مغريات الحياة تجعل تربية الأبناء صعبة

 

صلاح الشريف.

من الهموم التي أصبحت تُؤرق الآباء والأمهات صعوبة تربية الأبناء في الوقت الحالي؛ بسبب ما يحيط بهم من مغريات الحياة في عصر التواصل العالمي، الذي مكّن الأفراد من بناء علاقات جديدة عبر مجتمعات افتراضية، كذلك تعلق الأبناء بالألعاب الإلكترونية عبر الإنترنت، وهو ما أثّر على سلوكياتهم، وعلى علاقاتهم الأسرية، بل وجعلهم أكثر انطواءً داخل غرفهم، الأمر الذي أثّر على نفسيّات الوالدَين بسبب عجزهم عن التعامل مع أبنائهم، خاصةً إذا كانوا يمرون بفترة المراهقة، والتي تصحب معها بعض التغيرات في مزاج وفكر وتصرفات الأبناء.
ويبقى الواجب على الأسرة أن تؤمن بتأثير الانفتاح على العالم في سلوك الأبناء، وتدرك الكيفية التي تنتقل من خلالها الثقافات والقيم والسلوكيات، بل وتعمل على التماشي معها؛ لتكون أكثر معرفة بمقتضيات التنشئة الحديثة، وأكثر قدرة على السيطرة على سلوك الأبناء، كذلك لا بد من التعامل مع الأبناء باحترام من حيث اختيار المفردات الجيدة، واستخدامها كتحفيز وتقدير لهم؛ لنبني أشخاص واثقين من أنفسهم، إضافةً إلى أنه لا بد من إعطائهم فرصة كاملة للتعبير، وطلب المشاركة منهم في حل بعض المشاكل حتى يشعروا بأهميتهم.
انفتاح ومغريات:
وقال زياد ونيس الربيع -كاتب عدل تبوك الثانية-: الأبناء هم ثمرة حياة الأب والأم فمن أجلهم يفني الأب حياته في العمل، والكفاح من أجل توفير كل سبل الراحة لهم، كذلك الأم يضيع عمرها في تربية الأبناء، كل ذلك من أجل أن يصبح هؤلاء الأبناء سندًا وعونًا لهم، ويكونوا نافعين للمجتمع وللوطن الذي تربوا على أرضه، لكن هناك كثيرًا من المعوقات والصعوبات التي تقف ضد تحقيق هذا الهدف المنشود من الأب والأم، ومن هذه الصعوبات الانفتاح المطلق، والمغريات التي يجدها الأبناء في هذا العالم غير المقيد، فقد نجد الأبناء يعيشون بيننا بأجسادهم فقط وعقولهم وقلوبهم في عالم آخر أو مكان آخر يظنون أن فيه الراحة والمتعة بالنسبة لهم، مضيفًا أن الانفتاح الموجود في العالم هو عدو يحاول تدمير أبنائنا فيجب على الآباء والأمهات مراقبتهم وإفهامهم؛ لتجنب وقوعهم في المشاكل، كذلك يجب توفير الوقت من جانب الآباء والأمهات لسماع مشاكل الأبناء، ومحاولة تفهم وجهات نظرهم، ومناقشتهم فيها بحلم ودون عصبية، إضافةً إلى تعويد الأبناء على المصارحة حتى إذا أخطؤوا، وكسب ثقة الأبناء من قبل الأمهات والآباء، كما يجب سرد بعض القصص لهم عن مخاطر الانفتاح وما يسببه من مشاكل للفرد والأسرة والمجتمع، مشيرًا إلى أنه يجب عمل نشرات توعوية بمخاطر الانفتاح عبر وسائل الإعلام المختلفة، كما يمكن التأكيد على هذه المغريات ومخاطر الانفتاح من خلال خطباء المساجد، وعمل نشرات توعوية في المدارس والجامعات ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي المنتشرة هذه الأيام.
آباء يواجهون المتاعب في التعامل مع أبنائهم بسبب تعلقهم بمواقع التواصل “مجتمعات افتراضية”:
وأوضح د. مساعد العتيبي -عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام وباحث في مجال الأسرة والمراهقة- أنه أصبحت تربية الأبناء من أصعب ما يمكن أن يفكر فيه الآباء والأمهات؛ بسبب ما يحيط بهم من مغريات الحياة في عصر التواصل العالمي الذي جعل بإمكان كل من في الكرة الأرضية أن يشارك في التنشئة بجانب الأسرة، بل قد يكون أكثر تأثيرًا من الأسرة ذاتها، خصوصًا في ظل الانفتاح على العالم عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي مكّنت الأفراد من بناء العلاقات عبر مجتمعات افتراضية لا تعترف بالحدود الجغرافية أو الاجتماعية، مما ساهم في انتقال القيم والثقافات المختلفة للناشئة، وكوّنت لديهم أزمة هوية نشأ عنها خليط من الثقافات والمفاهيم المهجنة التي أحدثت اختلالاً واضطرابًا في المنظومة القيمية لدى المراهقين، لسبب بسيط وهو أن هذه الشريحة أكثر تقبلاً لعمليات التواصل والانفتاح على المجتمع الخارجي مع غياب الأسس الملائمة لهذا التقبل، مبينًا أن كل ذلك صعّب من المهمة التربوية للأسرة وقلّص دورها وتأثيرها إلى الحد الأدنى، مؤكدًا على أنه تبقى الأسرة شريك رئيس في ما يحدث سواءً بعلمها أو بغيره، فعلى الرغم من كل التحديات التي تواجهها وتحد من تأثيرها في عملية التنشئة والسيطرة على سلوك الأبناء، إلا أن المسؤولية لمواجهة هذا المد من التأثيرات إن جاز التعبير تقع على عاتق الأسرة، فهي المناطة بالدرجة الأولى بالعمل على تشكيل شخصية الطفل من خلال ما تزرع فيه من قيم قبل أن يكتسبها من الخارج.
الأسرة عليها مسؤولية إدراك التنشئة الحديثة للسيطرة على سلوك جيل اليوم “مواكبة التحديات”:
وذكر د. العتيبي أنه من الواجب على الأسرة أن تكون قادرة على مواكبة هذه التحديات والتغيرات المتسارعة والتعامل معها بمقتضى الحال، كما أن عليها أن تؤمن بتأثير الانفتاح على العالم في سلوك الأبناء، وتدرك الكيفية التي تنتقل من خلالها الثقافات والقيم والسلوكيات، بل وتعمل على التماشي معها؛ لتكون أكثر معرفة بمقتضيات التنشئة الحديثة، وأكثر قدرة على السيطرة على سلوك الأبناء والتحكم فيه، مضيفًا أنه يجب أن يبدأ ذلك الوعي والإدراك مبكرًا، ويتم العمل عليه مع الأبناء منذ الولادة، فأزمة اضطراب الهوية لدى المراهقين ليست مسلّمة يعيشها الكل بحسب الدراسات المتخصصة في هذا المجال، وإنما تحدث هذه الأزمة لمن يجد نفسه في بيئة يغلب عليها طابع الإحباطات، ويشعر بالعجز عن مواجهتها، مبينًا أنه يتحدد سلوك المراهقين إلى حدٍ كبير تبعًا لدرجة تحكم البيئة الأسرية، وطبيعة التنشئة التي يتلقاها في الأسرة.
وعي ديني:
وتحدثت كاميليا البلادي -أخصائية نفسية- قائلةً: للوصول إلى التربية الإيجابية خطوات ميسرة إن عرفناها وطبقناها لتثمر عن جيل واعٍ متزن بفكره وأخلاقه ودينه، وتعكس سلوكًا إيجابيًا على جميع الجوانب ابتداءً من الوعي الديني، وبناء الرقابة الذاتية داخل قلب الابن شابًا أو طفلاً، ويكون ذلك بالتركيز على نقطة مهمة بتقوية علاقته بربه، ليس بأمرهم ونهيهم وطابور التعليمات المتكررة، لا ليس كذلك، نحن نريد قناعة من الداخل، كيف تتم هذه القناعة(، من خلال توجيه فكرهم، والحديث معهم عن نعم الله بشكل مستمر وعن صفات الله، كيف يعرفه أكثر(، ولكي يشعر كامل الشعور بكرم الله له وحب الله له ولطفه ورحمته، مضيفةً أنه لا بد من الإكثار من الثناء على الله، مع تركيز وعي الأبناء تجاه حب الله لنا في كل النعم، وهي لا تحصى، ابتداءً من الإسلام والعافية والحواس والوطن والأمن، وأي ميزة أو نعمة أنعمها الله على الابن نسلط الضوء عليها، حتى يشعر بذلك الحب والكرم والرحمة، مؤكدةً على أنه عندما يحب الفرد ربه يتقرب بالطاعة، ويتراجع عن الخطأ، ويحبه الله ويحفظه ويرعاه، وكلما كان الابن واثقًا من نفسه وفكره يصبح فكره واعيًا مستقلاً غير منقاد يملك ويقيّم الأمور ويحللها وينقدها بشكل صحيح، بل لا يكون شخصًا متهورًا.
احترام وتحفيز:
وعن كيفية إكساب الابن الثقة بالذات أوضحت كاميليا البلادي أن ذلك يتم من خلال أمرين أولهما: التعامل معه باحترام من حيث اختيار المفردات الجيدة، واستخدامها كتحفيز وتقدير له لنبني شخصًا واثقًا، مضيفةً أنه لكي يصبح شخصية قيادية فاعلة في المجتمع تفكر فيما ينفعها بسلوك متزن التعامل لا بد من التعامل معه بالاحترام والتحفيز والشكر وإعطائه فرصة كاملة للتعبير عن نفسه ورأيه ومشاعره، كذلك طلب منه المشاركة في حل بعض المشاكل كي يشعر بكيانه الشخصي، إلى جانب وضوح الأنظمة والقوانين داخل المنزل بعيدًا عن الدلال والحماية المبالغة لهم، أو الخوف عليهم؛ لأنه يؤذيهم، مشيرةً إلى أنه علينا ترك الحماية المفرطة لهم؛ لأنها تحول بينهم وبين اكتساب الخبرة، مُشددةً على أنه يجب توجيه وعيه بشكل مستمر على إيجابياته ليحب وليقدر ذاته كي يحميها من الوقوع في الخطأ، ذاكرةً أن تأنيب الضمير وجلد الذات من أقوى أسباب الوقوع في الخطأ.

Scroll to Top