التعلم والوعي المعلوماتي:
د. عادل غنيم.

لا يكفي أن نستقبل السيل المعلوماتي الهائل عبر الوسائط المختلفة والأحداث الجارية دون أن يكون لدينا الوعي المعلوماتي Information Literacy، ولذا ينبغي أن يكون هذا الوعي محورًا رئيسيًا في المؤسسات التعليمية في كل المراحل؛ مما يتطلب التزامًا بالتعلم مدى الحياة، واكتساب المهارات الضرورية للتعامل مع المصادر المعلوماتية.
ويعتبر الوعي المعلوماتي منطلق تطوير مهارات التعلم الذاتي والتعليم المستمر في الحياة؛ لاكتساب المهارات المعلوماتية اللازمة في استخدام تقنيات الاتصالات والمعلومات والتحليل الواعي بفعالية وكفاءة، والمعلومات التي يحصلون عليها للوصول إلى استنتاجات وقرارات سليمة وأحكام سديدة.
إن المعلومات مطلب ملِحّ في ميادين الحياة، ولتقدم المجتمعات، وأمنها وسلامتها، ومع ظهور الإنترنت وما يقدمه من الكم الهائل من المعلومات التي تضاف بشكل يومي على مواقع الإنترنت المختلفة، كان لا بد من أن يتملك المستخدمون له القدرة على تحديد حاجاتهم من هذه المعلومات، وتمحيص مصادرها، سواءً كانوا باحثين أو طلابًًا، أو أساتذة أو غيرهم من طالبي المعرفة.
وقد تبنّت منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (UNESCO) في إعلان براغ تعريف مفهوم الوعي المعلوماتي ضمن التعلم مدى الحياة فهو عندها: “تحديد الحاجات والاهتمامات المعلوماتية، والقدرة على تحديد مكانها، وتقييمها، وتنظيمها، وإيجادها بكفاءة، واستخدامها والاتصال بالمعلومات لمعالجة القضايا والمشاكل، فهو شرط المشاركة في مجتمع المعلومات، وجزء أساسي من حقوق الإنسان للتعلم مدى الحياة”.
وقامت عدة منظمات بوضع معايير خاصة بالوعي المعلوماتي، ومن ذلك المعايير التي حددتها جمعية كليات ومكتبات البحث ACRL: Association of College&Research Libbraries تحت عنوان “معايير كفاءة الوعي المعلوماتي للتعليم العالي Information Literacy CompetencyStandards for Higher Education»، وهي عبارة عن خمسة معايير:
– المعيار الأول: تحديد مدى وطبيعة الحاجة المعلوماتية.
– المعيار الثاني: الوصول إلى المعلومات المطلوبة بكفاءة وفاعلية.
– المعيار الثالث: تقييم المعلومات ومصادرها تقييمًا نقديًا، ويدمج المعلومات المختارة في قاعدة ونظام معرفته.
– المعيار الرابع: استخدام المعلومات بكفاءة؛ لإنجاز هدف معين.
– المعيار الخامس: فهم صحيح للقضايا الاجتماعية والقانونية والاقتصادية المحيطة باستخدام المعلومات، واستخدامها بطريقة أخلاقية وقانونية.
وهذه المعايير يمكن تحقيقها من خلال الأنشطة البحثية التي يكلف بها المعلمون طلابهم، وهو مجال بحاجة إلى عناية أكبر من قبل المعلم والمتعلم حتى لا يتحول نشاط البحث إلى نقل حرفي لما هو موجود على الشبكة أو الاضطرار إلى شراء الأبحاث “الجاهزة”.
وللإسلام اهتمام فائق بالوعي المعلوماتي بدءًا من التوصية بتجنب المصادر المجهولة، وغير الموثوقة كما قال تعالى: (ولا تقفُ ما ليس لك بِهِ عِلم إِن السمع والبصر والفُؤاد كُلُ أُولئِك كان عنهُ مسؤُولا) الإسراء: 36، إلى الدعوة إلى البحث عن الحقائق من مصادرها بالحركة، وسؤال ذوي الاختصاص (فاسألُوا أهل الذِكرِ إِن كُنتُم لا تعلمُون) الأنبياء: 7، إلى منع إذاعة المعلومة قبل دراستها والتحقق من مصداقيتها من أهل العلم والخبرة (وإِذا جاءهُم أمر مِن الأمنِ أوِ الخوفِ أذاعُوا بِهِ ولو ردُوهُ إِلى الرسُولِ وإِلى أُولِي الأمرِ مِنهُم لعلِمهُ الذين يستنبِطُونهُ مِنهُم ولولا فضلُ اللهِ عليكُم ورحمتُهُ لاتبعتُمُ الشيطان إِلا قلِيلا) النساء: 83.
واعتبر النبي نقل كل ما يُسمع أو يُقرأ دون تمحيص مشاركة في الكذب أو الافتراء كما في قوله: (كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع) “رواه مسلم”، وصدقت المقولة النبوية كما في السلسلة الصحيحة 866: (بئس مطية الرجل زعموا).

Scroll to Top