محمد خير رمضان يوسف.
1434 ه
مقدمة:
الحمدُ لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابهِ أجمعين، وبعد:
فإن عنوانَ هذا الكتاب مستوحًى من قول رسول الله: (عَمِلَ هذا يَسيرًا وأُجِرَ كثيرًا).
وذلك عندما أتاهُ رجلٌ من الأنصار، وتشهَّد شهادةَ الحقّ، ثم تقدَّم، فقاتل حتى قُتل، كما رواه مسلم في باب “ثبوت الجنةِ للشهيد”.
وهذه مجموعةٌ مختارة من الأحاديث الصحيحة، عليها شروحٌ وتعليقات موجزة، أوردتُها من مظانها من كتب شروح الأحاديث، وكان منهج الاختيار هو ما ذُكر فيه من الأجر الكثير على العمل القليل، دون ما ورد من مكفِّرات الذنوب والخطايا، التي صُنِّفت فيها كتبٌ أخرى.
وستمرُّ بالقارئ أحاديثُ يَعجَبُ من كثرة ما ورد فيها من الثوابِ العظيم، على أعمالٍ أو أذكار قليلة، يقومُ بها أو يقولها المرء.
لكنَّ رحمة الله أوسع، فهو الكريم الرحيم الذي يُعطي على غير ميزانِ العباد، وهو سبحانه يرغِّبنا في الجنة، ويدلنا على أقصرِ الطرق المؤدية إليها.
وفي حديثٍ صحيح رواهُ الإمامُ أحمد في مسنده قولهُ: (من قرأ قلْ هوَ اللهُ أحدٌ حتى يختمها عشرَ مرات، بنَى الله له قصرًا في الجنة). فقال عمر بنُ الخطاب: إذًا أستكثرُ يا رسولَ الله، فقال رسول الله: (الله أكثرُ وأطيب).
وفي حديث آخرَ حسنٍ صحيح رواه الترمذي عن عبادة بن الصامت مرفوعًا قوله: (ما على الأرضِ مسلمٌ يَدعو الله بدعوةٍ إلا آتاهُ الله إيّاها، أو صَرفَ عنه من السوءِ مثلَها، ما لم يَدْعُ بإثمٍ أو قطيعةِ رَحِم). فقال رجل: إذًا نُكثر، قال: (الله أكثر).
ولكن لا تنسَ أن “سلعة الله غالية”. فهي بحاجة إلى حسناتٍ كثيرة حتى تحظى بها.
وهذه الحسناتُ يضاعفها لك الله عزَّ وجل، ويبينُ لك رسوله كيف تحصلُ عليها أو تجمعها.
العبادات:
عن عقبة بن عامر قال:
كانت علينا رعايةُ الإبل، فجاءت نوبتي، فروَّحتُها بعشيٍّ، فأدركتُ رسولَ الله قائمًا يحدِّث الناس، فأدركتُ من قوله:
(ما من مسلم يتوضَّأ، فيُحسنُ وضوءَه، ثم يقوم، فيصلي ركعتين، مقبلٌ عليهما بقلبه ووجهه، إلا وجبتْ له الجنة).
قال: فقلتُ: ما أجودَ هذه!
فإذا قائلٌ بين يديَّ يقول: التي قبلها أجود!
فنظرتُ فإذا عمر! قال: إني قد رأيتكَ جئتَ آنفًا، قال:
(ما منكم من أحدٍ يتوضأ، فيُبلغ، أو فيُسبغ الوضوء، ثم يقول: أشهدُ أنْ لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبدُ الله ورسولُه، إلا فُتحتْ له أبوابُ الجنةِ الثمانيةُ، يدخلُ من أيِّها شاء).
المساجد:
عن عبيد الله الخولاني، أنه سمع عثمان بنَ عفان رضي الله عنه يقول عند قول الناس فيه حين بنى مسجد الرسول: إنكم أكثرتم، وإني سمعتُ النبي يقول: (مَن بنَى مسجدًا) -قال بُكير: حسبتُ أنه قال: يبتغي به وجهَ الله- بنَى الله له مثلَهُ في الجنة)
ومعنى (بنَى الله له مثله في الجنة): يحتملُ مثلهُ في القدر والمساحة، ولكنه أنفسُ منه بزياداتٍ كثيرة، ويحتمل: مثلهُ في مسمَّى البيت، وإن كان أكبرَ مساحةً وأشرف
الذِّكر والدُّعاء:
عن ابن عباس، عن جويرية، أن النبي خرجَ من عندها بُكْرَةً حين صلَّى الصبحَ وهي في مسجدها، ثم رجعَ بعد أن أضحَى وهي جالسة، فقال: (ما زلتِ على الحالِ التي فارقتُكِ عليها() قالت: نعم، قال النبي: (لقد قلتُ بعدكِ أربعَ كلماتٍ، ثلاثَ مراتٍ، لو وُزِنَتْ بما قلتِ منذ اليوم لَوَزَنَتْهُنَّ: سبحانَ الله وبحمده، عددَ خَلْقه، ورِضا نَفْسه، وزِنَةَ عَرْشه، ومِدادَ كلماتهِ). وفي رواية: “سبحانَ الله عددَ خلقه، سبحانَ الله رضا نفسه، سبحانَ الله زنةَ عرشه، سبحانَ الله مدادَ كلماته).
الصدقات والنفقات:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (مَن تصدَّق بِعَدْلِ تمرةٍ من كسبٍ طيِّبٍ -ولا يقبلُ الله إلا الطيِّبَ- وإن الله يَتَقَبَّلها بيمينه، ثم يربِّيها لصاحبهِ كما يربِّي أحدُكم فَلُوَّهُ حتى تكونَ مثل الجبل).
بعدلِ تمرة: أي بمثلها، أو بقيمتها.
يربِّيها: التربية كنايةٌ عن الزيادة، أي يزيدها ويعظمها حتى تثقلَ في الميزان.
الفَلُوُّ: المُهر يُفصَل عن أمِّه.
مثل الجبل، أي في الثقل، وهذا تمثيلٌ لزيادة التفهيم.
الجهاد:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (مَن آمنَ بالله وبرسوله، وأقامَ الصلاة، وصامَ رمضان، كان حقًّا على الله أن يُدخلَهُ الجنة، جاهدَ في سبيلِ الله، أو جلسَ في أرضهِ التي وُلد فيها).
فقالوا: يا رسولَ الله، أفلا نبشِّرُ الناس(! قال: (إنَّ في الجنةِ مائةَ درجةٍ أعدَّها الله للمجاهدينَ في سبيلِ الله، ما بين الدرجتينِ كما بين السماءِ والأرض، فإذا سألتمُ الله فاسألوهُ الفردوس، فإنهُ أوسطُ الجنةِ وأعلَى الجنة، أراه قال: وفوقَهُ عرشُ الرحمن، ومنه تَفَجَّرُ أنهارُ الجنة).
(جلسَ في بيته): فيه تأنيسٌ لمن حُرِمَ الجهادَ وأنه ليس محرومًا من الأجر، بل له من الإيمانِ والتزامِ الفرائضِ ما يوصلهُ إلى الجنة، وإن قصرَ عن درجةِ المجاهدين.
واستنتجَ ابنُ حجر من ظاهرِ الحديثِ أن المراد: لا تبشِّر الناسِ بما ذكرتهُ من دخولِ الجنةِ لمن آمنَ وعملَ الأعمالَ المفروضةَ عليه، فيقفوا عند ذلك ولا يتجاوزوهُ إلى ما هو أفضلُ منه من الدرجاتِ التي تحصلُ بالجهاد.
و”الأوسط”: الأعدلُ والأفضل. وفي الحديثِ إشارةٌ إلى أن درجةَ المجاهدِ قد ينالها غيرُ المجاهد، إما بالنيةِ الخالصة، أو بما يوازيهِ من الأعمالِ الصالحة، لأنه أمرَ الجميعَ بالدعاءِ بالفردوسِ بعد أن أعلمهم أنه أعدَّ للمجاهدين.
المعاملات والأخلاق:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (مَن نَفَّسَ عن مؤمنٍ كُرْبَةً من كُرَبِ الدنيا، نَفَّسَ الله عنه كُربةً من كُرَبِ يومِ القيامة، ومَن يَسَّرَ على معسرٍ، يَسَّرَ الله عليه في الدنيا والآخرة، ومَن سترَ مسلمًا، سترَهُ الله في الدنيا والآخرة، والله في عونِ العبدِ ما كان العبدُ في عونِ أخيه، ومَن سلكَ طريقًا يلتمسُ فيه علمًا، سَهَّلَ الله له به طريقًا إلى الجنة، وما اجتمعَ قومٌ في بيتٍ من بيوتِ الله يتلونَ كتابَ الله ويتدارسونَهُ بينهم، إلا نزلتْ عليهم السكينة، وغَشِيَتهم الرحمة، وحفَّتهم الملائكة، وذكَرهم الله فيمن عنده، ومن بطَّأ به عملُه، لم يُسرعْ به نسبه).
قال الإمام النووي رحمه الله: وهو حديثٌ عظيم، جامعٌ لأنواعٍ من العلومِ والقواعدِ والآداب.
ومعنى نَفَّس الكربة: أزالها، وفيه فضلُ قضاءِ حوائجِ المسلمين ونفعهم بما تيسَّر من علم، أو مال، أو معاونة، أو إشارةٍ بمصلحة، أو نصيحة، وغيرِ ذلك.
وفضلُ المشي في طلبِ العلم، ويلزمُ من ذلك الاشتغالُ بالعلمِ الشرعي، بشرطِ أن يقصدَ به وجهَ الله تعالى، وإنْ كان هذا شرطًا في كلِّ عبادة، لكنَّ عادةَ العلماء يقيِّدونَ هذه المسألةَ به لكونهِ قد يتساهلُ فيه بعضُ الناس، ويغفلُ عنه بعضُ المبتدئين ونحوهم.
قوله: (وما اجتمعَ قومٌ في بيتٍ من بيوتِ الله) يُلحَقُ بالمسجدِ في تحصيلِ هذه الفضيلةِ الاجتماعُ في مدرسةٍ ورِباطٍ ونحوهما إن شاء الله تعالى. ويكونُ التقييدُ في الحديثِ خرجَ مخرجَ الغالب، لا سيَّما في ذلك الزمان.
(مَن بطَّأ به عملهُ لم يُسرعْ به نسبه) معناه: من كان عملهُ ناقصًا لم يُلحقهُ بمرتبةِ أصحابِ الأعمال، فينبغي أن لا يتَّكلَ على شرفِ النسبِ وفضيلةِ الآباءِ ويقصرَ في العمل