د. شلاش الضعبان .
ذكر أبو الفرج بن الجوزي في كتابه الأذكياء “بلغنا عن عمارة بن حمزة أنه دخل على المنصور، فجلس على مرتبته المرسومة له، فقام رجلٌ فقال: مظلوم يا أمير المؤمنين، فقال: مَنْ ظلمك(، قال: عمارة غصبني ضيعتي، فقال المنصور: قم يا عمارة فاجلس مع خصمك، فقال: ما هو لي بخصم، قال: كيف وهو يتظلم منك؟ قال: إن كانت الضيعة له فلست أنازعه فيها، وإن كانت لي فقد تركتها له، ولا أقوم من مجلس شرفني بالرفعة فيه، فأجلس في أدناه بسبب ضيعة”.
تنازل هذا الرجل عن ضيعة، فكسب الشرف وبقاء الذكر، وهي أثمن من ضيعة زالت عن مالكها أو زال عنها.
وفي مجتمعنا ولله الحمد مَنْ يعيش في سمو ورفعة، وما أكثر مَنْ نفخر بهم ونفاخر، ولكن أيضًا يوجد بيننا مع شديد الأسف مَنْ يقف في المحاكم ضد إخوانه لأجل أموال دنيا لا تساوي الخسائر التي يخسرها مهما كان حجمها!
ومنا أيضًا مَنْ ينزل بنفسه فيوقع نفسه في الفساد، أو يُعرض نفسه لقيل وقال بأفعال لا تستحق الخسائر التي يدفعها بسببها!
ومنا أيضًا مَنْ تراه متدنيًا في أخلاقه داخل مؤسسته فتجده يخسر مَنْ حوله بأفعال يرى أنها توصله لمنصب يطلبه أو بدل مالي يسابق زملاءه عليه!
وقل مثل ذلك عن تعامل بعض الأزواج مع طليقاتهم بعد انتهاء العشرة، حيث تتدنى الاهتمامات والمطالبات، ولا تكون الأمور إمساكًا بمعروف أو تسريحًا بإحسان!
هذه المواقف وأمثالها هي انعكاس لتمدد المادية وتأثيرها المتزايد، وإن لم تُحجّم بالتربية على الرفعة وعزة النفس المرتكزة على احترام الذات قبل احترام الآخرين، وكلمة الحق ببيان سوئها ونصح المتلوثين بها المرتكز على تعاليم دين يعلي كل خير، ويسعى في تحجيم كل شر، وقيم ترفع المعالي، وتحذر من السفاسف فإنها ستزداد، بل وستوقع فيما هو أشد وأسوأ، فالأخلاق إذا تردت ليس لها قاع.
إن أجمل الأماكن هو ما علا وارتفع، وأسوأها حال ضفدع المستنقع حتى لو كان يرى مكانه هو الأجمل والأكمل.
وقد قيل: ضع الضفدع على كرسي من ذهب، يرجع فورًا إلى المستنقع.
المصدر: صحيفة اليوم.