ثلاثة وعشرون مسألة في النذور.

ثلاثة وعشرون مسألةً في أحكام النذور: 
زياد عوض أبو اليمان.

بسم الله الرحمن الرحيم
1- النّذر: التزام المكلّف شيئًا لم يكن واجبًا عليه بأصل الشرع منجزًا أو معلقًا؛ فالمنجز مثل قوله: لله عليَ صيامُ أسبوعٍ، والمعلّق كقوله: لله عليَ صيامُ أسبوعٍ إن شفى الله مريضي، قال ابن المنذر: “وأجمعوا أنّ كلّ من قال: إن شفى الله عليلي، أو قدم غائبي، أو ما أشبه ذلك: فعليَ من الصوم كذا، ومن الصلاة كذا، فكان ما قال أنّ عليه الوفاءَ بنذره”.
2- ينعقد النّذر بكل لفظٍ دلّ عليه كقوله: لله عليَ كذا، أو إن شفى الله مريضي عليَ أن أتصدق بكذا، والغالب فيه استعمال لفظة عليَ الدالة على الإيجاب، قال ابن عثيمين: ينعقد النّذر بالقول وليس له صيغةٌ معينةٌ بل كل ما دلّ على إلزامٍ فهو نذر وإن لم يذكر نذرًا أو عهدًا.
3- النّذر لا يكون إلّا لله، قال شيخ الإسلام: “وقد اتفق العلماء على أنّه لا يجوز لأحدٍ أن ينذر لغير الله، لا لنّبيٍ ولا لغير نبيٍ وأنّ هذا شركٌ لا يوفي به”.
4- قال شيخ الإسلام: ما وجب بأصل الشرع إذا نذره العبد، أو عاهد، أو بايع عليه الإِمام، يكون وجوبه من وجهين، ويكون تركه موجبًا لترك الواجب بالشرع، والواجب بالنّذر، بحيث يستحق تاركه من العقوبة ما يستحقه ناقض العهود والمواثيق، وما يستحقه عاصي الله ورسوله، وهذا هو التحقيق، ونصَّ عليه أحمد، وقاله طائفة من العلماء.
5- اختلف أهل العلم في حكم النّذر على أقوالٍ: فمنهم من ذهب إلى كراهته، وهم جمهور أهل العلم من الحنابلة والشافعيّة والمالكية على تفصيل عندهم، وكذا هو قول ابن حزم، لقول النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- في النّذر: (إنّه لا يأتي بخير وإنّما يُستخرج به من البخيل)، وذهب بعضهم إلى تحريمه ونُسب إلى بعض أهل الحديث ورجّحه الصنعاني، وتوقف في تحريمه شيخ الإسلام ابن تيمية، والثالث: أنّ النّهي وارد في النّذر المعلق لا المطلق، وبه جزم القرطبي، وإليه ذهب بعض أهل العلم ورجّحه الشنقيطي في أضواء البيان، والرابع: أنّ النّهي محمولٌ على من عَلِم من حالهِ عدم القيام لما التزم به من النّذر وهو قول الحنفية، وبعض الشافعيّة، والرّاجح أنّ النّهي محمول على النّذر المعلق لقوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنّما يُستخرج به من البخيل)، وهو ما رجّحه الشنقيطي في أضواء البيان -رحم الله الجميع-.
6- قال الخطّابي في باب النّذر: هذا بابٌ غريبٌ من العلم وهو أن يُنهى عن الشيء أن يُفعل حتى إذا فعل وقع واجبًا، وقال ابن سعدي: إنّ النّذر من غرائب العلم حيث كان عقده منهيًا عنه ووفاؤه محمودًا مأمورًا به، قلت: وقد أثنى الله على الموفين بنذروهم في غير ما آيةٍ من كتابه الكريم.
6- لا يصحّ النّذر إلا من بالغٍ عاقلٍ لقوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (رُفع القلم عن ثلاثٍ الصغير حتى يكبر، والمجنون حتى يفيق، والنّائم حتى يستيقظ) “صحيح الإسناد”.
7- ويصحّ النّذر من الكافر حال كفره وينعقد ويجب الوفاء به إذا أسلم، وإذا لم يفِ به حال كفره، قال الخطّابي: نذر الجاهلية إذا كان على وفق حكم الإسلام كان معمولاً به، قلت: وهو مذهب أحمد وبه قال بعض الشّافعيّة،  وإليه ذهب البخاري وابن جرير ونصره القرطبي، واستدلوا بحديث عمر: (أنّه نذر أن يعتكف ليلة في الجاهلية، فسأل النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- فقال له أوف بنذرك)، “وإسناده صحيح”.
8- النّذرُ على أنواعٍ منها: النّذر المبهم مثل أن يقول لله عليَ نذرٌ ولم يُسمّ شيئًا، وفيه كفارة يمينٍ للحديث الموقوف على ابن عبّاسٍ: (كفارة النّذر إذا لم يسمّ كفارة يمين)، قال ابن قدامة: النّذر المبهم، وهو أن يقول: لله عليَ نذر، فهذا تجب فيه الكفّارة عند أكثر أهل العلم، أمّا إذا نذر عبادةً معينةً وأطلق كالصلاة والصوم وجب عليه أقل ما يصدق عليه الاسم فإذا قال: لله عليَ أن  أصليَ وجب عليه ركعتان، وإذا قال لله عليَ أن أصوم وجب عليه صوم يومٍ.
9- والثاني نذر اللجاج أو الغضب، وهو النّذر الذي سببه الخصومة والمنازعة ، فيعلق الناذر نذره بشرط، بقصد المنع منه، أو الحثّ والحمل عليه، أو التصديق، أو التكذيب وهو مخيرٌ بين الوفاء به أو كفّارة اليمين.
10- والثالث: النّذر المباح كأن يقول: لله عليَ أن آكل الطعام الفلانيّ، أو أن ألبَسَ الثوب الفلانيّ، أو أن أركب السيّارة الفلانيّة، وقد اختلف أهل العلم في النّذر المباح، فذهب بعضهم إلى أن النّذر المباح لا ينعقد وبه قال الجمهور من الحنفيّة والمالكيّة والشافعيّة وكذا هو رواية عن أحمد، والقول الثاني: أنّه ينعقد ويخيّر الناذر بين الوفاء به أو كفارة اليمين وبه قال الحنابلة ورجّحه النّووي والصحيح ما ذهب إليه الجمهور أنّه لا ينعقد ولا كفّارة فيه؛ لأنّه ليس بطاعةٍ.
11- والرابع: نذر المعصية كأن ينذر شرب الخمر، أو قطع الرحم، أو أن يقتل فلانًا من النّاس ، فهذا النّذر لا يحل الوفاء به بالإجماع، قاله ابن قدامة في المغني، لقول النّبي -صلّى الله عليه وسلّم-: (ومن نذر أن يعصيَ الله فلا يعصه) “صحيح الإسناد”، وهل تلزم فيه كفّارة اليمين، قولان لأهل العلم: أحدهما لزوم الكفّارة وبه قال جمع من أصحاب النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- وهو مذهب أحمد ومن مفردات مذهبه واختاره البيهقي، والصنعاني، وابن القيم، وابن عثيمين، وابن بازٍ ودليلهم الأحاديث الواردة في الباب فبعضها يشدّ بعضًا وكذا حديث عقبة بن عامر عند مسلم: (كفارة النذر كفارة يمين) فهو محمول على نذر المعصية وعلى ما لم يسمّ، والقول الثاني: عدم وجوب الكفّارة وهو قول الجمهور من المالكية والشافعيّة والأحناف ورواية عن الإمام أحمد وهو متّجه، والأول أحوط، وأبرأ للذّمّة.
12- والخامس نذر التبرر أو نذر الطّاعة سواء كان مطلقًا أو معلقًا كالصّلاة والصّوم والحجّ والعمرة والصّدقة، ونذر الطّاعة يجب الوفاء به لقوله صلّى الله عليه وسلّم: (ومن نذر أن يطيع الله فليطعه) “صحيح الإسناد”، والفرق بين نذر الطّاعة المطلق والمعلق أنّ المعلق يعلق الوفاء به على حصول شيء كأن يقول: إن شفى الله مريضي فلله عليَ كذا من الصدقة أو الصوم، والمطلق لا يعلقه على حصول شيء كأن يقول: لله عليَ صوم كذا يوم أو التّصدّق بكذا دينارٍ دون التعليق على حصول شيء معينٍ، قال ابن الملقن: قام الإجماع على وجوب الوفاء بالنّذر إذا كان طاعةً وعلى هذا فنذر الطّاعة لا تدخله الكفّارة بل يجب الوفاء به، وهو قول جمهور العلماء.
13- من عجز عن الوفاء بالنّذر فإنّه يكفّر كفّارةَ يمينٍ، لحديث عقبة بن عامرٍ: (كفارة النّذر كفّارة يمين) “صحيح الإسناد”.
14- اختلف أهل العلم في من نذر أن يتصدق بكل ماله، فقيل: يكفيه الثلث لحديث كعب بنِ مالكٍ لمّا نذر أن يتصدق بكل ماله فقال له النبي -صلّى الله عليه وسلّم-: (أمسك عليك بعض مالك)، وهو مذهب مالك والحنابلة واختيار صاحب أضواء البيان، والثاني أنّه يتصدق بجميع ماله وهو قول أبي حنيفة والشافعي ورواية عن أحمد، لقوله -صلّى الله عليه وسلّم: (ومن نذر أن يطيع الله فليطعه)، والثالث أنّه يتصدّق بجميع ماله ويمسك منه ما يغنيه ومن يعول عن مسألة النّاس، واختار هذا القول ابن القيم وهو الراجح إلّا إذا قويَ يقينه، وحَسُن ظنّه بربّه ، وصدَق في اعتماده عليه كحال أبي بكرٍ -رضي الله عنه- فإنّه يتصدّق بكل ماله.
15- من نذر نذرًا لا يطيقه فكفارته كفارة يمين لحديث ابن عبّاسٍ: (ومن نذر نذرًا لا يطيقه فكفارته كفارة يمين)، وقد رجّح الحُفّاظ وقفه على ابن عباسٍ وهو الصّحيح وهو مذهب الحنابلة.
16- لا يصحّ النّذر في ما لا يملكه الإنسان لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَيْسَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَذْرٌ فِي مَا لا يَمْلِكُ) “صحيح الإسناد”، قال النووي: (لَا يَصِحُّ النَّذْرُ فِي مَا لَا يَمْلِكُ، وَلَا يَلْزَمُ بِهَذَا النَّذْرِ شَيْءٌ) وقال ابن حجر: هل تجب فيه الكفارة؟ فقال الجمهور لا، وذهب أحمد والثوري وإسحاق وبعض الشافعية والحنفية إلى وجوب الكفّارة، والراجح أنّه لا يلزم منه شيء فهو لغوٌ لا يترتب عليه شيء.
17- اختلف أهل العلم في حكم أكل الناذر ومن تلزمه نفقتهم من نذره فمنهم من منع ومنهم من جوّز على تفصيلٍ بينهم، وقد سئلت اللجنة الدائمة عن حكم الأكل من المنذور، فأجابت: مصرف نذر الطّاعة على ما نواه به صاحبه في حدود الشريعة المطهرة، فإن نوى باللحم الذي نذره الفقراء فلا يجوز له أن يأكل منه، وإن نوى بنذره أهل بيته أو الرفقة التي هو أحدهم جاز له أن يأكل كواحد منهم، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)، وهكذا لو شرط ذلك في نذره أو كان ذلك هو عرف بلاده، والله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
18- صحة نذر الذهاب إلى بيت الله الحرام وانعقاده لأنّه من المساجد التي تُشدّ الرّحال إليها فمن نذر الذهاب إليه لزمه الوفاء به، وهو قول الجمهور.
19- ومن نذر الذّهاب إليه ماشيًا فله أن يركب ولا يلزمه المشي ولا شيء عليه وهو قول للشّافعي، ورواية عن أحمد، لحديث عقبةَ بن عامرٍ في الصحيحين: أنّ أخته نذرت أن تمشيَ إلى بيت الله حافيةً فرخص لها النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- في الركوب والصحيح عدم لزوم الكفّارة لضعف الأحاديث الواردة في إيجابها.
20- من مات وعليه نذر طاعة يُشرع لوراثه قضاؤه عنه؛ لأنّه من باب البرّ والإحسان والصّلة للميّت فإن كان النّذر ماليًا فإنّه يُقضى وجوبًا من تركة الميّت لقوله -صلّى الله عليه وسلّم- (اقضوا الله فدين الله أحق أن يُقضى) وإسناده صحيح.
21- إذا عين النّاذر مكانًا يذبح فيه ما نذره، لزمه الوفاء بالنذر في ذلك المكان إذا قصد أهل ذلك المكان بشرط خلوه من الموانع الشرعيّة، كأن يكون في المكان وثنٌ يُعبد أو عيدٌ من أعياد المشركين.
22- من نذر الصّلاة في أحد المساجد الثلاثة لزمه الوفاء بنذره ولو لزم من ذلك شدّ الرحال وهو مذهب الجمهور، أمّا من نذر الصّلاة في غير المساجد الثلاثة فإن كان يلزم منه شدّ الرحل فإنّه لا يجوز بل يصلّي في أي مسجدٍ قريبٍ منه لا يلزم شد الرحل إليه.
23- من نذر أن يصليَ في مكانٍ مفضولٍ جاز له أن يصلّيَ في مكانٍ أفضل منه، لحديث جابرٍ (أنّ رجلاً نذر الصّلاة في بيت المقدس، فقال له النبي -صلّى الله عليه وسلّم-: صلّ هاهنا) “وصحح إسناده جمعٌ من أهلِ العلمِ”.

Scroll to Top