أبنائي: لا للخلافاتأميمة الجابر.قلوبنا تمتلئ سعادة عندما نرى هذه النماذج من الأسر التي يجتمع فيها أبناءٌ متحابون، متوادون، كما نزداد أسفًا لشكوى آخرين ومعاناتهم من انقسام أبنائهم، وجفائهم لبعض.
البعض يرى أن المسؤولية الكبرى لأغلب سلوكيات الأبناء الخاطئة تقع على الأبوَين منذ النشأة ثم على طبيعة النشأة، وما رسخ في القلوب من مبادئ وقيم، وأتفق مع ذلك بنسبة مؤثرة.
لا شك أن التربية الإيمانية، والنشأة الصالحة للأبناء من أفضل الأعمال، وأقرب القربات، ومن أعظم ما أوجبه الله تعالى علينا تجاه أبنائنا، وفلذات أكبادنا، وقد أوصانا النبي -صلى الله عليه وسلم- برعاية الأبناء في قوله (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته)، إنه الغذاء النفسي الذي ينبهنا ديننا إليه أن نغذي به أبناءنا حينما نعودهم منذ الصغر على طاعة الله تعالى، والخوف منه سبحانه، ومراقبته في السر والعلن، وتعليمهم حب الإيثار، وتعزيز البر فيما بينهم.
ووضّح لنا منهجنا الإيماني في كيفية اهتمام الأخ الأكبر بأخيه الأصغر، والعطف عليه، والرحمة له، وتفقد حاله، وعلّم الصغير احترام الكبير، ومبادلته البر في المعاملة، وزرع الحب فيما بينهم، ونبّه على الآباء عدم تفضيل أحدهم على الآخر في شيء؛ فشعور الأبناء بالعدل يبعدهم كل البعد عن البغض والكراهية، جاء في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نظر إلى رجل له ابنان، فقبّل أحدهما وأجلسه على فخذه، وترك الآخر، فقال صلى الله عليه وسلم: (هلا ساويت بينهما) ، “أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد”.
وقد يتعرض الأبناء لما يرونه من تفرقة حقيقية بينهم وسيكون لها آثار فيما بعد، كتفضيل الابن الأكبر على إخوانه باعتباره الابن البكر، وتفضيل الذكور على البنات في المعاملة، والعطاء، والميراث كما يحدث في بعض المجتمعات، وتدليل الابن الصغير دون الآخرين، ومدح الابن المتفوق دائمًا ودعمه أمام إخوانه مع إهمال الآخرين، وعدم الانتباه على أن الذكاء قدرات، وتقديم العطف والحب الزائد لأحد دون الآخر؛ فتنشب نار الغيرة والحقد، والبغض في نفوس الآخرين كما ورد في قصة يوسف -عليه السلام- وما تعرض له من إيذاء نتيجة كره إخوانه له.
ينبغي تعويد الأبناء فيما بينهم على لغة الحوار، والتعبير عن مكنوناتهم لبعض بوضوح؛ فهي وسيلة لحل المشكلات بينهم، وعدم اللجوء للتشاجر والنزاع، وليكن ذلك منذ الصغر، فلا بد من تعويدهم على المرونة في العلاقات، وتسوية الخلافات، والبحث عن أسباب الشقاق وبواعث الحقد، والمسارعة في فض الخلاف، والمبادرة إلى الإصلاح بينهم عن طريق تبادل البسمات، وتعويدهم على الصفح، وتقديم الهدايا مع تقديم النصح والعتاب للمخطئ، وزرع المودة والإخاء.
من الجميل أيضًا زرع صفة التسامح والعفو بين الأبناء، وتعزيز ذلك في قلوبهم لقوله تعالى: (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ)، وتعويدهم منذ الصغر على لغة الشكر كقول “جزاك الله خيرًا” لأثرها الجميل على النفس، وكذلك غرس قيمة العطاء ومعناه داخل قلوب الأبناء، وتطبيقه عمليًا بتقديم العون، والوقوف بجانب بعضهم في أوقات الشدة، والمشاركة في الأفراح والأحزان فالله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
وفيما يتعلق بالمؤثرات على نفسية الأبناء خارج الأسرة فاختيار الصديق الصالح للابن هام جدًا لعلاقة طيبة بين الأبناء؛ فسلوك الصديق الطيب ينشر رائحته الحسنة داخل الأسرة وبين الأبناء، وكذلك السلوك السيئ ينضح على صاحبه، ويضر كل من يقترب منه، والحرص على المتابعة المدرسية فيما يخص التشاجر مع الأقران والآخرين، ومدى الاتصاف بصفة المروءة في الصداقة، وتطبيق معاني الصفاء والتسامح.
إن من صفات المؤمن كونه يمتلك قلبًا كبيرًا، وصدرًا رحبًا يستوعب عثرات إخوانه؛ فيستر عورة أخيه، وإذا رأى سيئة من أخيه يسترها ولا ينشرها، فلا بد من إحياء هذه المفاهيم داخل قلوب أبنائنا تجاه بعضهم البعض، وتجاه الآخرين، ولا بد أن نهتم داخل الأسرة بتعزيز معنى “حب لأخيك ما تحب لنفسك”، ومعنى “وإياك والمقارنات”، ومعنى “قبول الأعذار”، ومعنى “تقدير الاختلافات”، وغيره، وعلى الوالدين أن يعلما أبناءهما أن القدوة منهما هي حجر الأساس في زرع بذور الحب والمودة بين الأبناء.
وأكرر ههنا أن النصح العملي أيضًا قد يكون أهم من النصح القولي؛ فعن طريق تطبيق تلك المعاني السامية في علاقة الوالدين برحمهما وإخوتهما، وكذا الصلة والتواصل بين الوالدين ورحمهم وإخوانهم ومصاحبة الأبناء معهم في تلك الصلات والزيارات يمكّننا من تقديم قدوة عملية واضحة؛ فإنك إذا زرعت سعدت وقت الحصاد.