أميمة الجابر.
كم تحب كل أم أولادها، وكم تبذل لسعادتهم وتخلص وتجاهد كي تنجح في تربيتهم، تقدم زهرة شبابها وتفني صحتها كي ترى ثمارها التي ضحت من أجلها مزدهرة، وكذا كل أب لا يبخل بكل ما يستطيع كي يوفر لأبنائه كل متطلباتهم محبًا لعطائه لهم.
لكن مع كل ذلك تختلف طريقة تعامل كل أم عن الأخرى مع أبنائها، ويختلف تعامل كل أب عن الآخر معهم، فأب وأم يتحدثان بهدوء ويختاران طرقًا ناجحة في التعامل مع أولادهم، ساعيان للمحافظة على علاقتهم بأبنائهم، آخرون يضربون بالكلمات اللاذعة يظنون أنها لا تؤثر في أولادهم رغم أن هذه الكلمات قد تكون أقوى عليهم من السياط، تهدم ولا تبني.
نعم قد يصدر من الأبناء بعض المشاغبات أو الاتلافات، وهنا تظهر عصبية الأب والأم ويُحدِثا خطأ لا يباليان به عن غير قصد، هذا الخطأ هو الدعاء على هذا الابن الذي أتلف أو كسر شيئًا بالبيت، أو شاغب، أو عاند، يدعون عليه وهم جاهلون بما يقولون وبماذا سيكون بعد هذا الدعاء!
كلامي ههنا حول هذا الدعاء الصادر عن الغضب واللامبالاة بنصائح الشرع الحنيف، فقد نها النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الدعاء على الأبناء والأنفس والأموال فقال: (لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعةً يُسألُ فيها عطاء فيَستجيب لكم) “رواه مسلم”، فالنهي هنا خشية أن يوافق هذا الدعاء ساعة إجابة.
وهذه قصة رجل عابد كان زاهدًا للحياة، كان معروفًا بعفته وعدم التفاته للفتن، وعندما كان يتعبد في صومعته جاءته أمه فنادت عليه وكان خاشعًا في صلاته فقال: “يا رب أمي وصلاتي” فأقبل على صلاته، فانصرفت أمه، وفي الغد فعلت هذا، ثم جاءت للمرة الثالثة، ثلاث مرات المرة بعد المرة وهو يقول أمي وصلاتي، وفي المرة الثالثة غضبت فدعت عليه فقالت : “اللهم لا تمته حتى ينظر إلى وجوه البغايا” فهذه القصة رويت في حديثه الشريف وقد قال صلى الله عليه وسلم عنها: (لو دعت عليه بالفتنة لفُتِن)، وقد قال -صلى الله عليه وسلم- ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: (دعوة الوالد، ودعوة المسافر، ودعوة المظلوم) “الترمذي”.
إنه لمن الطبيعي أن يخطئ الابن حتى لو كان كبيرًا، فكيف يتعلم الحياة إن لم يخطئ ويصيب(! لكن ليس من الطبيعي أن يقابل برد فعل قاسٍ من الأبوين، فهذه العقوبة -الدعاء عليه- من أقسى العقوبات من الآباء لو كانوا يعقلون.
يعلل الكثير من الآباء والأمهات أنهما يدعون باللسان فقط، تقول الأم فأنا لا أتمنى قبول هذا الدعاء، إذن فلماذا تندفع كل أم تجاه ابنها تقدمه ثمنًا عندما تدعو عليه في ثورتها وغضبها وعندما يتحقق الدعاء تندم في وقت لا ينفع الندم(!
اعتبر البعض هذا التصرف من الآباء خللاً في الثقافة الشخصية في التعامل مع الأبناء، وضعفًا في العلم، وغفلة عن المآلات الصائبة، واستنكر البعض هذا التصرف كونه سلوك تربى عليه الأبوان أو اكتسباه ممن حولهما فردده لسانهما وتعودا عليه! بعض الآباء يعتبرون الدعاء على الابن شيئًا من التنفيس! لكن مهما كانت الضغوط على الأم وما تعانيه، أو تحديات الأب التي يواجهها فلا يبرر لهما أن يعاقبوه بالدعاء عليه.
إن شيئًا ثقيلاً من القسوة والغلظة وقلة الصبر، وعدم ضبط النفس ليبدو من هذا السلوك غير المسؤول من الآباء والأمهات، ناهيك عن تعبيرات الدعاء المختلفة غير اللائقة.
فقد يدعو الأب أو الأم على ابنهما وهما لا يعلمان أن هذا الدعاء ربما يكون سببًا في إفساده، فقد جاء رجل لعبد الله بن المبارك يشكو إليه عقوق ولده فسأله ابن المبارك: أدعوت عليه؟ فقال: نعم، فقال: اذهب فقد أفسدته، فإن الدعاء على الأبناء لم يزيدهم إلا فسادًا وعنادًا وعقوقًا؛ فلا داعٍ للتسرع بالدعاء على الأولاد فإن أول من يشتكي عقوقهم هو من يدعو عليهم.
وقد لا ينتبه الأبوان أن الدعاء على ولدهما قد يكون سببًا في جفاء الولد لهما فيكون النتيجة فقد الوالد بر ولده،إضافةً إلى أن الدعاء على الأبناء قد يكون سببًا في شقائهم؛ لأنه قد صادف ساعة إجابة فيستجيب الله للوالد دعاءه ، فيشقى به الولد طوال عمره.
إننا أمام أكثر الطرق السلبية والخاطئة في التربية عند الخطأ، والواجب على الوالدين عند ثورتهما من الأبناء البحث عن طرق أخرى فيها شيء من العقلانية لمعاقبة ومعاتبة الأبناء، ولا بد من اتباعهم الأساليب التربوية الصحيحة، والبعد عن هذا الأسلوب الخاطئ لما له من أثر سيء سلبي يحصده الأبناء والآباء، وبدلاً من الدعاء عليه، الدعاء له بالهداية وبالصلاح.
المصدر: موقع المسلم.