” قصة واقعية ”
زهرة الياسمين
لا أخفي عليكم أنني لستُ من هواة الطهي، فقد كنت أعتبره مضيعةً للوقت والجهد، فلما تمت خطبتي اكتشفت أن حماتي من الذين يقضين معظم أوقاتهن بالمطبخ، بل وتهوى التفنن في إعداد الأصناف الجديدة من الطعام كل حين وآخر، مستعينة بشتى كتب الطهي العربية والغربية، فكان هذا الأمر -بالطبع- يقلقني، فلا بد أن خطيبي بعد الزواج سوف يقارن بين طعامي وطعام والدته، فلما انتهينا من إعداد كل شيء للزواج وتم تحديد الموعد مع والدي، لاحظ خطيبي أنني أؤجل موعد الزواج، وأنني في كل مرة أتعلل بسبب مختلف، فسألني صراحة: إنك تؤخرين الزواج لسبب لا أفهمه، فما الأمر؟
فشعرت أن الأمر مكشوف، ولم يعد أمامي إلا أن أذكر الحقيقة، فقلت له :
“بصراحة أنا أكره المطبخ” ، فضحك متعجبًا، وقال لي : “على كُلٍ أنا أحب الأكلات البسيطة، كما أنني لا أهتم إذا تناولت لونًا واحدًا من الطعام لمدة يومين على التوالي” فطمأنني هذا الكلام، ولم أؤجل الزواج بعد ذلك، ولكنني بعد الزواج شعرت بأنني مسؤولة عن البيت وكل شؤونه، ومن بين هذه الشؤون: ” المطبخ ” .
فقلت لنفسي: ” لا بد من أن تبذلي جهدك لتبدعي في المطبخ حتى لو كان زوجك يحب البسيط من الأكلات “، وفي أول يوم أدخل مطبخي للطهي استعنت بالله تعالى، وتوكلتُ عليه، ورجوته ألا يكون طعامي أسوأ كثيرًا من طعام حماتي، ثم بدأت بالطهي ، وفي هذه الأثناء تذكرت -بفضل الله- كلمات قالتها لنا أخت فاضلة كانت تعطينا درسًا بالمسجد في شهر رمضان، قالت لنا -جزاها الله خيرا- ” إن المرأة العربية تقضي معظم أوقاتها بالمطبخ، وخاصةً في شهر رمضان، مما يضيِّع عليها الكثير من فضل هذا الشهر العظيم ، إن رمضان يا أخواتي كالعطر يتبخر سريعًا فلا تضيِّعنه بالمطبخ وما شابه من أعمال فإن كان ولا بد، فلماذا لا نذكر الله في المطبخ ؟ هل جرَّبَت إحداكن أن تطهو وهي تسبِّح الله وتذكره “، وشعرتُ بأنني في حاجة بأن أفعل ذلك، ليس لاغتنام شهر رمضان فحسب -فقد كنا في شهر آخر لا أذكره- ولكن عسى الله أن يجعل نكهة الطعام الذي أطهوه طيبة , وقررت أن أبدأ بالبسملة عند كل خطوة من إعداد الطعام , بدءًا بإشعال الموقد ومرورًا بوضع الدهن بالإناء، ثم البصل أو الثوم، ووضع الطماطم , وانتهاءًا بإطفاء الموقد.
وفي المرة الثانية قلتُ لنفسي: لماذا لا أتلو سورة الإخلاص بعد البسملة عند كل خطوة؟ إنني أحب هذه السورة كثيرًا، كما أنها قصيرة، وفي تلاوتها الكثير من الثواب أيضًا , فصرتُ أفعل ذلك بفضل الله ثم هداني الله سبحانه إلى أن أقوم بالتسبيح ريثما ينضج الطعام، وفي أثناء غسل الأطباق مثلاً أو تنظيف المطبخ.
وكان ردة فعل زوجي هو الثناء على طعامي، حتى أنه قال لي أنني تفوقت على والدته ولم أصدقه وقتها بالطبع -فلستُ من الذين يدققون في نكهة الطعام ما دام صالحًا للأكل والملح غير مبالغ فيه- وظننتُه يجاملني فأنا ما زلت عروسًا حديثة العهد، وهذه المجاملات الزوجية شيء معتاد.
وفي المرة الثانية قلتُ لنفسي: لماذا لا أتلو سورة الإخلاص بعد البسملة عند كل خطوة؟ إنني أحب هذه السورة كثيرًا، كما أنها قصيرة، وفي تلاوتها الكثير من الثواب أيضًا , فصرتُ أفعل ذلك بفضل الله ثم هداني الله سبحانه إلى أن أقوم بالتسبيح ريثما ينضج الطعام، وفي أثناء غسل الأطباق مثلاً أو تنظيف المطبخ.
ولكني لاحظت أنه يكرر هذه العبارة كثيرًا فأسعدني ذلك ولكني لم أصدقه تمامًا وظننت ذلك تشجيعًا منه، خاصة عندما اكتشفت أن زوجي من هواة الطعام المعد بإتقان، كما أنه يدقِّق في طريقة إعداد كل صنف وأن ما قاله لي قبل الزواج كان من قبيل التشجيع فقط ، ولما كنت أدعو حماتي لتقضي معنا أيامًا، كانت هي الأخرى تُثني على طعامي، فكنت أظنها هي الأخرى تجاملني، وكنت ألاحظ أنها كانت تقضي معي الأوقات بالمطبخ، فكنت أرجوها أن ترتاح بغرفة المعيشة فكانت ترفض فكنا نتجاذب أطراف الحديث ولكني لم أنتبه إلى أنها كانت تراقب خطواتي في إعداد الطعام، حتى سألتني ذات مرة عن طريقة إعداد صنف معين، فلما ذكرت ذلك لها لاحظتُ العجب على وجهها ولكني لم أفهم السبب، حتى اتصلَت بي بعد شهور من زواجي لتقول لي: ” أنا أستحلفك بالله أن تذكري لي سر النكهة الطيبة التي يتميز بها طعامك “، فسألتها إن كان تمزح، فأقسمَت أنها لا تمزح ” والطريف في الأمر أنني لم أعد أكره الطهي، ولا البقاء في المطبخ خاصة عندما خصصتُ جهاز تسجيل للمطبخ أستمع من خلاله إلى القرآن الكريم، ومختلف الدروس الدينية، فصار وقتي الذي أقضيه بالمطبخ ممتعًا ولم أعد أشعر بالوقت إلا بعد الانتهاء من كل شيء .
ليس هذا فحسب وإنما صرت -بفضل الله- لا أقتصر على إعداد الوجبات الرئيسة، وإنما تطور الأمر بي إلى إعداد المخبوزات مثل الكيك، والبيتزا، بل والكيك أيضًا، وأحيانًا بعض المخللات، والمربى حتى أن صديقاتي والمقربين لم يصدِّقوا حين علموا بذلك !
فسبحان الله إن لذِكر الله أسرارٌ نغفل عنها إلا أن غفلتنا هذه لا تنفي أبدًا عجيب هذه الأسرار فسبحانك ربي ما أعظمك .