كيف نعين أطفالنا على حب القرآن الكريم.

كيف نُعين أطفالنا على حب القرآن الكريم!

د. أماني زكريا الرمادي.

سبحان الله العلي العظيم، والحمد لله رب العالمين، حمدًا يليق بكماله وجلاله، حمدًا يُوازي نعمته علينا بالإسلام العظيم، ويُكافئ مَنِّهِ علينا بالقرآن الكريم، والصلاة والسلام على خير المُرسلين، النبي الأُمِّي، الصادق الأمين، الذي تلقى القرآن من لَدُن حكيم عليم، فبلَّغَهُ وتحمل من أجل ذلك ما تحمَّل حتى أوصله إلينا، فصِرنا -بفضل الله- مسلمين، وبعد.
فإن طفل في جوفه القرآن، أو شيء من القرآن، أو طفل يحب القرآن لهو نورٌ في الأرض يتحرك وسط الظلام الأخلاقي الذي يسود أيامنا الحالية، وصرنا نخشى اتساع رقعته في الأعوام القادمة.
وإذا كان الإمام أحمد بن حنبل -رضي الله عنه- قد اعتبر زمانه زمان فتن لأن الريح كشفت جزءًا من كعب امرأة رغمًا عنها، ورآه هو عن غير قصد، فماذا نقول عن زماننا! بل كيف نتصور حال الزمان الذي سيعيشه أبناؤنا!

وإذا كان المَخرج من هذه الفتن هو التمسك بكتاب الله، وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- فما أحرانا بأن نحبِّب القرآن إلى أبنائنا، لعل القرآن يشفع لنا ولهم يوم القيامة، وعساه أن ينير لهم أيامهم، ولعل الله ينير بهم ما قد يحل من ظلام حولهم.
وفي السطور القادمة محاولة لإعانة الوالدين -أو مَن يقوم مقامهما- على أن يربوا أطفالاً يحبون القرآن الكريم، فأرجو الله تعالى أن ينفع بها، وله الحمد والمنة.
لماذا نحبِّب القرآن الكريم إلى أبنائنا؟
إن الأسباب -في الحقيقة- كثيرة، ولعل ما يلي هو بعضها:
1- لأن القرآن الكريم هو عقل المؤمن، ودستور حياته، فهو كلام الله الذي تولى حفظه دون سائر ما نزل من كتب سماوية؛ لذا فإن أطفالنا إذا أحبوه تمسكوا بتعاليمه، ومن ثمَّ لم يضلِّوا أبدًا.
2- لأن القرآن الكريم هو خير ما يثبِّت في النفس عقيدة الإيمان بالله واليوم الآخر، وخير ما يفسح أمام العقل آفاق العلوم والمعارف الإنسانية، وخير ما يسكُب في القلب برد الطمأنينة والرضا، وخير ما يمكن أن نُناجي به مولانا في هدأة الأسحار (1) “فإذا ارتبط قلب الطفل بالقرآن وفتح عينيه على آياته فإنه لن يعرف مبدأً يعتقده سوى مبادئ القرآن، ولن يعرف تشريعًا يستقي منه سوى تشريع القرآن، ولن يعرف بلسمًا لروحه وشفاءً لنفسِهِ سوى التخشُّع بآيات القرآن، وعندئذٍ يصل الوالدان إلى غايتهما المرجوة في تكوين الطفل روحيًا، وإعداده إيمانيًا وخُلُقيًا” (2).
3- لأن القرآن الكريم هو “الرسالة الإلهية الخالدة، ومستودع الفِكر والوعي، ومنهج الاستقامة، والهداية، ومقياس النقاء والأصالة” (3) فإذا أحبه الطفل كان ذلك ضمانًا -بإذن الله- لهدايته، واستقامته، وسِعة أفقه، ونقاء سريرته، وغزارة علمه.
4- “لأن القرآن الكريم إذا تبوَّأ مكانةً عظيمةً في نفوس أطفالنا شبُّوا على ذلك، ولعل منهم مَن يصبح قاضيًاً أو وزيرًا، أو رئيسًا، فيجعل القرآن العظيم له دستورًا ومنهاجًا، بعد أن ترسَّخ حبه في نفسه منذ الصِّغَر” (4).
5- لأن حب الطفل للقرآن يعينه على حفظه، ولعل هذا يحفظ الطفل، ليس فقط من شرور الدنيا والآخرة، وإنما أيضًا من بذاءات اللسان، فم ينطق بكلام الله ويحفظه يأنف، ويستنكف عن أن ينطق بالشتائم والغيبة والكذب وسائر آفات اللسان.
6- لأن أبناءنا أمانةٌ في أعناقنا أوصانا الله تعالى ورسوله الكريم بهم، وسوف نسألُ عنهم يوم القيامة، وكفانا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء إثمًا أن يضيِّع مَن يعول)؛ فالضياع قد يكون أخلاقيًا، وقد يكون دينيًا، وقد يكون نفسيًا، وقد يكون ماديًا -كفانا الله وإياكم شر تضييع أبنائنا- ولن نجد أكثر أمانًا من القرآن نبثه في عقول وأرواح أطفالنا حِفظًا لهم من كل أنواع الضياع!
7- لأن ذاكرة الطفل صفحةٌ بيضاء، فإذا لم نملؤها بالمفيد فإنها ستمتلى بما هو موجود! فإذا أحب الطفل القرآن الكريم، أصبح فهمه يسيرًا عليه، مما يولِّد لديه ذخيرة من المفاهيم والمعلومات التي تمكِّنه من غربلة، وتنقية الأفكار الهدامة التي تغزو فِكرَهُ من كل مكان.
8- لأننا مقبلون -أو أقبلنا بالفعل- على الزمن الذي أخبر عنه الحبيب صلى الله عليه وسلم: أن فيه (تلدُ الأَمَة ربَّتَها) أي تتعامل الإبنة مع أمها وكأنها هي الأم! فلعل حب القرآن في قلوب الأبناء يخفِّف من حِدة عقوقهم لوالديهم في هذا الزمان.
9- لأن أطفالنا إذا أحبوه وفهموه، ثم عملوا به، وتسببوا في أن يحبه غيرهم كان ذلك صدقة جارية في ميزان حسنات الوالدين إلى يوم الدين، يوم يكون المسلم في أمس الحاجة لحسنة واحدة تثقِّل ميزانه.
10- “لأن هذا الصغير صغيرٌ في نظر الناس، لكنه كبير عند الله، فهو من عباده الصِّغار؛ لذا فمن حقه علينا أن نحترمه، وأن نعطيه حقه من الرعاية، والتأديب، ولقد قال صلى الله عليه وسلم: (أدّبوا أولادكم على ثلاث خِصال: حب نبيكم، وحب آل بيته، وتلاوة القرآن فإن حَمَلة القرآن في ظل عرش الرحمن يوم لا ظِل إلا ظله مع أنبيائه وأصفيائه) “رواه الطبراني (4)”.
11- لأن القرآن الكريم هو حبل الله المتين الذي يربط المسلمين بربهم، ويجمع بين قلوبهم على اختلاف أجناسهم ولغاتهم، وما أحوج أطفالنا -حين يشبُّوا- لأن يرتبطوا بشتى المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، في وقت اشتدت فيه الهجمات على الدين الإسلامي والمسلمين من كل مكان!
كيف أغرس في قلب طفلي حب القرآن؟
إن الهدف المرجو من هذا الكتيب هو مساعدة الطفل على حب القرآن الكريم، من أجل أن يسهُل عليه حفظه، وفهمه، ومن ثمَّ تطبيقه، ومن أجل ذلك علينا أن نبدأ من البداية، وهي اختيار الزوج أو الزوجة الصالحة، فقبل أن ننثر البذور علينا أن نختار الأرض الصالحة للزراعة، ثم المناخ المناسب لنمو هذه البذور؛ حتى نضمن -بإذن الله- محصولاً سليمًا من الآفات، يسُرُّ القلب والعين.
بعد ذلك تأتي المراحل التالية، والله المستعان عليها:
أولاً- مرحلة الأجِنَّة:
في هذه المرحلة يكون الجنين في مرحلة تكوين من طَور إلى طَور، ولك أن تتخيل جنينك وهو ينمو، ويتكون على القرآن المرتَّل!
فلقد أثبتت البحوث والدراسات المتخصصة في علم الأجنة أن الجنين يتأثر بما يحيط بأمه، ويتأثر بحالتها النفسية، حتى أنه “يتذوق الطعام التي تأكله وهي تحمله، ويُقبل عليه أكثر مِما يُقبل على غيره من الأطعمة!” (5)، (6)، كما أثبتت الأبحاث أن هناك ما يسمَّى “بذكاء الجنين” (7).
وأما أحدث هذه الأبحاث فقد أثبتت أن العوامل الوراثية ليست فقط هي المسؤولة عن تحديد الطباع المزاجية للطفل، ولكن الأهم هي البيئة التي توفرها الأم لجنينها وهو ما زال في رحمها، فبالإضافة إلى الغذاء المتوازن الذي يحتوي على كل العناصر الغذائية والفيتامينات التي تحتاجها الأم وجنينها، وحرص الأم على مزاولة المشي وتمرينات ما قبل الولادة، فإن الحامل تحتاج أيضًا إلى العناية بحالتها النفسية؛ لأن التعرض للكثير من الضغوط يؤدي إلى إفراز هورمونات تمر إلى الجنين من خلال المشيمة، فإذا تعرض الجنين إلى ضغوط نفسية مستمرة، فإنه سيكون في الأغلب طفلاً عصبيًا، صعب التهدئة، ولا ينام بسهولة، بل وربما يعاني من نشاط مُفرِط، ومن نوبات المغص” (8)، إذن فالحالة النفسية للأم تنعكس -بدون أدنى شك- على الجنين، لأنه جزء منها؛ لذا فإن ما تشعر به الأم من راحة وسكينة بسبب الاستماع إلى القرآن أو تلاوته ينتقل إلى الجنين، مما يجعله أقل حركة في رحمها، وأكثر هدوءًا بل ويتأثر بالقرآن الكريم، ليس في هذه المرحلة فقط، وإنما في حياته المستقبلية أيضًا!
ولقد أوضحت الدراسات المختلفة أن الجنين يستمع إلى ما يدور حول الأم (9)، ويؤكد هذا فضيلة الشيخ الدكتور “محمد راتب النابلسي” -الحاصل على الدكتوراه في تربية الأولاد في الإسلام- في قوله: “إن الأم الحامل التي تقرأ القرآن تلد طفلاً متعلقًا بالقرآن” (4) كما أثبتت التجارب الشخصية للأمهات أن الأم الحامل التي تستمع كثيرًا إلى آيات القرآن الكريم، أو تتلوه بصوت مسموع يكون طفلها أكثر إقبالاً على سماع القرآن وتلاوته وتعلُّمه فيما بعد، بل إنه يميِّزه من بين الأصوات، وينجذب نحوه كلما سمعه وهو لا يزال رضيعًا! لذا فإن الإكثار من تلاوة القرآن والاستماع إليه في فترة الحمل يزيد من ارتباط الطفل عاطفيًا ووجدانيًا بالقرآن، ما يزيد من فرصة الإقبال على تعلُّمه وحِفظه فيما بعد (10).
ثانيًا- مرحلة ما بعد الولادة حتى نهاية العام الأول:
تبدأ هذه المرحلة بخروج الجنين إلى الدنيا حيث أول محيط اجتماعي يحيط به؛ لذا فإنها تعد الأساس في البناء الجسدي والعقلي والاجتماعي للطفل، ولها تأثيرها الحاسم في تكوين التوازن الانفعالي والنضوج العاطفي، فلا عجب إذن أن يركز المنهج الإسلامي على إبداء عناية خاصة بالطفل في هذه المرحلة، “فالطفل في أيامه الأولى، وبعد خروجه من محضنه الدافئ الذي اعتاد عليه فترة طويلة يحتاج إلى التغذية الجسمية والنفسية ليعوِّض ما اعتاده وأِلفه وهو في وعاء أمه” (11)؛ لذا نرى المولى سبحانه يوصي الأم بأن ترضع طفلها حولين كاملين، ويجعل هذا حقًا من حقوق الطفل، كما نراه -عز وجل- يكفل للأم في هذه الفترة الطعام والكساء هي ورضيعها في قوله سبحانه: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بالمعروف) البقرة: 233.
ولقد فطن العرب منذ آلاف السنين إلى تأثير فترة الرضاعة على تكوين شخصية وطباع الطفل فكانوا يختارون لأبنائهم المرضعة حسنة الخُلُق، الودودة.
ولطالما عجبت كاتبة هذه السطور من السيدة “آمنة بنت وهب” التي ألقَت بوليدها الوحيد بين أحضان امرأة أخرى يلتقم ثديًا غير ثديها، وينهل من حنان غير حنانها، وهي التي مات عنها زوجها، وهي بعد لم تزل عروسًا زُفت إليه منذ شهور، ولكن التفكير في مصلحة الوليد كان فوق كل هذه المشاعر والأحاسيس، فقد كانت مكة تعد بلاد حَضَر، وكان العرب يرجون لأبنائهم جوًا بدويًا ينشؤون فيه “لكي يبتعدوا عن أمراض الحواضر، وتقوى أجسامهم، وتشتد أعصابهم، ويتقنون اللسان العربي في مهدهم” (12)، كما كانت الصحابيات -رضوان الله عليهن- يُغنِّين لأطفالهن من الذكور أثناء الرضاعة أغاني تُحفِّز على البطولة والرجولة، لترسخ هذه المعاني في أذهانهم منذ نعومة أظفارهم!
فما بالنا بالأم التي ترضع وليدها على كلمات القرآن المرتل بصوتٍ ندي، ألا يعينه ذلك على حب القرآن الكريم!
وفي عصرنا الحالي، نرى “علماء النفس -على اختلاف مشاربهم- يولون هذه المرحلة أهمية قصوى باعتبارها الهيكل الذي تُبنى الشخصية على أساسه، فنراهم يُجرون دراسات حول ما يسمى بذكاء الرضيع، ثم يقومون بمحاولات تربويية لاستغلال هذه الفترة في تنشئة أطفال عباقرة” (13).
ومن ثم فإن الأم التي تُرضع طفلها على صوت ندِيٍ يتلو القرآن الكريم، فإن الراحة والسكينة والاطمئنان والحنان الذين يشعر بهم الطفل وهو بين أحضان أمه سيرتبطون في عقله اللاواعي بالقرآن الكريم، ومن ثَمَّ يصبح القرآن بالنسبة للطفل -فيما بعد- مصدرًا للأمن والاطمئنان والسعادة، ونوعًا آخر من الزاد الذي يشبع قلبه وروحه، كما كانت الرضاعة تشبع بطنه وتُسعد قلبه، فإذا كانت الأم هي التي تتلو القرآن مجوَّدًا، فإن ذلك يكون أقرب لوجدان الطفل وأشد تأثيرًا فيه، وأهنأ له ولأمه.
ولنا أن نتخيل هل سيظل طفل كهذا يصرخ طوال الليل أو يكون نومه مضطربًا وهو محفوف بالملائكة بسبب القرآن الكريم!
ولعل الفائدة ستعم أيضًا على الأم، حيث يعينها الاستماع إلى القرآن على هدوء النفس وراحة الأعصاب في هذه الفترة؛ مما يجنِّبها ما يسمى باكتئاب ما بعد الولادة الذي تُصاب به معظم الوالدات.
ثالثًا- في العام الثاني من حياة الطفل:
تلعب القدوة -في هذه المرحلة- دورًا هامًا ورئيسًا في توجيه سلوك الطفل، لذا فإنه إذا شعر بحب والديه للقرآن من خلال تصرفاتهما فإن هذا الشعور سوف ينتقل إليه تلقائيًا، ودون جهد منهما، فإذا سمع أبيه يتلو القرآن وهو يصلي جماعة مع والدته، أو رأى والديه -أو مَن يقوم مقامهما في تربيته- يتلوان القرآن بعد الصلاة، أو في أثناء انتظار الصلاة، أو اعتاد أن يراهما يجتمعان لقراءة سورة الكهف يوم الجمعة في جو عائلي هادئ فإنه سيتولد لديه شعور بالارتياح نحو هذا القرآن.
وإذا لاحظ أن والديه يفرحان بظهور شيخ يتلو القرآن وهما يقلِّبان القنوات والمحطات، فيجلسا للاستماع إليه باهتمام وإنصات، فإنه سيتعلم الاهتمام به وعدم تفضيل أشياء أخرى عليه.
وإذا رآهما يختاران أفضل الأماكن وأعلاها لوضع المصحف، فلا يضعان فوقه شيء، ولا يضعانه في مكان لا يليق به، بل ويمسكانه باحترام وحُب؛ فإن ذلك سيتسلل إلى عقله اللاواعي، فيدرك مع مرور الزمن أن هذا المصحف شيءٌ عظيم، جليل، كريم، يجب احترامه، وحُبه وتقديسه.
من ناحية أخرى، إذا تضايق الطفل من انشغال والديه عنه بتلاوة القرآن وأقبل عليهما يقاطعهما، فلم يزجرانه، أو ينهرانه، بل يأخذه أحدهما في حضنه، ويطلب من الطفل أن يقبِّل المصحف قائلاً له: “هذا كتاب الله، هل تقبِّله!” فإن الطفل سيشعر بالوِد تجاه هذا الكتاب، وإذا رأى الأم تستمتع بالإنصات لآيات القرآن الكريم وهي تطهو أو تنظف المنزل، ورأى الشيء نفسه يحدث مع والده وهو يقوم بترتيب مكتبته مثلاً أو رَيّ الحديقة، فإن ذلك يجعله يفضِّل أن يستمع إليه هو الآخر حين يكبر وهو يؤدِّي أعمالاً روتينية مشابهة.
رابعًا-  منذ العام الثالث حتى نهاية الخامس:
يقول فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي: “من دراستي في التربية علمت أن أخطر سن في تلقي العادات والتقاليد والمبادئ والقيم، هو سن الحضانة، ثم سن التعليم الابتدائي”،
ويستطرد شيخنا قائلاً: “إن الطفل يستطيع أن يحفظ القرآن في سِنِي حياته الأولى، فإذا كبر فهم معانيه، ولكن بعد أن يصبح لسانه مستقيمًا بالقرآن، فيشب وقد تعلم الكثير من الآداب”.
كما يؤكد الدكتور يحيى الغوثاني -المتخصص في الدراسات القرآنية- “أن الطفل إذا حفظ القرآن منذ صغره اختلط القرآن بلحمه ودمه” (14).
لذا ففي هذه السنوات -غالبًا- يمكننا أن نبدأ بأنفسنا تعليمه تلاوة القرآن تلاوة صحيحة، فإن لم يتيسر ذلك، فلا بأس من اختيار معلمة أو معلم، يكون طيب المعشر، لين لجانب، حازم في رفق، ذو خُلُقٍ قويم، واسع الأُفُق، وأن يكون مُحِبًا لمهنته؛ كي ينتقل هذا الحب إلى تلاميذه، مع ملاحظة أننا “لا ينبغي أبدًا أن نُجبر الطفل على حفظ القرآن أو نضربه إذا لم يحفظ، بل يجب أن تكون جلسة الاستماع إلى القرآن أو حفظه من أجمل الجلسات وأحبها إلى قلبه، وذلك من خلال تشجيعه بشتى الصور المحببة إلى قلبه، من مكافآت مادية ومعنوية، وغير ذلك، فإذا كان مَن يحفِّظه يتَّبع أسلوبًا عنيفًا أو غير محبَّب فلنستبدله على الفور إن نهيناه ولم ينتهَِ” (15)، وهناك ملاحظة هامة وهي مراعاة الفروق الفردية بين الأطفال:
* فإن كان طفلك غير متقبل للحفظ في هذا السن، فعليك أن تُمهله حتى يصير مهيَّأً لذلك، مع الاستمرار في إسماعه القرآن مرتلاً.
* أما إذا كان لدى طفلك القُدرة والاستعداد قبل هذا العمر، فيجب أن تنتهز هذه الفرصة، وتشكر الله على هذه النِّعمة ، فتشجعه وتعينه على حفظ القرآن الكريم، كما حدث مع “زهراء” الطفلة السعودية التي حفظت سورًا من القرآن الكريم مع إتقان كامل لمخارج الحروف، وهي تبلغ من العمر عامًا ونصف العام ! (16)، وكذلك الطفل الإيراني “محمد حسين” الذي كانت والدته تصطحبه معها في جلسات لحفظ القرآن الكريم، وهو لم يتجاوز السنتين، وكانت وقتها تحفظ الجزء الثلاثين من القرآن الكريم، فلما عادت في إحدى الأيام للبيت، كان محمد يلعب ويردد شيئًا أراد والده أن يسمع ما الذي يقوله بهذا الاهتمام، فاستغرب كثيرًا عندما علم أنه يردد الجزء الثلاثين من القرآن الكريم، فذهب إلى زوجته متسائلاً منذ متى وأنتِ تحفِّظينه الجزء الثلاثين من القرآن الكريم! فاستغربت الزوجة قائلة: أنا لم أفعل على الإطلاق، فذهب الوالد إليه مرة أخرى وحاول أن يمتحنه بالجزء الثلاثين فوجد أنه يحفظه بشكل جيد، حينها علم أن لولده ذو السنتين قابلية لحفظ القرآن، ففرح كثيرًا وبدأ معه مشوار الحفظ، فلما بلغ محمد سن الخامسة كان قد أكمل حفظ القرآن الكريم!! وبعد ذلك حاز محمد على شهادة دكتوراه في العلوم القرآنية من جامعة لندن وكذلك حاز على شهادة الدكتوراه الافتخارية في علوم القرآن من جامعة الحجاز! وكم هي مفيدة ومؤثرة كلمات والده الذي قال: “إن محمد حسين ليس إلا طفل عادي قد يفوق أقرانه بالقليل من الفطنة، لكن هناك الكثير من الأطفال الأذكياء الذين لم يفكر أحد باستغلال ذكائهم، فالذي ساعد ابني هو أنني في البيت مع زوجتي وأطفالي نردد القرآن في الصباح والمساء وأن سكتنا نسمعه من المسجل أو التلفزيون فكيف لا يحفظ القرآن طفل مثل علم الهدى -هذا هو اللقب الذي يلقِّبه به أبوه-”
وينصح والده الآباء قائلاً: “لكي يكون لديك طفل مثله عليك أنت أن تغير ما في نفسك كي يسير طفلك في مسارك” ويختم والده كلامه قائلاً: “في النهاية أود أن أقول أنه كلما ردَّدَ ابنك أغنية، فأعلم أنه قادر على أن يحفظ ويردد القرآن كما حفظ تلك الأغنية”(17).
وهناك أيضًا الطفل الإيراني “مهيار حسين” الذي وُلد وهو غير قادر على النُّطق، وظل كذلك حتى الخامسة من عمره، ولكنه بعد ذلك تمكن -بفضل الله- من أن يحفظ القرآن الكريم، بأرقام الآيات والأحزاب والأجزاء، وَجِهة الصفحات، وانطلق لسانه فأصبح يرتل القرآن ترتيلاً (18).
وفي هذه المرحلة -ما بين العام الثالث والخامس- ينبغي أن نعلِّم الطفل الأدب مع كتاب الله “فلا يقطع أوراقه، ولا يضعه على الأرض، ولا يضع فوقه شيئًا، ولا يدخل به دورة المياه، ولا يَخُط به بقلم” (19)، وأن يستمع إليه بانتباه وإنصات حين يُتلى.
ومن معالم هذه المرحلة الولع بالاستماع إلى القصص؛ لذا يمكننا أن ننتقي للطفل من قصص القرآن ما يناسب فهمه وإدراكه مثل: قصة أصحاب الفيل، وقصة ميلاد ونشأة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وقصة موسى عليه السلام مع الخِضر، وقصته مع قارون، وقصة سليمان عليه السلام مع بلقيس والهدهد، وقصة أصحاب الكهف بشرط أن نقول له قبل أن نبدأ:
“هيا يا حبيبي لنستمتع معًا بقصة من قصص القرآن”، ومع تكرار هذه العبارة سيرتبط حبه للقصص بحب القرآن، وسترتبط المتعة الروحية التي يشعر بها -من خلال قربه من الأب أو الأم ، وما يسمعه من أحداث مشوِّقة- بالقرآن الكريم، فيعي -مع مرور الزمن- أن القرآن مصدرًا للسعادة والمتعة الروحية.
ومن المفيد أن نختم كل قصة بالعِبَر المستفادة منها، ومما يساعد الوالدين على ذلك كتاب “قصص القرآن للأطفال” للدكتور حامد أحمد الطاهر -صدر عن دار الفجر للتراث خلف الجامع الأزهر بالقاهرة- كما أن رواية هذه القصص قبل النوم يجعل هذه القصص أكثر ثباتًا في ذاكرته، ومن ثم أشد تأثيرًا في عقله ووجدانه.
وفي هذه المرحلة يمكننا أن نعلِّمه حب القرآن أيضًا من خلال الأناشيد التي تكون ممتعة بالنسبة له، فيسهل عليه تذكُّر معانيها طوال حياته؛ فقد ثبت علميًا أن “الطفل يتذكر ما هو ممتع بالنسبة له بصورة أفضل ولمدة أطول، بالإضافة إلى أنه يستخدمه في نشاطه المستقبلي” (20)، ومن أمثلة هذه الأناشيد ما يلي:
“اللهُ ربي،
محمدٌ نبيي،
وهو أيضًا قدوتي،
والإسلامُ ديني،
والكعبةُ قبلتي،
والقرآن كتابي،
والصيام حصني،
والصَدَقة شفائي،
والوضوء طَهوري،
والصلاة قرة عيني،
والإخلاص نِيَّتي،
والصِدق خُلُقي،
والجَنَّةُ أملي،
ورضا الله غايتي” ، “أنا يا قومي مسلمٌ، أنا يا قومي مسلمٌ، إن سألتُم عن إلهي فهو رحمن رحيم، أو سألتم عن نبيي فهو ذو خُلقٍُ عظيم، أو سألتم عن كتابي فهو قرآنٌ كريم، أو سألتم عن عدُوِّي فهو شيطانٌ رجيم”.
خامسًا: منذ العام السابع حتى العاشر:
في هذه المرحلة يمكن أن نشجِّعه بأن تكون هدية نجاحه أو تصرُّفه بسلوك طيب هي مصحفٌ ناطقٌ للأطفال يسمح له بتكرار كل آية مرة على الأقل بعد القارئ، أو أشرطة صوتية للمصحف المعلِّم كاملاً، أو قرص كمبيوتر يحوي المصحف مرتلاً، وبه إمكانية التحفيظ،
كما يمكن إلحاقه بحلقة قرآنية في مركز للتحفيظ يتم اختياره بعناية بحيث يكون موقعه قريبًا من البيت، كما يكون نظيفًا، جيد التهوية، جميل المظهر، حتى يقبل عليه الطفل بحب ورضا، مع متابعة المحفِّظ لنتأكد من أن أسلوبه في التلقين والتحفيظ تربوي، أو على الأقل ليس بضار من الناحية التربوية، كما ينبغي أن نمدح الطفل ونُثني على سلوكه كلما تعامل مع المصحف بالشكل الذي يليق به .
ويمكن في هذه المرحلة أن نسمع معه مثل هذه الأناشيد التي يسهُل عليه حفظها، كما نشجعه على أن يمنحها -مسجلة على شريط- كهدايا لأصحابه في الحلقة القرآنية، أو جيرانه، أو أقاربه:
اقرأ كتابَ الله ورتِّلِ الآيات*** مادام في هُداه سعادة الحياة
رتِّلهُ في الصبح، رتله في المساء ***كالبلبل الصدَّاح في غابةٍ خضراء
فإن تكن صديقًا لآلِه الحسان ***يرسم لك الطريق بأجمل الألحان
يُنبيك عما كان في الأرض من أخبار*** في سالف الأزمان ويُظهر الأسرار
كم قصة رواها عن أنبياء الله ***اللهَ ما أحلاها تُتلى على الشِّفاه
وحين يُصغي الناس إليك في سرور*** وتبدأ الأعراس من حولهم تدور
ويسأل الأطفال ويسأل الشبان ***ما ذلك الجمال(! فقل هو القرآن
اقرأ كتاب الله ورتِّل الآيات*** مادام في هُداه سعادة الحياة
****
طِفلٌ كان طَهور الصدر*** يجلس بعد صلاةِ الفجر
يتلو في القرآن بصوتٍ ***أحلى من تغريد الطير
يتلوه ويفكر فيه*** يتأمل حسن معانيه
ويراهُ قصصًا رائعة*** يسرح فيها وتُسلِّيه
كل صباح كان أبوه*** يأتي فيراهُ يتلوه
وله يُصغي في إعجابٍ ***ذلك أغلى ما يرجوه
قال له يومًا يا ولدي*** ما تقرأ والصوت ندي
قال أرتِّل خيرَ كتابٍ ***فأُضيء به يومي وَغَدِي
قال بصوت فاض حنانًا *** اقرأ وكأن القرآنَ
يتنزل من عند المولى*** بالآياتِ عليكَ الآنَ
قال ومِن أجمل ما قال*** إن كتاب الله رسالة
بدأ الطفل إذا رتَّله *** يدرُس روعتَهُ وجلالَه
لما الطفل المؤمن شبَّ *** ونما عقلاً وزكا قلبًا
أمسى يكتب فِكرًا حُرًا *** ومضى يَنْظُم شِعرًا عَذبًا
طِفلٌ كان طَهورَ الصدر *** يجلس بعد صلاةِ الفجر
****
ألفٌ لامٌ ميم، القرآن كريم *** يتلوه الأطفال في حب وجمال
ما أحلى الكلمات في تلك الآيات *** لما في البستان رتِّله حسَّان
غردت الأطيار من فوق الأشجار *** نسماتٌ خضراء عطَّرتِ الأجواء
لما ذات مساء قرأتْ فيهِ دُعاء *** سمعَتها النجمات أرسلت البسمات،
قالت جلَّ الله صوتُكِ ما أنْداه!
كان البدرُ يسير فوق الأرض يدور *** يستمع القرآن من كل البلدان
يهتف يا الله قولك ما أحلاه!
أصوات الأطفال ونساءٌ ورجال *** تقرأ في القرآن
تشدو في إيمان *** تشهد أن الله أنزله وحماه
****
وللاستماع إليها يمكن زيارة الرابط التالي:
http://www.enshad.net/htm/kids/A’3la_Hadeyah_D/
ومن الضروري أن نجعل للطفل كرامة من كرامة القرآن الذي يحفظه، كأن يقول له الأب إذا أخطأ الطفل: لولا أنك تحفظ القرآن لعاقبتُك (4)، كما ينبغي أن نشرح له أهمية القرآن الكريم للمسلم والعالَم، وكيف كانت البشرية تعيش قبل نزوله على النبي صلى الله عليه وسلم.
ويظل دور القُدوة مستمرًا مع الطفل ، فإذا تردد على سمعه من والديه عبارات قرآنية مثل: (الحمد لله ربِّ العالمين)، (حسبُنا الله ونِعمَ الوكيل)، (ذلك فَضلُ الله يؤتيه مَن يشاء)، (ومَن يتَّقِ اللهَ يجعل له مَخرجًا ويرزَقْهُ مِن حيثُ لا يحتَسِب)، (فصبرٌ جميلٌ والله المستعان)، (وأفوِّضُ أمري إلى الله) (إنَّما أشكو بَثِّي وحُزني إلى الل)، (والله غالبٌ على أمره)، (ومّن يتوكل على اللهِ فهوَ حَسبُه)، (وما مِن دابة في الأرضِ إلا على الله رِزقُها) (يومَ لا ينفع مال ولا بَنون إلا مَن أتى الله  بقلبٍ سليم)، فإن الطفل سيرددها دون أن يعلم معناها، ولكنها مع مرور الوقت ستصبح مفهومة لديه، ليس هذا فحسب، وإنما ستكون له نبراسًا يضيء له ظلام حياته، ومنهاجًا يعينه على ما يصادفه من مصاعب ومشكلات.
وينبغي أن نستمر معه في رواية قصص القرآن -بالطريقة نفسها- فنروي له في هذه المرحلة مثلاً: قصة الخلق منذ آدم،، وقصة قابيل وهابيل، ثم قصة نوح عليه السلام، وقصة زكريا ويحيى عليهما السلام، وقصة مريم وعيسى عليهما السلام وهاروت وماروت، وأصحاب القرية، وأصحاب الكهف، وأصحاب الجنة.
سادسًا: منذ العام الحادي عشر حتى الثالث عشر:
في هذه المرحلة تتسع دائرة الطفل الاجتماعية ويزداد حِرصًا على تكوين علاقات اجتماعية، كما يزداد ارتباطًا بأصحابه وزملائه، ويمكن استغلال ذلك في إلحاقه وأصحابه إن أمكن- بحلقة تعليم أحكام التجويد، مع تشجيعه ومكافاءته بشتى الطرق المادية والمعنوية، ومنها تعريفه بفضل تعلُّم القرآن وتجويده، مثل الأحاديث الشريفة: (أهل القُرآن هُم أهل الله وخاصَّتُه)، و(الماهِرُ بالقرآن مع السَّفَرَة الكِرم البرَرة، والذي يقرأ القرآن وهو يتتعتَعُ فيه، وهو عليه شاق، فله أجران)، و(خيرُكُم مَن تعلَّم القرآن وعلَّمَه)، و(من أراد الدنيا فعليه بالقرآن، ومن أراد الآخرة فعليه بالقرآن، ومَن أرادهما معًا فعليه بالقرآن)، و(إن لله تعالى أهلين من الناس، أهل القرآن هم أهل الله وخاصته)، و(يَؤمُّ الناس أقرؤهم لكتاب الله تعالى).
ويمكن أن نعرِّفه بذلك بطريقة غير مباشرة بحيث ندعو أصحابه المفضَّلين إلى المنزل، ونسألهم عدة أسئلة نعرف أنهم يعرفون إجابتها، ثم نسأل عن فضل تعلُّم القرآن وتجويده، فإن لم يعرفوا أقمنا بينهم مسابقة لمن يعثر على أكبر قدر من الأحاديث والآيات حول ذلك، مع توجيههم للاستعانة بمكتبة المدرسة أو أقرب مكتبة عامة، أو نعطيهم مما لدينا من كتب ومراجع؛ فإذا وصلوا إلى المعلومة بأنفسهم كان ذلك أشد تأثيرًا في نفوسهم، وأيسر إيصالاً للمعلومة إلى قلوبهم قبل عقولهم.
كما يمكن أن نضع -في مكان بارز بالبيت- لوحة أو سبورة يمكن أن يكتب عليها الأولاد أحاديث شريفة عن فضل القرآن الكريم، بحيث يتسابقون في البحث عنها، ووضعها على هذه اللوحة، بمعدل حديث كل أسبوع، ليرونه كلما مروا بها فيحفظونه، ويتناقشون مع الأم أو الأب حول معناه، وبعد ذلك تكون هناك جائزة لمن وضع أكبر عدد من هذه الأحاديث.
كما يمكن إلحاق الطفل مع أصحابه بمعسكرات الأشبال الصيفية التي تهتم بتعليم أحكام التجويد، وينبغي في هذه المرحلة أن نستمر في رواية قصص القرآن له، أو إهدائه أشرطة فيديو، أو أقراص مضغوطة، بها تسجيل مصوَّر لهذه القصص، ومما يناسب الطفل في هذه المرحلة من قصص القرآن: قصة بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وجهاده في سبيل الله، وقصة موسى عليه السلام وبني إسرائيل، والأرض المقدسة، وقصة ذو القرنين، ويأجوج ومأجوج، وأصحاب الأخدود، وطالوت ودواد وجالوت عليهم السلام، وقصة الإنسان والشيطان، -التي وردت في الآية 18 من سورة الحَشر- وقصة يوسف عليه السلام، وقصة أيوب عليه السلام.
ومن المفيد له في هذه المرحلة أن نشجعه على الاشتراك في المنتديات التي تعينه على حب القرآن الكريم وحفظه مثل: “منتدى البحوث والدراسات القرآنية”، وذلك بعد التأكد من تحميل برنامج التنقية من الإعلانات والمواقع غير المرغوب فيها، وذلك بوضع رابط: منتدى البحوث والدراسات القرآنية” التالي على قائمة “المواقع المفضَّلة”
http://www.yah27.com/vb/forumdisplay.php(f=36
” ليستطيع أن يدخل إلى المنتدى بسهولة ويُسر كلما أراد.
كما يمكن أن نحكي له -مع أصحابه المقربين- مثل هذه القصص الواقعية: يقول الدكتور يحيى الغوثاني: “قرأت فيما قرأت مقالاً للأستاذ نجيب الرفاعي يقول فيه: اكتشف العلماء أن للمخ موجات ولكل موجة سرعة في الثانية ففي حالة اليقظة يتحرك المخ بسرعة 13 25 موجة في الثانية”
وفي حالة الهدوء النفسي والتفكير العميق والإبداع يتحرك بسرعة 8 12 موجة في الثانية، وفي حالة الهدوء العميق داخل النفس يتحرك بسرعة 4 7 موجة في الثانية، وفي النوم العميق بسرعة 3 موجات ونصف، كانت هذه المعلومات واضحة في ذهني وأنا أتنقل في جناح أحد مؤتمرات التعليم في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد لفت نظري جهاز كمبيوتر يقيس الموجات الدماغية الأربعة بكل دقة فاستأذنت في أن أضع القبعة على رأسي لأرى أثر تلاوة القرآن على موجات دماغي، فقرأت آية الكرسي وشاهدت على شاشة الكمبيوتر انتقال المؤشر من سرعة 25 موجة / ثانية إلى ما يقارب منطقة التأمل والتفكير العميقة، والراحة النفسية 8-12 موجة/ثانية، استغرب صاحب الجهاز من هذه النتيجة وطلبت منه أن أقرأ القرآن على أحد رواد المعرض الذي رحب بالفكرة وكانت النتيجة وأنا أقرأ عليه آية الكرسي أكثر من مذهلة، فقد رأيت -كما رأى الحاضرون معي- انخفاض موجاته الدماغية بشكل سريع إلى منطقة 8-12 موجة /ثانية وحينما انتهيت من القراءة قال لي: قراءة جميلة ولو أني لم أفهم منها شيئًا ولكنها ذات نغمات مريحة لقد أدخلتَ السرور على قلبي بكلام غريب لم أفهم منه حرفًا واحدًا والحقيقة وأنا مغمض عينيَّ وأستمع إلى كلمات القرآن حاولت أن أقلد هذه الكلمات داخل قلبي ولكنني لم أستطع إنه كلام جميل ومريح!”، ولقد تكرر الشيء نفسه مرة أخرى: تحت ظل شجرة في حديقة “ريجنت بارك” في عاصمة الضباب لندن جلست مع أحد المشاركين في دورة متقدمة في علم البرمجة اللغوية وهو من الجنسية الأمريكية ودار هذا الحوار:  سألته هل تعرف شيئًا عن الإسلام؟ فأجاب: أعرف معلومات عامة عنه ولكن ليس بتفصيل وأنا شخصيًا أبحث عن دين، فسألته هل سمعت بالقرأن وهل تعرف عنه شيئًا؟ فأجاب: أعرف أنه كتاب المسلمين حاله حال الأنجيل عند النصارني ولكنني لم أسمع به من قبل، فسألته إنك لم تسمع تلاوة القرأن هل تمانع أن أقرأ عليك بعضًا من الآيات القرآنية؟ فنحن المسلمون نؤمن أن لتلاوة القرآن أثرًا في النفس، فالقرآن عندنا معاني، وكلمات، وصوت مؤثر!
فأجاب: إنني متحمس لهذه التجربة ليس لدي مانع! فبدأت بتلاوة آية الكرسي وآية بعدها بما لدي من مهارات في التجويد والترتيل تعلمتها من شيخ مسجد الهاجري الشيخ عبد السلام حبوس حفظه الله وأثناء التلاوة لاحظت التالي: بدأ هذا الإنسان الذي كان جالسًا باستقامة على الكرسي بالانحناء قليلاً، قليلاً، وبعد لحظات أغمض عينيه، ثم تغيرت ملامح وجهه إلى الهدوء، والخشوع، والخضوع، أحسست وأنا أتلو القرآن على هذا الإنسان وكأنني أقرؤه على مسلم من خلال تأثره السريع، مما أعطاني راحة نفسية كبيرة وسعادة لا توصف! وبعد أن انتهيت من التلاوة، جلسنا في لحظة صمت، ثم فتح عينيه وإذا العينين حمراوين وبدأت الدموع تترقرق، والانشراح بادٍ على وجهه وهو يقول: لقد عزلتني بتلاوتك الجميلة عن هذا العالم الذي
نعيشه، إن لهذه الكلمات تأثير غريب على نفسي، سألته: هل فهمت شيئًا من هذه التلاوة؟ فأجاب: لقد تحدثت الآيات عن قوة عظيمة هي قوة الرب التي تحتاج إليها في السراء والضراء والتي هي معنا في كل وقت وكل حين وفي كل مكان ثم سترسل في الحديث مفسرًا المعاني العامة لآية الكرسي، فازداد عجبي كما ازدادت سعادتي وأنا أجرب أول مرة تلاوة القرآن على شخص لم يسمع به من قبل ويتأثر هذا التأثر بل ويفهم المعاني وهو جاهل بالعربية! قلت له أريدك أن تكتب هذه المعاني على ورقة، قال: سأكتبها بكل سرور، وكان مما كتب عن هذه التجربة بيده: إن مقدمتك من القرآن كانت ولا زالت ذات أثر عظيم في نفسي، ولسوف أحمل تعابيرك الجميلة معي دائمًا، سأحاول أن أعبر بكلماتي عن تجربتي لكلمات الرب رائع ممتع! شكرًا لك شكرًا لك” (21).
سابعًا: منذ العام الرابع عشر، حتى السادس عشر:
في هذه المرحلة يمكننا أن نناقشه حول فكرة: هل يمكن أن يكون القرآن كلام بشر!
وأن نشجعه على أن يبحث عن المعلومات بنفسه، ويتعاون مع أصحابه في عمل أبحاث حول إعجاز القرآن في شتى المجالات، وأن يتبادل معهم الأبحاث لتعم الفائدة بينهم، كما يمكن تشجيعهم جميعًا على نشر هذه الأبحاث عبر البريد الإلكتروني، وفي المنتديات المختلفة، ويا حبذا لو كانوا يتقنون اللغات الأجنبية فعندئذٍ يمكنهم أن يترجمونها إلى هذه اللغات وينشرونها أيضًا على شبكة الإنترنت، ومما يشجعهم على ذلك أن نحيطهم علمًا بالأجر الذي سيحصلون عليه بسبب ما يفعلونه إن كانت النية خالصة لله تعالى.
كما يمكن أن نعقد جلسة أسبوعية تجمعه مع إخوته وأصحابه المقربين لنشرح لهم -في جو هادئ يسوده الود- الهدف من كل سورة من سور القرآن، مع أسباب نزولها، ويمكن الاستعانة في ذلك بأحد التفاسير مثل “صفوة التفاسير”، بالإضافة إلى مجموعة كتيبات “خواطر قرآنية” للداعية الأستاذ عمرو خالد (22)، وبعد ذلك يمكنهم أن يمارسوا أي نشاط ترفيهي يفضلونه، مع تقديم الحلوى والمرطبات، لنجعل من هذه الجلسة الأسبوعية شبه احتفال.
ومن خلال هذه الجلسات يمكننا أيضًا أن نوضح لهم معنى قول الله تعالى: (ولقد يسَّرنا القرآن للذِّكر فهَل مِن مُدَّكِر)، “ومن أدلة هذا التيسير أن القرآن الكريم هو الكتاب السماوي الوحيد الذي يحفظه مئات الألوف من الناس صغارهم، وكبارهم؛ فالتوراة -على سبيل المثال- لم يستطع أن يحفظها سوى أربع: موسى”، وهارون، وعُزير، ويوشع، حتى أن التوراة حين ضاعت في سَبي بابل لم يستطع كتابتها سوى “عُزير” (14).
كما يمكن أن نحكي لهم قصصًا عن نماذج مشرِقة مثل النماذج التالية: الطفل السوري “بهاء القصاب” الذي يحفظ القرآن الكريم، بأرقام الآيات، وكان ترتيبه الثامن على العالم من بين سبعين طفل في مسابقة دبي للقرآن الكريم؟ 23)، وفيصل الرمضاني قطري الجنسية الذي حفظ ثلث القرآن وهو لا يزال في العاشرة من عمره ويتمنى أن يصبح عالمًا في القراءات (24)، وأم صالح التي بدأت في حفظ القرآن في السبعين من عمرها، وقد بلغت الآن عامها الثاني والثمانين (25)، وأم طه الأردنية الأُمِّية التي لا تقرأ ولا تكتب، ولكنها حينما تجاوزت الستين من عمرها ورأت أنها على حافة القبر، تأثرت وقالت: “كيف سأقابل ربي وأنا لا أستطيع كتابة اسمه(!” فطلبت من إحدى قريباتها أن تعلمها كتابة لفظ الجلالة “الله” فبدأت تعلمها، ففرحت أم طه بذلك وأمسكت بالمصحف لتبحث عن كل لفظ الجلالة فيه، فكانت ترى الصفحة أمامها طلاسم إلا لفظ الجلالة، وكلما رأته فرحت به فرحًا شديدًا، وظلت هكذا تبحث عنه من أول المصحف إلى آخره، فلما رأت أن الأمر سهل، طلبت من قريبتها أن تعلمها بقية الحروف العربية، وفعلاً بدأت ولم تيأس حتى تعلمت قراءة القرآن نَظرًا من أوله إلى آخره، ولكنها لم تقف عند هذا الإنجاز بل أرادت أن تحفظ ولو شيئًا يسيرًا من القرآن، فبدأت بالفعل، وفي خلال سنتين ختمت كامل القرآن الكريم، وكان الختم في رمضانالماضي (26)، وأبو سلطان العجلوني الأردني الذي أنعم الله عليه بنعمة حفظ القرآن الكريم خلال عامين وهو في السابعة والسبعين من عمره (27)، وأم الهدى الربيعي التي حفظت القرآن الكريم في خمس وأربعين يومًا (28).
ومن المفيد أن نُخبر أبناءنا أن الهجمات الشرسة على القرآن الكريم لا تتوقف، ومنها محاولة تشويهه وتحريفه، ولعل أشهرها -حتى وقت كتابة هذه السطور- هو ما صدر مؤخرًا في الولايات المتحدة الأمريكية تحت عنوان: “الفرقان الحق” وهو قرآن جديد طُبعت منه آلاف النسخ، ويُتوقع له أن يغزو العالم الإسلامي في خلال السنوات العشرين القادمة.
كما ينبغي أن نوضح لهم أن الله تعالى قد تكفل بحفظ القرآن الكريم، في قوله: (إنَّا نحنُ نزَّلنا الذِّكرَ وإنَّا له لحافِظون)، ولعل هذا يذكرنا بهذه القصة الطريفة: “كان أحد المستشرقين يزور القاهرة منذ حوالي عامين، فقال لأحد شيوخ الأزهر: سننزع الإسلام من صدوركم، فقال له الشيخ: على رِسلِك، ثم أخذه إلى الشارع، فلقيًا أطفالاً فطلب منهم الشيخ أن يقرؤوا -من الذاكرة- سورًا معينة من القرآن، فقرؤوا، والمستشرق ينظر إليهم في دهشة بالغة، فلما أفاق من دهشته سأل: هل كل أطفالكم يحفظون القرآن(! فسأله الشيخ: وهل كل أبنائكم يحفظون كتبكم المقدسة، ثم أردف الشيخ: ما دام أطفال المسلمين يحفظون القرآن، فلن تستطيعوا أبدااً أن تنزعوا الإسلام من قلوبنا” (14)
ماذا لو لم أبدأ مع طفلي منذ البداية.
إذا كان هذا هو حالك، فيمكنك أن تستعين بالله تعالى، وتدعوه في سجودك أن يشرح صدر أبنائك لحب القرآن والإقبال على حفظه وفهمه، وتطبيقه، وأن يخلطه بلحمهم ودمهم، ثم تبدأ بالتدريج، وبالرفق واللين، مع كل منهم حسب مرحلته العمرية؛ حتى يوفقك الله إلى مُبتغاك بفضله، فإن استصعبتَ الأمر فتذكر قول الله تعالى:
(والذين جاهَدوا فينا لنهديَنَّهُم سُبُلَنا)، وإن أصابك الفتور في منتصف الطريق فتذكر قول الله عز وجل: (ومَن يُعظِّم شعائرَ الله فإنََّها من تقوى القلوب) صدق الله العظيم.
وماذا لو لم أُرزق بأطفال حتى الآن!
إن لم تكن قد رُزقت بأطفال حتى الآن، فاعلم أن لديك خيرٌ كثير يفتقد إليه غيرك، ونعمة من الله يغبطك عليها الآخرون -وأنت لا تشعر- وهي وقت الفراغ الذي يمكنك استثماره بما يعود عليك بالنفع في الدنيا والآخرة، من خلال إفادة أطفال المسلمين بما علِمت، سواء كانوا من الأقارب أو الجيران، أو التلاميذ، أو اليتامى في دور رعاية الأيتام أو في بيوتهم، فلا تتردد، بل توجَّه إليهم ومد إليهم يدك، فهم أحوج ما يكونون إليها، وأنت أحوج ما تكون إلى الأجر، فاقترب منهم، وحاول أن تزرع في قلوبهم الصغيرة حب القرآن الكريم، واستعِن بالله، فهو خير مُستعانٌ به.
وأخيرًا: فإن حب القرآن لهو شيءٌ عظيم، لا يُرزقه إلا كل سعيد، وإني لأرجو أن يكون أبنائي وأبناؤكم -بعون الله وفضله- من أولئك السعداء، وأن يكون ذلك الحب شفيعًا يوم القيامة، آمين.
والحمد لله رب العالمين.
——————
المراجع:
1- د. محمد سعيد رمضان البوطي. منهج تربوي فريد في القرآن، مقال متاح على الرابط:
http://www.qudsway.com/Links/Islamyiat/7/Html_Islamyiat7/7hisl4.htm
2- حنان عطية الطوري الجهني. الدور التربوي للوالدين في تنشئة الفتاة المسلمة، مكتبة الملك فهد الوطنية، 2001،ج1، ص.32)
3- سميحة غريب، كيف تربِّي طفلاً سليم العقيد، الإسكندرية : دار الدعوة ، 2003  175ص.)، ص76
4- فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي، تربية الأولاد في الإسلام: الدرس 2/30 التربية الإيمانية، متاح على الرابط:
(http://www.nabulsi.com/tarbya/awlad/awlad-2.html
5- محمد سعيد مرسي فن تربية الأولاد في الإسلام، القاهرة: دار التوزيع والنشر الإسلامي، 2001، ص98
6- الجنين يتذوق الطعام وهو في بطن أمه، مقال منشور على الصفحة الرئيسة لموقع لها أون لاين
www.lahaonline.com
7- د. حسام عرفة، الجنين أيضًا يُصاب بالاكتئاب! مقال منشور على الرابط التالي:
http://www.islamonline.net/iol-arabic/dowalia/adam-44/parent-2.asp
8- نبيلة حمدي، أعاني من ضغط نفسي هل سيؤثر ذلك على جنيني مجلة الأم والطفل، مايو-يونيو 2004، ص15-16)
9- محمد أحمد النابلسي، ذكاء الجنين، بيروت: : دار النهضة العربية 1988
10- أ.د. كريمان بدير، رعاية الطفل من الجنين حتى عامين، عالم الكتب 2004، القاهرة، ص117
11- خيرية صابر، حقوق الطفل في الإسلام، مقال منشور على الرابط:
http://www.islamweb.net/family/sons/sons19.htm
12- صفي الرحمن المبارك فوري، الرحيق المختوم، ص.53)
13- محمد أحمد النابلسي، ذكاء الرضيع، بيروت: دار النهضة العربية، محاضرة مسجلة على شريط ينتجه “المركز الإسلامي العالمي للإنتاج والتوزيع” -بني ياس- أبو ظبي، كما أن هذه المحاضرة مكتوبة على الرابط التالي::
14- د. يحي الغوثاني. طرق إبداعية في حفظ القرآن
http://www.bafree.net/forum/viewtopic.php(t=23936&postdays=0&postorder=asc&&start=0
15- فن تربية الأولاد في الإسلام، ص.58)
16- قصة منشورة على الرابط: http://www.yah27.com/vb/showthread.php(t=4431
17- قصة منشورة على الرابط :
http://www.yah27.com/vb/showthread.php(t
18- قصة منشورة على الرابط:
http://www.yah27.com/vb/showthread.php(s=&threadid=306
19- محمد سعيد مرسي، فن تربية الأولاد في الإسلام ص.99
20- المشرفة، كيف نساعد الأطفال على تقوية الذاكرة والتذكر، الصفحة الرئيسة لموقع “طفلي”
www.mynono.com
21- قصة منشورة على الرابط:
http://www.yah27.com/vb/showthread.php(t=1035
22- عمرو خالد، خواطر قرآنية، القاهرة، أريج للنشر والتوزيع، 2004، ستة كتيبات،
وهي متاحة أيضًا على أشرطة مسموعة، وتباع لدى www.sindbadmall.com
23- قصة منشورة على الرابط:
http://www.yah27.com/vb/showthread.php(t=5
24- قصة منشورة على الرابط:
http://www.yah27.com/vb/showthread.php(s=&threadid=5
25- قصة منشورة على الرابط:
http://www.yah27.com/vb/showthread.php(t=4619
26- قصة منشورة على الرابط التالي:
http://www.yah27.com/vb/showthread.php(t=4565
27- قصة منشورة على الرابط:
http://www.yah27.com/vb/showthread.php(t=3490
28- قصة منشورة على الرابط:
http://www.yah27.com/vb/showthread.php(t=3541
******

Scroll to Top