مؤهلات الداعية إلى الله تعالى:د. عبد الباسط شيخ إبراهيم.الدعوة إلى الله تعالى، وإلى توحيده وطاعته من أفضل الطاعات وأقرب القربات؛ لأنها تربط الناس بخالقهم ورازقهم (وَمَن أَحسَنُ قَولًا مِمَّن دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحًا وَقالَ إِنَّني مِنَ المُسلِمينَ).
والدعاة إلى دين الله تعالى أفضل الناس؛ لأنهم يقومون بأعمال الأنبياء والمرسلين -عليهم الصلاة والسلام- (الَّذينَ يُبَلِّغونَ رِسالاتِ اللَّهِ وَيَخشَونَهُ وَلا يَخشَونَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفى بِاللَّهِ حَسيبًا)، وهم ورثة الأنبياء وفي الحديث (العلماء ورثة الأنبياء)، وأدلاء الناس على الخير.
ولكي يؤدي الداعية رسالته على وجه الكمال والتمام ينبغي أن تكون لديه مؤهلات علمية وخلقية حوَتهُما آيَتَين من القرآن الكريم الأولى منهما قول الله تعالى: (قُل هذِهِ سَبيلي أَدعو إِلَى اللَّهِ عَلى بَصيرَةٍ أَنا وَمَنِ اتَّبَعَني وَسُبحانَ اللَّهِ وَما أَنا مِنَ المُشرِكينَ) يوسف: 108، فاشتملت هذه الأية أهم شرط يؤهل الداعية إلى أن ينضم في سلك الدعاة إلى الله تعالى وهي (البصيرة)، وهذه البصيرة تعني البصيرة بالعلم، وبما يدعو به، ومما يدعو إليه الإسلام والتوحيد والأخلاق، والمعرفة التامة بأحوال المدعوين، ومعرفة ذلك شرط في نجاح الدعوة.
ثم نبّهت الآية على بعضٍ من أخلاق الداعية، ومنها:
– أن تكون دعوته لله تعالى “خالصة له”، ولا يمزجها أو يشوبها بشيء من حظوظ النفس كأن يدعو إلى الله تعالى ويريد ربط الناس بنفسه، أو أراد الشهرة والسمعة والجاه من خلال الدعوة، والآية أشارت إلى (أدعو إلى الله)، إلى الله سبحانه فقط لا لغيره مهما علا شأنه وعظمت مكانته.
– ثم أشارت الآية إلى أهمية التعاون والتكاتف في سبيل الدعوة (أَنا وَمَنِ اتَّبَعَني)؛ لأن الداعية يحتاج إلى من يؤازره ويعاونه في هذا الشأن، وكان الأنبياء كذلك.
– ثم أشارت الآية إلى أهمية التوكل على الله تعالى، ولا يطمع الداعية فيما بين أيدي الناس، ولا يعتمد عليهم، ولا يسألهم أجرًا في دعوته (ويا قَومِ لا أَسأَلُكُم عَلَيهِ مالًا إِن أَجرِيَ إِلّا عَلَى اللَّهِ)، كما حذّرت الآية الداعية من مخالفة قوله بفعله (وَما أَنا مِنَ المُشرِكينَ)؛ لأن التمايز من أهل الفسق والفجور.
ومن صفات الدعاة كما قال نبي الله شُعيب عليه السلام: (وَما أُريدُ أَن أُخالِفَكُم إِلى ما أَنهاكُم عَنهُ إِن أُريدُ إِلّا الإِصلاحَ مَا استَطَعتُ وَما تَوفيقي إِلّا بِاللَّهِ عَلَيهِ تَوَكَّلتُ وَإِلَيهِ أُنيبُ) هود: 88.
وأما الآية الثانية فهي قول الله تعالى: (ادعُ إِلى سَبيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجادِلهُم بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ) النحل: 125، فأشارت الآية الكريمة إلى الأساليب والطرق الناجحة في الدعوة:
– الدعوة بالحكمة، والحكمة وضع الشيء في مكانه وموضعه؛ فالشدة في موضعها، والرفق واللين في موضعهما، واليسر والعسر في موضعهما، والعلم في موضعه، فمن خلت دعوته من الحكمة فلا تسأل عن خبره.
– الموعظة الحسنة: الذي لا يعرف أحوال الناس وما يدور حولهم، وما يجب قوله، وما ينبغي السكوت عنه، وما يعظ الناس به، وليس في كلمته وموعظته أولويات، ولا يفرق بين مراتب وفوارق المدعوين، أو كانت موعظته غير حسنة؛ فدعوته لا تنجح.
– الجدال بالتي هي أحسن، والهدف الأساسي منه هو بيان الحق وتوضيحه بأجمل صورة وألطف عبارة، ولا يُراد منه الغلبة والقهر، وإخضاع المخاصم؛ لأن الإقناع العاطفي لا يجدي نفعًا، بل لا بد من إقناع عقلي، ولا يكون ذلك إلا بواسطة العلم وبيان أدلته.
ثم يتأبط الداعية ويتحلى بجانب كبير من الأخلاق والشمائل والصفات المحبوبة إلى النفس وإلى الناس كالتواضع، ولين الجانب، والرفق، والسماحة، والعفو، والبشاشة، والعفة، والنزاهة، واحترام الناس، وتبجيل الكبار، وسلامة المنطق، وحسن السيرة، وغير ذلك من أخلاق الأخيار والصالحين، وليس معنى ذلك بأن يحوز بنِسَب عالية مما عددناه وذكرناه بل هي أمور نسبية كلٌ يعمل على قدر طاقته وحاجته.
فمن حاز نصيبًا من هذه الأمور فله أن يتصدر في ميدان الدعوة، ويسهم في نشر الخير بين الناس.
والغريب أن بعض الناس يظن أن هناك أمورًا أخرى ينبغي للداعية أن يتحلى بها، وهي أمور في غالبها أوجدها وأدخلها في مجال الدعوة بعض ضعاف النفوس؛ حتى يتمكنوا من إحداث شرخ بين الدعاة وبين الأمة، وهي أمور لا اعتبار لها لدى الشرع، ومنها على سبيل التمثيل لا الحصر: أن يكون الداعية قد تخرج من جامعة معينة، أو درس بالبلد الفلاني، أو عنده تزكية من الشيخ الفلاني فقط، أو انضم إلى إحدى الحركات الإسلامية، أو صار من مناصريها، أو يحضر ويشارك ويدعى إلى المؤتمرات والملتقيات الدعوية، أو يتولى مسؤولية جماعة معروفة، أو قيد اسمه في مجموعة فكرية معينة، أو له حضور دائم أمام الشاشات التلفزيونية، أو زكاه وأوصاه بالاستعانة به أحد منظري الحركات، أو يملك حسابًا في مواقع التواصل الاجتماعي،، أو أسّس صفحة شخصية مصدرة بلقبه العلمي البارز في الشبكة الدولية، أو يتولى مسؤولية الإمامة أو الخطابة أو الإدارة في أحد المساجد والمراكز، أو له جمهور مؤيد في المجتمع، أو تتقاطع مصالحه مع بعض الجهات المنفذة، أو يكتب في المواقع والمجلات، أو يرأس بعض الجمعيات الخيرية، أو له علاقة متينة مع القائمين على المراكز والمساجد، وغير ذلك من الأمور التي لا يمكن حصرها.
وأخيرًا يجب على العلماء والدعاة أن يتقوا الله تعالى في أعمالهم، وأن يكون همهم الأول والأخير في إبلاغ رسالة الإسلام، والتعاون مع كل من يحمل علمًا شرعيًا سواءً كان قريبًا أو بعيدًا، ما دام ينطلق من أصول شرعية، ويرمي إلى هدف متفق عليه، ولا ينساقوا أمام حظوظ النفس، ووساوس الشيطان، وما زال العلماء والدعاة يختلفون ويتنازعون ولكن ديانتهم تأبى إلا الإنصاف والعدل والإفادة عن الآخر ما دام أهل لذلك، فهذا إمام أهل السنة في زمانه الإمام أحمد -رحمه الله- يقول لبعض تلاميذه: “من أين أقبلتم(” قالوا: من مجلس أبي كريب، فقال: “اكتبوا عنه فإنه شيخ صالح” فقالوا: إنه يطعن عليك!! قال: “فأي شيء حيلتي؟ شيخ صالح قد بُلي بي!”، فالإمام أحمد لم ينتقم لنفسه، ولم يبخس حق صاحبه العلمي، وإجادته لعلم الحديث، كما لم يمنع الطلبة من الاستفادة منه.
وأهل السنة يحبون أهل الخير والفضل، ولا يهدرون حسنات إخوانهم من أجل مناكفات علمية أو فكرية أو حزبية أو مصلحية، ولله در الإمام الهمام الذهبي حيث قال: “ونحب السنة وأهلها، ونحب العالم على ما فيه من الاتباع والصفات الحميدة، ولا نحب ما ابتدع فيه بتأويل سائغ، وإنما العبرة بكثرة المحاسن”، “سير أعلام النبلاء: 20/46”.
اللهم يا مقلب القلوب ثبِّت قلوبنا على دينك، واجعل أعمالنا خالصةً لوجهك الكريم، واصلح شأننا كله، آمين.