شيماء نعمان.
ربما واجهنا أنفسنا يومًا بهذا السؤال، هل حقًا نشعر بالسعادة؟ هل حاولنا أن نوجه هذا السؤال لمن حولنا؟ أو حتى نستشعر الإجابة دون توجيه السؤال؟ هل سعينا لنعرف للسعادة مفهومًا بعيدًا عن نظريات علم النفس والفلسفة؟ هل يمكن للمرء أن يكون سعيدًا في الدنيا والآخرة؟
تطاردنا الكثير من التساؤلات حول شعور السعادة؛ ولكن الواقع يثبت أن مفتاح السعادة يكمن في قلب المرء؛ فالقلب المؤمن قوي العزيمة لا تفت فيه الهموم ولا المحن بل تجليه ليصير أكثر بهاءً ونقاءً، يقول تعالى في سورة طه: (مَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى) (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) (قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا، قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى). (123-126).
وإذا كانت السعادة في مفهومها مناقضة لمعنى الشقاء؛ فإن الوصول إلى السعادة أمر ليس صعبًا كما يتوهم البعض؛ فإن رغبت النفس البشرية في معرفة ما يسعدها وما يشقيها لعلمت أن السعادة رزق وأن الذنوب والمعاصي تمنع الرزق فكان على المسلم العاقل أن ينجو بنفسه من براثن الهم والحزن وقلة الرزق وأن يبحث في مكنون ذاته عن مواطن القوة في شخصيته وأن يزكي من إيجابياته.
إن الله لم يخلقنا في الحياة لنشقى في دنيانا، فقد قال تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (ما أنزلنا عليك الكتاب لتشقى)، وقال في سورة النحل: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (97).
لقد اعترف عالم النفس والاجتماع البريطاني “مايكل أرجايل” أنه من خلال أبحاثه اكتشف أن “التدين مصدر أكيد للسعادة”؛ وهو محق في ذلك؛ لأن الشعور الإيجابي بالانبساط والفرح ليس إلا هبة من الله لعباده الطائعين لا فرق في ذلك بين ذكر وأنثى وبين غني وفقير، وهو ما أكده ابن القيم كما في “الوابل الصيب” حيث قال: “سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: إن في الدنيا جنةً، مَن لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة” وقال لي مرة: “ما يصنع أعدائي بي؟ إن جنتي وبستاني في صدري أينما رحت، فهي معي لا تفارقني”.
تلك هي سعادة الرضا والإيمان بالله، فماذا يضير المرء إذا كان مالك الدنيا والآخرة هو ربه ووليه؟! بالرغم من ذلك يغفل الناس عن فتح باب السعادة واهمين أنه بعيد عن أيديهم رغم أنه أقرب إليهم من حبل الوريد.
وصفة للسعادة:
ليكن الهدف الأول في حياتنا هو العمل على طاعة الله ورضوانه. وكذلك تدريب أنفسنا على معالجة أمورنا بنظرة إيجابية وأن نكون أنفسنا لا غيرنا وألا نتظاهر بما ليس فينا لنيل إعجاب الآخرين لما يسببه ذلك من كبت وألم نفسي؛ فقد ذكر أرجايل في كتابه “سيكولوجية السعادة” أن “السعداء عمومًا هم من يميلون إلى النظر إلى الجوانب المشرقة من الأمور… وأن هناك من الناس من يميل أن يكون سعيدًا دائمًا .. رغم اختلاف الحالة المزاجية مع اختلاف الأحداث والظروف”. أي أن الشعور بالمعاناة يبدأ من داخل النفس فإما أن يتفاعل الشخص مع الألم بشكل إيجابي فيخفف من معاناته وأوجاعه وإما أن يستسلم بصورة سلبية ويلقي بنفسه في أتون الإحباط والاكتئاب.
ليس هذا فحسب، بل إن الرضا بالقدر والرزق يخلص الإنسان من شعوره بالسخط والحزن والألم وهم من أشد المشاعر إيلامًا للنفس، فقد ورد في الحديث الشريف أنه (من سعادة ابن آدم رضاه بما قضى الله، ومن شقاوة ابن آدم سخطه بما قضى الله) “أخرجه الترمذي”.
ولا يمكن أن نغفل عن المتع الحياتية التي أحلها الله لعباده من الرزق الحلال؛ ففي الأثر: “أربع من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهنيء، وأربع من الشقاوة: الجار السوء، والمرأة السوء، والمسكن الضيق والمركب السوء”.
أيضًا يمكن للمرء أن ينمي مهاراته الشخصية بالتدريب الذاتي أو تعلم خبرات جديدة، فقوة دفع الذات إلى العمل والاجتهاد واكتساب مزيد من الثقة والمهارات من أهم عوامل بناء الرضا النفسي.
كما أن تقدير الذات عن طريق تقليص الهوة بين الذات المثالية التي يتمنى الإنسان أن يكون عليها وبين الذات الواقعية التي هي ذاته كما يدركها في الواقع الفعلي؛ والوقوف على إيجابيات الشخصية وبناء علاقات اجتماعية ناجحة وعدم وصم النفس بالفشل والتفاعل مع إيجابياتها جميعها مفاتيح للسعادة.
المصدر: موقع المسلم.