د. جاسم المطوع.
كثيرًا ما نشتكي بأننا لا نفهم تصرفات أبنائنا أو أن أبناءنا لا يسمعون كلامنا، بينما الحقيقة أن هناك اختلاف بيننا وبين أبنائنا في رؤية الأشياء والمفاهيم، ونحن نظن بأننا عندما نوجه أبناءنا؛ فإنهم فهموا ما نقصده ونعنيه، وحتى أوضح الفكرة أكثر سأضرب عشرة أمثلة نختلف فيها مع أبنائنا ونعتقد بأنهم يتعمدون مخالفتنا وننزل العقوبة عليهم، بينما هم لا يقصدون مخالفتنا ولكن فهمهم يختلف عن فهمنا، فالمثال الأول اختلافنا معهم في مفهوم (الزمن)، فنحن الزمن عندنا يقاس بالساعة من خلال الدقائق والثواني، بينما هم يقاس عندهم باللعب والترفيه، ولهذا هم لا يحسبون للزمن حساب طالما أنهم سعداء باللعب، وهذا يفسر عدم التزامهم بما نطلب منهم أو تأخيرهم للصلاة؛ لأن الأولوية عندهم اللعب والترفيه.
والمثال الثاني (المكان) فنحن نحرص على أن يكون الأثاث والأغراض في الأماكن مرتبة ومنظمة حتى نستفيد منها ونوظفها، بينما هم الأصل عندهم تحريك الأثاث والأدوات حتى يكتشفوا ما بداخلها أو ما ورائها، فعندهم التفكيك أولا ثم التوظيف وخاصةً الأطفال في مرحلة الاستكشاف من الصغر وحتى عمر تسع سنوات.
والمثال الثالث (الاستماع الانتقائي) فنحن نستمع لمن يتحدث إلينا سواء كان كلامه يعجبنا أم لا، بينما هم ينتقون ما يريدون سماعه وخاصة بعد عمر الخمس سنوات، فلو طلبت منه طلبات لا يريدها فهو يلهي نفسه بشيءٍ حتى لا يستجيب لطلبك.
والمثال الرابع في مفهوم (الصبر) فنحن لدينا صبر كبير وطويل؛ لأننا ننظر إلى نتائج الصبر المستقبلية، بينما هم يلحون كثيرًا وصبرهم قليل؛ لأن مفهموم الصبر عندهم مختلف.
والمثال الخامس (اللعب) فنحن عندنا اللعب إما منفرد أو جماعي بينما هم عندهم اللعب ينقسم لأربعة أقسام؛ فقد يكون فرديًا أو جماعيًا أو تعاونيًا أو متفرجًا.
والمثال السادس في (التواصل البصري) فنحن لو كنا نستمع إليهم من غير أن نتواصل معهم بصريًا نفهم أننا متواصلون معهم، بينما هم يرون أنه من غير تواصلنا معهم بصريًا؛ فإننا لا نهتم بكلامهم أو بهم.
والمثال السابع (لغة الجسد) فنحن نعبر بالكلام أكثر من الجسد عندما نتحدث معهم، بينما هم يعبرون بأجسادهم أكثر من كلامهم فنعتقد بأنهم لا يعبرون ما في داخلهم.
والمثال الثامن (الصديق الوهمي) فنحن عندما نرى أطفالنا يتخيلون صديقًا معهم في اللعب أو إذا دخلوا الحمام يتحدثون مع أنفسهم؛ فإننا نفهم أن فيهم شيئًا أو أنهم يرتكبون وهذا خطأ، بينما هم يستمتعون بإطلاق خيالهم بصديق وهمي يتحدثون ويلعبون معه.
والمثال التاسع (الإحراج الاجتماعي) فنحن أحيانًا نضحك على تسريحة شعر ابننا أو ألوان لباسه بنية أن ضحكنا هذا سيعلمه خطأه بينما هو يفهمها إهانة وإحراج له.
والمثال العاشر (اللعب بالأعضاء التناسلية) فنحن نفهمها بأنه تصرف خاطئ وقد نكبر الموضوع فنتخيل بأنه قد يكون رأى صور أو فيلم إباحي أو قد يكون تعرض لتحرش جنسي، بينما قد يكون لديه حكة أو عنده حرارة في مكان الأعضاء التناسلية أو أنه رأى توترنا عندما يلعب بأعضائه فأحب أن يوترنا أكثر حتى يلفت اهتمامنا له.
بعد ذكر هذه المفاهيم العشرة والتي نختلف نحن في طريقة فهمها عن أبنائنا ينبغي أن نطرح سؤالاً مهمًا وهو، ما الحل حتى لا يستمر عدم فهمنا لأبنائنا وبالتالي نخسر علاقتنا الوالدية معهم؟ والجواب على هذا السؤال يكمن في خطوتين:
الأولى المعرفة. والثاني الحوار والتوضيح.
فأما الأول فنقصد بالمعرفة أن يعرف المربين والوالدين الفرق بالفهم بين طريقة الكبار في تفسير الأحداث وطريقة الصغار في التفسير، مثل الاختلاف في النظر للزمن أو لغة الجسد وغيرها.
والثاني: أننا نوضح ونحاور أبناءنا بالفرق بين النظرتَين فنقول له: إن الزمن لا بد أن يحدد بالساعات والدقائق وليس بالترفيه؛ لأن الإنسان عنده واجبات ومسؤوليات لا بد أن يلتزم بها فضبط الوقت مهم للإنجاز، بمثل هذا الحوار لأكثر من مرة مع الأبناء تتضح عندهم المفاهيم ولا يكون بيننا وبينهم اختلاف؛ فالغضب والعصبية لا يعالج الخلاف في مثل هذه المواقف وإنما الحوار والتفاهم هو الأساس لعلاقة والدية مميزة وناجحة.