أين الكتاب من حياة أبنائنا:عبد الهادي الخلاقي.لا يمكن لأي منا مهما كان دينه أو مستواه الفكري والثقافي إنكار أهمية القراءة في حياة الإنسان، ودورها في إخراجه من الظلمات إلى النور، وتطور الأمم والشعوب، أول آية في القرآن حثت على القراءة قال الأصمعي لرجل: ألا أدلك على بستان تكون منه في أكمل روضة، وميت يخبرك عن المتقدمين، ويذكرك إذا نسيت، ويؤنسك إذا استوحشت، ويكفّ عنك إذا سئمت؟ قال: نعم قال: عليك بالكتاب، فلا يخلو كتاب من فائدة تنفع مَن يعمل بها أو تحذر من أمر ما، كما إنها تعد خير وأجمل جليس، وأحسنه وأكرمه وأنفعه للفرد وللمجتمع، قال أحد العقلاء: صحبت الناس فملوني ومللتهم، وصحبت الكتاب فما مللته ولا ملني.
وهذا يذكرنا بقول الشاعر:
وخير جليس في الزمان كتاب *** تسلو به إن خانك الأصحاب.
وقال آخر:
أعز مكان في الدنيا سرج سابح *** وخير جليس في الأنام كتاب.
وليست العبرة باقتناء الكتب في المكتبات، وتصفيفها في الأدراج، ولكن العبرة بالفهم والمطالعة فيها، معرفة محتواها من فوائد علمية واجتماعية وثقافية وشرعية، ومما تحتويه هذه الكتب من شتى المجالات التي تخدم الإنسان في حياته العلمية والعملية.
ومع الأسف أهمل الآباء دور الكتاب وأهميته في حياة أبنائهم؛ فاهتموا بتسلية الأبناء، وترفيههم، وإلباسهم أحدث الملابس وشراء أحدث الألعاب التي تنمي النزعة العدوانية لديهم، وتبعدهم عن حب المطالعة ومصاحبة الكتب، وإهمال القراءة والاطلاع؛ فالأسرة هي المحرك الأساسي والدافع لغرس حب القراءة وتقديسها في نفوس الأبناء منذ الصغر، مع الأسف إن فاقد الشيء لا يعطيه فكثير من البيوت لا يوجد بها كتاب واحد، وليس في أولويات هذه الأسرة اقتناء الكتب، بينما كثير من المنازل “الأسرة” تجد ألعاب الأطفال “بليستيشن” بمختلف أنواعها، والألعاب بجميع الألوان والأشكال مدعين بأن الطفل يجب أن يتمتع بحياته وبطفولته، بينما نعلم وتعلمنا منذ صغرنا وحفظنا المثل القائل “العلم في الصغر كالنقش في الحجر” فعجبي لهؤلاء الآباء من إهمالهم لأبنائهم فلذات أكبادهم، وحرمانهم من لذة القراءة، ومتعة التعلم، ومصاحبة الكتب.
إننا نطرح قضية حيوية ومهمة في آنٍ واحد عند مَن يدرك نتائجها وعواقبها الخطيرة، قضية تدعو إلى الدراسة، وتستحق التأمل والبحث بجدية، بل هي بحاجة إلى تكاتف كل الجهود؛ لإيجاد الحلول الناجعة لها، والعودة بها إلى عهدها الزاهر، وهنا نتساءل عن الدافع وراء تراجع، وإهمال اقتناء الكتب من قبل المواطن هل السبب في ذلك المستوى الاقتصادي للأسرة؟ أم المستوى الفكري والثقافي للأسرة هو الركيزة الأساسية في ميول أفراد الأسرة للإقبال على الكتب، واقتنائها والسعي إلى النهم مما فيها من معلومات وثقافة عامة.
لا يختلف اثنان بأن المواطن الخليجي بشكل عام ينفق الكثير على الكماليات والأمور غير الأساسية في الحياة اليومية فالمرأة تنفق الأموال من أجل اقتناء أحدث الاكسسوارات، وغيرها من الملابس الحديثة، كذلك تنفق الأسرة مبالغ كبيرة على أحدث الأجهزة على سبيل المثال منها “الهاتف النقال” والسيارات التي لا يوجد منزل لا توجد فيه سيارة حديثة، في المقابل لا يتجاوز سعر أفضل الكتب، وأنفعها بضع من الدنانير، وأغلب الكتب لا تتراوج أسعارها حفنة من الدنانير التي لا تتجاوز سعر وجبة عشاء لشخص واحد، أما الأسرة ذات المستوى الفكري والتي تولي التعليم والتعلم جزء مهم في حياتها اليومية، وتحرص على أن يظل أبناءها ذات صلة وطيدة مع الكتب، ومجالستها في أغلب الأوقات، على أقل تقدير توجد لدى هذه الأسر مكتبات يلجأ إليها الأبناء وأفراد الأسرة من وقت إلى آخر.
إذًا فلنتفق على أن للأسرة دور كبير في تقدم المجتمع في شتى المجالات؛ فهي مدرسة الأجيال الأولى، ولا بد من البدء في إعادة إحياء القراءة في منازلنا ومجتمعاتنا العربية، فإنه من الأولى أن نبدأ من الأسرة التي هي نواة المجتمع؛ فدور الأهل في جعل أبناءهم يحبون القراءة، وإرشادهم إلى فوائد ومتعة القراءة دور مهم، وأساسي جدًا لننتج جيل متعلم مثقف، ولا سبيل للعلم والثقافة إلا من خلال الكتب بما تحتويه من شتى العلوم والثقافة في مختلف المجالات.