قال هل تستطيع أن تكلم الله؟د. جاسم المطوع.كنت في اجتماع ببلد أجنبي مع أجانب غير مسلمين وحان وقت الصلاة فاستأذنتُ منهم قائلاً: إذا سمحتم لي أن أصلي لمدة خمس دقائق ثم نتابع الاجتماع معكم، فاستغربوا من طلبي وسكتوا فقمتُ للصلاة، وحرصتُ أن أصلي أمامهم في قاعة الاجتماع صلاتَي الظهر والعصر جمعًا وقصرًا، ثم رجعتُ إليهم فقال أكبرهم سنًا: نحن نعتذر أننا لم نخرج من القاعة وقت صلاتك؛ لأن المكان ليس لنا فنرجو ألا نكون قد ضايقناك، فقلتُ لهم: أبدًا لا توجد أي مضايقات؛ لأننا عندما نصلي نكلم الله تعالى مباشرةً فلا يهمنا من يكون بقربنا أو معنا، فاستغرب من هذه المعلومة وقال: يعني وجودنا عادي، قلتُ له: نعم، فعندما نصلي نحن لا يشترط أن يكون المكان خاليًا، فقال: وكم مرة تصلي أنت وتكلم ربك باليوم، قلت: خمس مرات، ولكني عندما أكونُ مسافرًا أصلي الخمسة فروض في ثلاثة أوقات وأقصر بالصلاة أحيانًا حسب المسافة والوقت، فاستغرب أكثر من كلامي وقال لماذا؟ قلتُ: لأن الإسلام يراعي ظروف الإنسان فالإسلام دين الإنسانية وربنا يعلم أن المسافر مشغول وعنده أهداف يريد أن يحققها قبل عودته لبلده فسهّل علينا أمر الصلاة، فسكت المحاور وكان الحضور وهم ثلاثة أشخاص يستمعون لكلامي بصمت، فقال المحاور: جميل ما قلته، فابتسمتُ وتابعتُ معهم بنود الاجتماع، ولكني شعرتُ بعد ذلك بأنه يعاملني باحترام أكثر، ولعل هذا الموقف أثّر فيه.
أنا حرصتُ عندما سألني عن الصلاة أن أقول له كنتُ أكلم الله ولم أقل له بأني أصلي؛ لأن المسلم هو الوحيد الذي يستطيع أن يكلّم الله ويتوب إلى الله مباشرةً من غير وسيط مثل رجل دين، وأعتقدُ أنه استغرب من ذلك بأن علاقتنا مع الله مباشرةً، وأذكرُ مرةً حان وقت الصلاة وأنا أمشي بالسوق بإحدى الدول الأجنبية فاخترتُ مكانًا منعزلاً ولكنه مُشاهَد من قبل الناس وصليتُ، وكان كل من يمر بهذا المكان يصورني، وبعد الصلاة تحدث معي أكثر من شخص يسأل عما فعلتُ وكنتُ أشرحُ لهم وهم يستمعون، بمثل هذه التصرفات السهلة والبسيطة قد تكون سببًا في هداية الناس وتأثيرهم؛ لأنهم قد يرون الحركات التي نعملها رياضةً، والصلاة هي من حيث الشكل رياضة، فحركات الصلاة كلها مفيدة صحيًا؛ فالسجود يساعد الرئتَين على نفث معظم الهواء خلال الزفير، كما يساعد على سرعة جريان الدم في الأوردة ويمنع مرض تخثر الدم، ويشجع البلغم على الخروج بسهولة، ويوسّع القصبة الهوائية، أما أصابع القدمَين عندما يبسطها المصلي تجاه القبلة أثناء السجود فتشتد عضلات القدمَين والساقَين فتضخ الدم بقوة إلى القلب وتقوى عضلات البطن ويكافح الإمساك، ومن يركع ويسجد بالشكل الصحيح فإن نسبة إصابته بالبواسير قليلة، وفوائده كثيرة لا مجال لذكرها الآن.
فالشخص الأجنبي ربما يرى الصلاة حركات رياضية ولكنه عندما يفهم حقيقة الصلاة فإنه يُفاجَأ بأنها تساهم في سعادة الروح والجسد، والناس في الصلاة خمسة أقسام، الأول الظالم لنفسه وهو الذي انتقص من وضوئها ومواقيتها وأركانها، والثاني من يحافظ على المواقيت ولكن غير خاشع ولا يجاهد نفسه بالخشوع، والثالث من يحافظ على الوضوء والأركان ويحاول أن يخشع ولكنه يجاهد إبليس حتى يخشع، والرابع من تتوفر فيه جميع الشروط ولكن همه أن تكون صلاته صحيحة، والخامس من يعمل بجميع الشروط ويكون خاشعًا فيها، فالأول معاقب والثاني محاسب والثالث مكفر عنه والرابع مثاب والخامس مقرب من ربه.
فالأجانب غير المسلمين يبحثون ليل نهار عن شيء يريحهم ويجعل بالهم مرتاحًا ويحقق لهم رضًا نفسيًا وسعادةً وسلامًا داخليًا، ولهذا هم يلجؤون للتأمل واليوغا والرياضات الروحية، ولو بحثوا وجربوا صلاة المسلمين وفهموا معاني الآيات القرآنية لوجدوا ما يبحثون عنه ويعيشون بسعادة دائمة، ولهذا رسولنا الكريم قال لبلال رضي الله عنه: (أرحنا بها يا بلال) فهي راحة لمن أحسن أداءها.