محمد محمود عبد الخالق.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
لقد حثنا الإسلام على الزواج وجعله عبادة يتقرب المسلم بها إلى ربه، بل إنه جعل قضاء الوطر في ظله قربى يؤجر المرء عليها ففي الحديث: (من أراد أن يلقى الله طاهرًا مطهرًا فليتزوج الحرائر)، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه ويجب أن نتريث في الإجابة عليه هو من التي يتزوجها المسلم؟ فالغاية من الزواج ليست إيجاد أجيال تحسن الأكل والشرب والمتاع، وإنما الغاية إيجاد أجيال تحقق رسالة الوجود، ويتعاون الأبوان فيها على تربية ذرية سليمة الفكر والقلب شريفة السلوك والغاية؛ ولذا فإن المسلم مطالب بأن يختار زوجة صالحة تعرف ربها وتطيعه في السر والعلانية حتى تكون الأسرة سعيدة موصولة بربها تعرف حقه وتؤديه وتعرف حقوق العباد وتؤديها.
إننا نريد من الزواج ذرية صالحة تركع وتسجد وتسبح وتمجد ربها فهذا سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول: “إني لأكره نفسي على الجماع محبة أن تخرج نسمة تسبح الله” فهو لا يريد أولادًا من أجل التفاخر والتكاثر وإنما يريدوا أولادًا يركعون ويسجدون لله سبحانه وتعالى، وانظر إلى دعاء عباد الرحمن عندما يختارون أزواجهم ويؤسسون بيوتهم (ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إمامًا)، ولكن للأسف في هذه الأيام نجد الآباء لا هم لهم إلا السعي وراء الأموال وتدبير أمر المعيشة، ويتركون من جراء ذلك أبناءهم دون تربية أو رعاية فينشأ الأبناء على غير طاعة الله، فيخسر الآباء والأبناء على حد سواء، ومن أجل ذلك نجد المولى تبارك وتعالى ينادي على المؤمنين بأن يقوا أنفسهم وأهليهم نار جهنم فيقول (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهلبكم نارًا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) وهذا لن يكون إلا بالتزام الآباء بمنهج الله وتربية الأبناء على ذلك.
ولأهمية اختيار الزوجة نجد عثمان بن أبي العاص التقي يوصي أولاده في اختيار النطف وتجنب عرق السوء فيقول لهم: “يا بنيّ الناكح مغترس، زارع، فلينظر امرؤ حيث يضع غرسه والعرق السوء قلما ينجب فتخيروا ولو بعد حين”، وهذا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يجيب أحد أبنائه لما سأله: ما حق الولد على أبيه؟ فيقول له: “أن ينتقي أمه ويحسن اسمه ويعلمه القرآن”، وفي الحديث الذي روته السيدة عائشة مرفوعًا: (تخيروا لنطفكم وانكحوا الأكفاء)، ومن أعجب ما قرأته في اختيار الزوجة الصالحة ما ذكرته منظمة الصحة العالمية التي أرشدت طالبي الزواج أن يختاروا زوجات ترعرعن في بيئة صالحة وتناسلن من نطفة انحدرت عن أصل كريم!! فسبحان الله لقد سبق الإسلام هؤلاء بأربعة عشر قرنًا ولكن هل ينتبه المسلمون إلى ذلك؟! لتعلم أخي المسلم الكريم أنك لن تنسل أولادًا أنقياء أتقياء لله -سبحانه وتعالى- حين تتزوج من ضائعات تافهات لم ينشأن في بيئة صالحة نقية.
إن المسلم حين يختار زوجة صالحة فتنجب أولادًا يربيهم على طاعة الله -سبحانه وتعالى- تكون الأسرة سعيدة، وإذا كانت الأسرة سعيدة؛ فإنها تستطيع أن تسير في الدعوة إلى الله التي أمرنا أن نقوم بها، وجعلت هدفًا من أهداف حياتنا فما وصل الدين إلينا إلا بالدعوة إلى الله، ولو أن كل مسلم ممن دخل الإسلام لم يدعو غيره لما وصل الدين إلينا ولن يصل الدين إلى من بعدنا إلا إذا سلكنا الطريق نفسه طريق الدعوة إلى الله تبارك وتعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، ولعل السر في الربط بين الأسرة السعيدة والدعوة إلى الله هو أن الأسرة أو البيت المفكك أواصره والمبني على غير طاعة الله من أول الأمر لن يستطيع أن يدعو إلى الله ولن يقدر على السير في هذا الطريق.
وأخيرًا: فإننا ندعو المسلمين إلى إقامة الأسرة السعيدة التي تسعى إلى إرضاء الله تبارك وتعالى، وتحقق مراده في الأرض، وتنشر الخير بين الناس أجمعين، أسرة ذات أخلاق سامية، ومبادئ رفيعة، ومثل وقيم تسير بها بين الناس، وهذا هو ما نتمناه ونرجو تحقيقه.
المصدر: صيد الفوائد.