د. جاسم المطوع.
هل هذه العائلة التي سأعرضها عليكم متماسكة ومستقرة أم مفككة؟
تعرفت على عائلة، الأب فيها مشغول بتجارته وجمع المال للأسرة، والأم لديها مشروع تجاري تبيع الحلويات من خلال الشبكات الاجتماعية، ولديهم أربعة أبناء أكبرهم 16 سنة وأصغرهم عمره 4 سنوات، لا يجتمعون على وجبة باليوم، وقليل ما يجلسون مع بعض، ونادرًا ما يتحدث الأب مع أبنائه، والأم تتابع الأبناء من خلال العاملة في المنزل، وأحيانًا تجلس مع الأبناء، قد يظن الأب أنه إذا جمع مالاً كثيرًا، وتظن الأم أنها إذا انشغلت عن تربية أبنائها بعمل مشروع تجاري على الشبكات الاجتماعية، وفوّضت العاملات والمدارس والحضانات بتعليم أبنائها وتربيتهم فهذا يعني أنهم أسرة مستقرة وليست مفككة.
إن مفهوم تفكك الأسرة صار مختلفًا اليوم مع التطور التكنولوجي وتسارع الزمن؛ فقد تكون أسرة مطلقة ولكنها مستقرة، وقد تكون أسرة ليست مطلقة ويسكنون في بيت واحد، لكنها أسرة مفككة، ولهذا فإننا نطرح سؤالاً مهمًا في هذا المقال، وهو كيف نستطيع أن نحكم على أسرة بأنها مستقرة أو مفككة؟
والجواب على هذا السؤال بخمس علامات وهي:
الأولى– وجود الأمن العاطفي والجسدي في الأسرة: وهذا يعني أنه عندما يعيش أحد أفراد الأسرة في البيت، ويشعر بالراحة والطمأنينة، وأنه لا يتصنع أو يجامل، وإنما يعيش نفسه كما هي، ويكون مرتاحًا في التعامل مع أفراد الأسرة، فلا يخاف من الغضب ولا يعاني من القلق.
الثانية– وجود الدعم الإيجابي في الأسرة: وهذا يعني سماع الكلمات الإيجابية لدعم الزوجين لبعضهم البعض، ودعم الوالدين للأبناء بالمدح والثناء على إنجازاتهم، أو محاربة النفسية التشاؤمية أو السلبية من خلال التوجيه والنصيحة لتعيش الأسرة في التفاؤل حتى في حالة الفشل أو المرض أو وجود مصيبة أو ابتلاء.
الثالثة– وجود نظام وقواعد ثابتة في الأسرة: ويتم الاتفاق بين الزوجين على هذه القواعد وتطبيقها على أفراد الأسرة، مثل الحرص على الصلاة بوقتها، والاهتمام بالتعليم والتفوق الدراسي، ومعرفة أوقات الطعام والراحة، ونظام للصداقة، ونظام التعامل مع الشاشات والهواتف النقالة وهكذا.
الرابعة– وجود تواصل سليم وصحي بين أفراد الأسرة: من خلال الحديث والحوار مع بعضهم البعض، ففي الأوقات الجيدة يتحدثون مع بعض، وفي الأوقات الصعبة والتوتر يحسنون استيعاب بعضهم البعض إلى أن يتجاوزوا المشكلة، وهذا يتطلب تشجيع أفراد الأسرة على التعبير عما في نفوسهم، ومساعدتهم على ذلك، والالتزام بآداب الحديث من استماع جيد وعدم المقاطعة، ووجود الأحاديث الفكاهية والممتعة عند اجتماع العائلة.
الخامسة– وجود المحبة والتضحية بين أفراد الأسرة: سواءً كانت بين الزوجين، أو مع الأبناء، وإظهار هذه المشاعر في الأسرة من خلال الاهتمام والحوار والمساعدة وتقديم الدعم المالي أو المعنوي.
فهذه هي العلامات الخمسة لو وجدت في أي أسرة؛ فإننا نحكم على هذه الأسرة بأنها مستقرة، وليست مفككة حتى ولو كانت الأسرة مطلقة، أو كان ظروف عمل الزوج يتطلب كثرة السفر، أو كان أحد الأبناء من ذوي الاحتياجات الخاصة، وقد رأيت كثيرًا من الأسر يسكنون في بيت واحد ولكنها أسرة مفككة؛ لأن هذه العلامات الخمس غير متوفرة، وهي عدم وجود أمن عاطفي وجسدي، وعدم وجود دعم إيجابي، وعدم وجود نظام يحكم الأسرة، وعدم وجود تواصل وحوار صحي فيها، وفقدانها للمحبة والتضحية، وعندما نطبق هذه العلامات على الأسرة الغنية التي تحدثت عنها في مقدمة المقال؛ فإن النتيجة تكون بأنها أسرة مفككة، رغم أنهم يعيشون مع بعض في بيت واحد، والوالدين ناجحين في الحياة، فإذا أضفنا لهذه العلامات الخمس، علامة سادسة وهي الأهم:
بأن يكون للأسرة مرجع يرجعون إليه وقت الخلاف والاختلاف، ويكون هذا المرجع هو البوصلة التي يحتكمون لها ويطبقونها؛ فإن هذه الأسرة تكون سعيدة ومستقرة، وهذا المرجع هو كتاب الله تعالى وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام .
المصدر: الحدث .