك “الدبلوم” فقط بل شهادة أن لا إله إلا الله، فرُبَّ حاملة الدبلوم أعجمية في القرآن، والرفع في الجنة بآيات القرآن، لا بدرجات الشواهد.