ضيف الحوار: الداعية مصطفى سامي القيشاوي.
أجرت الحوار: أمينة سعيد.
جمعت الآيات القرآنية أسلوبين مهمين من أساليب الدعوة إلى الله وهما: الترغيب والترهيب اللذان يتخذهما الداعية لإيصال دعوته، وثمرة جهده، وهما الكفيلان لإقناع الناس بالرجوع إلى دينهم، وعقيدتهم، وشريعتهم، وبما أن هاذين الأسلوبين أساسيان في الدعوة وجب الموازنة بينهما؛ حتى لا نجد دعاة اتخذوا من طريق الترغيب سلاحًا لإنجاح دعوتهم، وتغافلوا عن أسلوب الترهيب الذي قد ينفر الناس من الدعوة، وهذا ما أكد عليه فضيلة الأستاذ مصطفى سامي القيشاوي خطيب وواعظ في مساجد قطاع غزة بفلسطين وقال: “من المهم أن يوازن الداعية بين الأسلوبين، فلا يغلِّب جانبًا على جانب” منوهًا إلى أنه من الخطير أن يفعل ذلك.
وشدد في حواره مع موقع “دعوتها” على وجوب الموازنة في الدعوة بين ترهيب الناس وتخويفهم بالله، وبما يكون من عواقب ذنوبهم في الدنيا، وما عليها من العذاب الشديد في الآخرة، وبين ترغيبهم بما عند الله عز وجل من الجزاء العظيم والنعيم المقيم، وما يفتح الله لهم من الخير والبركات والنصر، والتمكين في الدنيا، وأشار إلى أنه إذا بدأ الداعية بالترهيب فينبغي عليه أن يختمه بالترغيب، والعكس صحيح..
وإليكم نص الحوار:
من الأساليب القرآنية في الدعوة أسلوب الترغيب والترهيب فما هو المقصود بهما؟
الدعوة إلى الله تعالى من أجلّ الأعمال، وأرفعها قدرًا؛ فهي مهمة أوكلها الله إلى أشرف خلقه وهم الأنبياء، وهي من أحسن ما يتكلمه الإنسان مصداقًا لقوله تعالى: (ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحًا وقال إنني من المسلمين)، وأي داعية إلى الله لا بد وأن يستخدم أحد أسلوبين إما الترغيب وإما الترهيب، ونقصد بالترغيب كل ما يشوق المدعو إلى الاستجابة وقبول الحق والثبات عليه، وهو وعد يصحبه تحبيب وإغراء بمصلحة أو متعة آجلة مؤكدة خيرة خالصة من الشوائب مقابل القيام بعمل صالح أو الامتناع عن لذة ضارة ابتغاء مرضاة الله، ونقصد بالترهيب هو كل ما يخيف ويحذر المدعو من عدم الاستجابة أو رفض الحق أو عدم الثبات عليه بعد قبوله، وهو وعيد وتهديد بعقوبة مترتبة على اقتراف إثم أو ذنب مما نهى الله عنه، أو على التهاون في أداء فرائض الله.
ينتهج الكثير من الدعاة في دعوتهم أسلوب الترغيب والترهيب كيف يمكن أن يوازن بينهما في دعوته؟
من المهم أن يوازن الداعية بين الأسلوبَين؛ فلا يغلِّب جانبًا على جانب بل من الخطير أن يفعل ذلك، بل على الداعية أن يوازن في دعوته بين ترهيب الناس وتخويفهم بالله، وبما يكون من عواقب ذنوبهم في الدنيا وما عليها من العذاب الشديد في الآخرة، وبين ترغيبهم بما عند الله عز وجل من الجزاء العظيم والنعيم المقيم، وما يفتح الله لهم من الخير والبركات والنصر، والتمكين في الدنيا مما يرغبهم للإقبال على الله، وطاعته، والتوبة إليه، ومحبته، ولا ينبغي للداعية أن يقتصر على جانب دون جانب فإن بدأ بالترهيب فينبغي عليه أن يختمه بالترغيب، والعكس صحيح، ولو اقتصر الداعية على الترهيب ليأس المدعوون، واليأس باب من أبواب الشيطان يدفع الناس إلى التمادي في الفسوق، أو القنوط من رحمة الله، ثم النفور من الداعية والدعوة، وفي كلٍ شر مستطير، ولو اقتصر الداعية على منهج الترغيب لتواكل المدعوين على الرحمة، وقلّ خوفهم من العذاب، وتمادوا في العصيان، وعزفوا عن التوبة، وأصروا على ما فعلوا، وفي هذا من الخطر العظيم ما لا يخفى.
برأيكم هل ساهم أسلوب الترهيب في عزوف بعض الناس عن الإقبال على الدعوة ونفروهم من الدعاة؟
أحيانًا المبالغة في التنفير من الخطأ أو في النفور منه تفضي إلى أن نحمل أنفسنا أو نحمل غيرنا على أمور صعبة قد تجعلهم يحاولون فييأسون لأنهم يرجعون إلى طبيعة الخطأ الذي جُبلوا عليه، وبالتالي فإن الحكمة هنا تقتضي أن ينظر الداعية إلى لسان حال هذا العاصي أو المذنب، ويرى الطريقة والأسلوب الأنجح من أجل وعظه وتذكيره بالله؛ لذلك لما مر أبو الدرداء -رضي الله عنه- على رجل قد أصاب ذنبًا وكانوا يسبّونه فقال: (أرأيتم لو وجدتموه في قليب ألم تكونوا مستخرجيه!)، قالوا: “بلى”، قال: (فلا تسبوا أخاكم واحمدوا الله الذي عافاكم)، قالوا: (أفلا تبغضه)، قال: (إنما أبغض عمله، فإذا تركه فهو أخي).
أترون أن الترهيب من العقاب قد يجعل الإنسان مستقيمًا في هذه الحياة؟
صحيح، ولكن ليس بالترهيب وحده، ويُستخدم حينما يكون الإنسان مقبلاً على معصية فيحتاج إلى الترهيب؛ لأن الترهيب هو الذي يردعه فهذه حالات يغلب فيها جانب الترهيب، وقد استخدم الله سبحانه وتعالى مع عباده عندما حذرهم وخوفهم من النار وجحيمها، ووصف لنا أهوال يوم القيامة، وأهوال الصراط، وذكر لنا صفات أهل النار وما يحدث معهم، كل هذا من شأنه أن يزجر العاصي عن المعصية تمامًا كما تقوم الدولة بوضع قانون للعقوبات لتردع الخارجين عن القانون وغير المنضبطين، وتحدد سنوات للحبس حسب نوع الجريمة، فكذلك أيضًا يحتاج الداعية بأن يُذكر الناس أن هناك موتًا، وأن هناك قبرًا وأن هناك قيامة، وأن هناك نارًا؛ حتى يتوبوا، ويعودوا إلى الله.
لماذا نجد أن أكثر الناس يفرحون بخطاب الترغيب أكثر مما يفرحون بخطاب الترهيب؟ وهل يعتمد الداعية الأسلوب الأول ليستقطب ويجذب قلوب الناس؟
لأن النفوس البشرية جُبلت على حب الحياة، والسعة، والراحة، ورغد العيش، والتمتع بالنعم، ولأن الله -سبحانه وتعالى- أيضًا يحب أن يُحَب، ويُحب من يُحبب عباده فيه، فعبادة الله من منطلق المحبة هي مرتبة راقية جدًا من مراتب العبادة، وغالبًا ما ينجذب الناس تجاه الداعية الذي يُبشر الناس، ويبعث في نفوسهم الأمل برحمة الله سبحانه وتعالى؛ لأن رحمة الله سبقت غضبه (ورحمتي سبقت غضبي) فبالتالي يجب أن يكون خطابنا الدعوي الترغيبي يسبق الخطاب الترهيبي لأنه الأقرب لقلوب الناس، وفي غالب الأحيان يكون له أثر كبير في عودة العاصين إلى رحاب الطاعة.
هل يختلف الترهيب والترغيب حسب حال المدعو؟
بكل تأكيد، وهذا من الحكمة التي يجب أن يتحلى بها الداعية، فليس من الحكمة أن يتحدث الداعية مع شخص أسرف على نفسه بالذنوب، ويئس من رحمة الله فيتكلم معه عن النار وجهنم، وعن العقاب؛ لأن هذا سيكون زيادة في نفوره، وبعده عن الجادة، وفي نفس الوقت فإن الحديث مع أحد العصاة المستكبرين والظالمين المصرين على معاصيهم يجب أن يكون فيه وعظ شديد له من عاقبة الاستكبار والظلم، فلكل مقام مقال.
لنسرد صور من حياة النبي صلى الله عليه وسلم وطريقته في الدعوة مرغبًا ومرهبًا.
النفس البشرية فيها إقبال وإدبار، ومن ثم كان المنهج التربوي الإسلامي يتعامل مع هذه النفس بكل هذه الاعتبارات، ومن ذلك الجمع بين الترغيب والترهيب، والرجاء والخوف.
عن أنس -رضي الله عنه- قال خطب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطبة ما سمعت مثلها قط قال: (لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا) قال: فغطى أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجوههم لهم خنين رواه البخاري ومسلمّ.
ومن أحاديث الرجاء والترغيب ما حدث به أبو ذر -رضي الله عنه- قال أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وعليه ثوب أبيض وهو نائم، ثم أتيته وقد استيقظ فقال: (ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة) قلت: وإن زنى
وإن سرق؟ قال: (وإن زنى وإن سرق) قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: (وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي ذر) وكان أبو ذر إذا حدث بهذا قال: وإن رغم أنف أبي ذر رواه البخاري ومسلمّ.
وعن هريرة -رضي الله عنه- قال كنا قعودًا حول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معنا أبو بكر وعمر في نفر فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من بين أظهرنا فأبطأ علينا وخشينا أن يقتطع دوننا، وفزعنا فقمنا فكنت أول من فزع، فخرجت أبتغي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى أتيت حائطًا للأنصار لبني النجار فدرت به هل أجد له بابًا فلم أجد، فإذا ربيع يدخل في جوف حائط من بئر خارجة -والربيع الجدول- فاحتفزت كما يحتفز الثعلب فدخلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: (أبو هريرة) فقلت: نعم يا رسول الله، قال: (ما شأنك) قلت: كنت بين أظهرنا فقمت فأبطأت علينا، فخشينا أن تقتطع دوننا، ففزعنا فكنت أول من فزع، فأتيت هذا الحائط فاحتفزت كما يحتفز الثعلب، وهؤلاء الناس ورائي، فقال: (يا أبا هريرة) -وأعطاني نعليه- قال: (اذهب بنعلي هاتين فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنًا بها قلبه فبشره بالجنة) الحديث. رواه مسلم
ومن ترغيب النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة في الجهاد أنه وقف يوم بدر فقال: يا أيها الناس! قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض، والله ما بينكم وبين أن تلقوا ربكم إلا أن تقتلوا هؤلاء، أو يقتلكم هؤلاء، فقال عمير بن الحمام: بخٍ بخٍ، إنها لحياة طويلة إذا بقيت إلى أن آكل هذه التمرات، ثم رمى بها، ثم أخذ سيفه وخلع درعه من عليه، وقاتل حتى قُتِلَ.
في الختام هل هناك من نصائح محددة إلى الدعاة والخطباء والأئمة والوعاظ والمرشدين؟
لا أجد نفسي أهلاً لتوجيه الإرشادات فأنا بحاجة لمن يوجه لي النصح والإرشاد، ولكن من باب التواصي بالحق فإنني أوصي إخواني الدعاة أن يُخلصوا لله -سبحانه وتعالى- في دعوتهم إلى الله، وأن علينا أن نتعامل مع العاصي على أنه غريق في بحر الذنوب ويحتاج لمن يمسك بيده وينقذه، وأننا جميعًا نذنب لكن الله سترنا وجمّل صورتنا نحن الدعاة في وجوه الناس، ولذلك ينبغي أن يكون لدينا تواضع، وهذا التواضع يحمل الإنسان على أن يطلب التصحيح، ويطلب المزيد، والله سبحانه وتعالى علم نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يقول، (وقل ربي زدني علمًا).
والحمد لله رب العالمين.