لماذا نربي؟زيد محمد الزعيبر.مما يسر به المرء ما يراه في أوساط المجتمع من ازدياد الوعي بالعديد من المهارات الحياتية والتطويرية، كالتفكير والإبداع والتغيير، وانتشار المدارس باختلاف هويتها، كمدرسة ديبونو للتفكير، ومهارات القبعات الست، ونظرية تريز، وغيرها.
وإن كانت لا زالت غائبة في بعض مياديننا التربوية واقعًا وطرحًا علميًا وعمليًا يظل وجود مثل تلك النظريات أمرًا بالغ الأهمية بإيجاد الأصل وهو الخلخلة في طرق التفكير المعتادة، وتصفية العقل من فتات الروتين القاتل، بأفكار واستنباطات وتحليلات وملاحظات تغير كثيرًا من الواقع.
ومما استفدناه انتشار الأسئلة المثيرة: ماذا؟ لماذا؟ كيف؟ متى؟ لمن؟ فمثلها تجعلنا نعيد النظر في كثير من برامجنا ومشاريعنا، ماذا نعمل؟ لماذا نعمل؟ كيف نعمل؟ متى نعمل؟ لمن نعمل؟
سأعرض لسؤال واحد فقط محيلاً ما بقي منها لك أيها المربي الفاضل.
وهو لماذا نربي؟
أظن أن سؤال المربي نفسه ومن حوله: لماذا نربي؟ إعادة تنظير وهيكلة، وقفزة مبشِّرة نحو الارتقاء والنهوض، أو معركة وصدام يفرضهما واقعٌ سلبيٌ فرضناه على أنفسنا للتخلي عنه، أو للتقويم والمراجعة والتصحيح، وربما غير ذلك مما تكون الحاجة ماسة لوعظ المربين به، أيًا كانت الإنجازات أو التراجعات.
ولماذا نربي؟
فنربي لأمور:
– أن تربية الآخرين تربية للذات أولاً، فماذا يجني من جل ندائه التذكير بالصلاة، ولا يقيم لها في حياته وزنًا، أو يحث على البر، وغالب أحواله العقوق! لا أجزم بأن الأمثلة السابقة يستحيل وقوعها، لكنني أجزم بأن ذلك إن وقع، إنما هو عن غير قصد أو إرادة، أو في مراحل ضعف.
لا شك أن المربي الحاث على الخير هو أول العاملين به، وإن ضعف فنجده أول المطبقين لما يأمر بدءًا من اللحظة الحاضرة للأمر؛ فالتربية للمتربي تربية للمربي نفسه من حيث لا يشعر.
– أيضًا أن تربية الآخرين اختصار لجهودهم وأوقاتهم وتجاربهم، اختصار للتجارب الطويلة المخطط لها من قبل المتربين، وإزالة للتجارب المخفقة عنهم.
فكيف يبدأ بإدارة مجمع قرآني، ونجد بعد لم يدر حلقة قرآنية صغيرة! أو يدير محضنًا تربويًا وبعدُ لا يستطيع أن يدير مجموعة صغيرة! أو يبدأ بحفظ البخاري، ولم يبدأ بالأربعين، ولا بالعمدة أو البلوغ!
والمرجو أن يتولى من يجد في نفسه الكفاءة التربوية والخبرة الناضجة، وإلا لأخفق هنا.
– وفي تربية الآخرين إحياء لمواهب مدفونة، وهمم فاترة، وتنمية مشاريع معطلة، ومن التاريخ: قيل للإمام الذهبي: إن خطك يشبه خط المحدثين، يقول الذهبي: فوقع حب الحديث في قلبي، فأخرج لنا سير أعلام النبلاء وتاريخ الإسلام، وقيل للإمام البخاري بصحبة إخوانٍ له كانوا عند إسحاق بن راهويه: لو جمعتم كتابًا مختصرًا لصحيح سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال البخاري-: فوقع ذلك في قلبي فأخذت في جمع الجامع الصحيح “أي صحيح البخاري”.
ومن الواقع المعاصر: يقول الدكتور عبد الكريم بكار: وأشعر بالامتنان لأحد الأقرباء -جزاه الله خيرًا- والذي قال لي وأنا في الثالثة عشرة من عمري: لا أرضى لك شهادة أقل من الدكتوراه وقد أثرت فيّ تلك الجملة تأثيرًا بالغًا، وظلت بالنسبة لي بمثابة الوقود الروحي إلى أن نلت درجة الدكتوراه في أصول اللغة عام 1399 هجري.
– ولكي لا أطيل فإن المربي يربي رجاء أن يشمله قوله عليه الصلاة والسلام: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له). “رواه مسلم”، وبلا شك أن المربي داخل في هذا الحديث متى ما توفرت في طلابه وتلاميذه الخصال الثلاث: الصدقة الجارية، ونشر علمه بعد وفاته، والدعاء له.
– وأخيرًا فإن في التربية إيجاد تهيئة بيئة ميسرة للمربي في تربية أبنائه فيما يستقبل من حياته، وفيها التعمق في النفس البشرية، بمعرفة أنماط الشخصيات، ونفسياتهم، وطرق حل مشكلاتهم، ورعايتهم (ومن يتحرّ الخير يعطه، ومن يتوقّ الشر يوقه).