أهمية التدبر في القرآن العظيم 2

كيف نتدبر القرآن العظيم:
( إن الله ليرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضع به آخرين ) ” مسلم عن عمر رضي الله عنه “.

لا يشك شاك، ولا يتنازع اثنان أن رفعة السلف الصالح كانت مصداقًا للشق الأول من هذا الحديث وبسبب التصاقهم بالقرآن الكريم فهمًا وتطبيقًا وحسن تدبر رفَعهم الله  سبحانه.
ولا يشك شاك، ولا يتنازع اثنان أن سبب الذلة التي نعانيها اليوم هو مصداق للشق الثاني للحديث حيث ابتعدنا عن القرآن الكريم فهمًا وتطبيقًا وتدبرًا فأذلنا الله سبحانه؛ لذلك كان لزامًا علينا إن كنا نريد لأمتنا أن تستعيد مجدها وشهودها الحضاري أن نعيد تنظيم علاقتنا مع القرآن الكريم وفق المنهج الذي ارتضاه الله لنا.
وهذا المنهج يكمن في قوله تعالى: (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) محمد، ويكمن أيضًا في علاقة الرسول الكريم مع القرآن؛ فقد كان عليه السلام قرآنًا يمشي  على الأرض، والصحابة رضوان الله عليهم كانوا لا يتعلمون الآية حتى ينتهوا من الآية التي سبقتها فهمًا وتدبرًا؛ فانعكس ذلك على سلوكهم وحياتهم فلذلك رفعهم الله، وسار التابعون على ذلك فارتقوا وارتفعوا وجعلهم الله سادة للأمم بعد أن كانوا رعاة للغنم.
ثم خلف من بعدهم خلف وجاءت أقوام جعلت العلاقة بينها وبين القرآن على غير التي كانت عليه فأوكلوا للمسلم حفظ القرآن الكريم، وانتشرت مسابقات الحفظ  ومباريات الذاكرة واختلت المفاهيم؛ فصارت المقدمة الاجتماعية للحافظ وإن كان لا يعلم من القرآن إلا رسمه ونطقه وليس هذا تقليلاً من شأن الحفظ لكن يجب ألا يكون هو الهدف بحد ذاته، وتنحت فكرة التدبر للقرآن جانبًا لأسباب مختلفة وتنحى  بعدها الاهتمام بالدين شيئًا فشيئًا.
حتى نعيد علاقتنا مع القرآن الكريم لا بد من التدبر والتدبر هو المفتاح؛ لأنه يعني الاهتمام، والمسلم اليوم لا ينقصه شيء مثل ما ينقصه الاهتمام بدينه وقرآنه.
فكيف نتدبر القرآن:
لا بد أن تكون هناك خطوات عملية  من أجل أن نصل إلى العتبة الدنيا التي نفهم بها عن رب العالمين سبحانه وهذه بعون الله بعض النقاط:
1- الاهتمام باللغة العربية: فالقرآن الكريم نزل باللغة العربية، بل يمكن أن نقول إن اللغة العربية هي الوعاء الذي اختاره الله لتستوعب القرآن الكريم (إنا أنزلناه قرآنًا عربيًا لعلكم تعقلون) يوسف، (وكذلك أنزلناه حكمًا عربيًا) الرعد، (وكذلك أنزلناه قرآنًا عربيًا….) طه، ولقد كان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه يقول “العربية من الدين”؛ فلذلك أول خطوة في طريق تصحيح علاقتنا مع القرآن الكريم هو بعض الاهتمام بهذه اللغة، ومن يريد أن يتعامل مع القرآن الكريم فلا بد أن يتجاوب مع لغته.
2- كثرة التساؤلات في القرآن: قالوا قديمًا العلم خزائن ومفتاحه السؤال وأي علم أوسع وأغزر من القرآن الكريم فإضفاء التساؤلات المختلفة على القرآن الكريم يعطينا فهمًا أوسع للقرآن وامتدادًا زمانيًا ومكانيًا له، فمثلاً لماذا جاءت هذه السورة قبل تلك، ولماذا قدمت الجملة هذه على تلك، وإن هذه التساؤلات وغيرها تجعل القرآن الكريم يفتح لنا أسراره الكامنة وتجعلنا نستنطق كثيرًا من الآيات لم تستنطق بعد.
3- العمل تحت قول المفسرين العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب: وهي قاعدة مهمة حيث إن ما كان سببًا في نزول بعض آيات القرآن الكريم لا يقتصر على الحادثة فقط، إنما تقاس عليها كل الحوادث المشابهة؛ فأسباب النزول هي وسائل إيضاحية وليست  وعاءً حصريًا؛ فما نزل في الوليد بن المغيرة يقاس عليه كل من يتصف بصفاته، وما نزل بأبي لهب يقاس عليه كل من يتصف بالصفات ذاتها.
4- الاهتمام بالصحيح من تفسير القرآن الكريم: ذلك أن النبي عليه السلام هو الناقل عن الله وهو المبين للقرآن الكريم.
5- عدم أسر أنفسنا بالإسرائيليات التي وردت في التفاسير السابقة؛ لأنها تشكل عقبة في فهم القرآن وتخرجنا عن مقاصده العامة بالإضافة إلى المخالفات الشرعية الموجودة فيها.
إن إعادة صياغة علاقتنا مع القرآن الكريم هي مسؤولية الجميع وعلى رأسها المؤسسات التعليمية والثقافية، وعلى رأس كل ذلك يأتي البيت المسلم، فيا ربنا أعنا على تلاوة قرآنك، واجعل هذه التلاوة محفوفة بالتدبر والفهم والتطبيق، واجعل القرآن شاهدًا لنا ولا تجعله شاهدًا علينا، آمين.

المصدر: صيد الفوائد.

Scroll to Top