مراعاة الشريعة للخواطر الإنسانية:نجلاء سعد الدوسري.بسم الله الرحمن الرحيم.
والحمد لله رب العالمين، والصلاة، والسلام على النبي الأمين، المبعوث رحمة للعالمين، وبعد:
إن من تمام فضل الله على رسوله أن جعله سهلًا لينًا سمحًا طيبًا، لا يُرى في فعله غِلظة ولا يُسمع في كلامه فظاظة، (فبما رحمة من الله لنت لهم)، ولو كان عكس ذلك لنفر الناس من حوله، ولتركوا سماع دعوته، (ولو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك)، وفي هذا دلالة صريحة على أن الأقوال والأفعال تؤثر على النفوس تأثيرًا بليغًا؛ فالكلمة الطيبة إذا وقعت في القلب تغرس جذورها في أعماقه، وترتفع شامخةً في أنحائه، وكيف لا وقد ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، وأما الكلمة الخبيثة فلها وقعًا أليمًا في النفوس، قد لا يبرى منها صاحبها، كما قال الشاعر:
جراحات السنان لها إلتئام ،،، ولا يلتام ما جرح اللسانُ
فالكلمة الخبيثة أشد وقعًا من السيف على متلقيها؛ لأن جرح السيف قد يبرى بالمداواة وأما جروح اللسان فلا يبريها سوى النسيان؛ لذلك دعتنا الشريعة إلى كل ما يؤلف بين القلوب، ويميط الأذى عنها، من ابتسامة وكلمة طيبة وأخلاق حسنة ترقى بصاحبها إلى أعلى المنازل في الدنيا والآخرة، فقد قال تعالى: (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم)، وقال سبحانه: (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم)، فأمرنا سبحانه بقول الأحسن والدفع بالتي هي أحسن؛ حتى لا يكون للشيطان فرجة يفرّق بها بين العباد.
فما أعظم هذا الدين الذي راعى جميع جوانب الحياة المادية والمعنوية حتى أدق التفاصيل التي قد يغفل عنها البعض، وتأييدًا لذلك أمرنا الله سبحانه بالأفعال التي ترقق القلب وتلينه كقراءة القرآن، وسماع المواعظ، وكثرة الذكر والصيام؛ حتى يعكس كل هذا على تصرفات العبد وأفعاله، ونهانا أيضًا عن الأفعال التي تقسّي القلب مثل ارتكاب المعاصي، وهجر القرآن، وفحش الكلام وغيره، فمن أراد امتلاك القلوب، ومغفرة الذنوب فعليه بحسن الخلق، ولين الجانب، وتتبع سيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- حتى ينال ثواب الدنيا والآخرة.