تأليف: سعيد بن علي بن وهف القحطاني

إن فقه الدعوة إلى اللّه تعالى فقه مبنيّ على فهم السنة المطهرة،- وذلك باستنباط أسس الدعوة وركائزها التي تقوم عليها- من أهم المهمات؛ لأن ذلك يدخل في قوله تعالى: { قل هذا سبيلي } ([1]). فالدعوة يجب أن تكون على بصيرة، ويقين وبرهان عقلي وشرعي ([2]) ولا تكون كذلك إلا إذا كانت على علم وبيان من كتاب اللّه وسنة رسوله .

والداعية لا يكون على بصيرة إلا إذا دعا إلى اللّه على بصيرة في ثلاثة أمور:

الأمر الأول: أن يكون على بصيرة فيما يدعو إليه، وذلك بالعلم لا بالجهل.

الأمر الثاني: أن يكون على بصيرة في حال المدعو، فلا بد من معرفة حال المدعو؛ ليدعوه بالطريقة والكيفية التي تناسبه، وتكون أكثر فائدة له، وتأثيرا فيه.

الأمر الثالث: أن يكون على بصيرة في كيفية الدعوة ([3]).

3 – إن التفرق الذي يقع بين الدعاة ما وقع إلا لعدم فقه الدعوة من الكتاب والسنة وفق فهم السلف الصالح، فمن هنا تأتي أهمية العناية بفقه الدعوة في السنة النبوية.

4 – إن أصح الكتب بعد القرآن الكريم العزيز، الصحيحان: صحيح الإمام البخاري، وصحيح الإمام مسلم – رحمهما اللّه- ([4]). ومن هذين الكتابين اخترت المشاركة في فقه الدعوة في صحيح الإمام البخاري رحمه الله؛ لأن (كتاب البخاري أصحهما وأكثرهما فوائد ومعارف ظاهرة وغامضة؛ وقد صح أن مسلما كان ممن يستفيد من البخاري ويعترف بأنه ليس له نظير في علم الحديث، قال الإمام النووي – رحمه الله: ” وهذا الذي ذكرناه من ترجيح كتاب البخاري هو المذهب المختار الذي قاله الجماهير وأهل الإتقان والحذق والغوص على أسرار الحديث ” ([5]). ويقول الحافظ ابن كثير رحمه الله عن ترجيح صحيح البخاري – رحمه الله على صحيح مسلم – رحمه الله: ” والبخاري أرجح؛ لأنه اشترط في إخراجه الحديث في كتابه هذا: أن يكون الراوي قد عاصر شيخه وثبت عنده سماعه منه، ولم يشترط مسلم الثاني، بل اكتفى بمجرد المعاصرة. ومن هاهنا ينفصل النزاع في ترجيح تصحيح البخاري على مسلم كما هو قول الجمهور، خلافا لأبي

علي النيسابوري شيخ الحاكم، وطائفة من علماء المغرب ” ([6]).

ومن هنا أيضا يكتسب هذا الموضوع أهمية أخرى، وهو ارتباطه بأصح كتب السنة، وأكثرها فوائد ومعارف ظاهرة وغامضة.

وإدراكا لهذه الأهمية فقد شرع قسم الدعوة والاحتساب في الكلية في إعداد موسوعة دعوية متكاملة تعتمد هذا الكتاب أساسا ومنطلقا لها، وكان القسم المخصص لي من الصحيح، من أول كتاب الوصايا إلى نهاية كتاب الجزية والموادعة، ومجملها (192) حديثا ([7]).

5 – تبرز أهمية دراستي لهذه الأحاديث النبوية دراسة دعوية في الأمور الآتية:

أ- اختصاص معظم أحاديث الدراسة في موضوع مهم من موضوعات الدعوة إلى الله تعالى، وهو الجهاد في سبيل الله تعالى، ومعلوم أن الجهاد ذروة سنام الإسلام، وكتاب فرض الخمس، والجزية والموادعة، وقبل ذلك كله الوصايا.

ب- اشتملت أحاديث كتب الدراسة على فوائد دعوية مهمة: منها ما يتعلق بالداعية إلى اللّه، ومنها ما يتعلق بالمدعو، ومنها ما يتعلق بموضوع الدعوة، ومنها ما يتعلق بوسائل الدعوة وأساليبها، ومثال ذلك حديث جبير بن مطعم t { أنه بينما هو يسير مع رسول اللّه r ومعه الناس مقبلا من حنين علقت برسول اللّه r الأعراب يسألونه حتى اضطروه إلى سمرة، فخطفت رداءه، فوقف رسول اللّه r فقال: ” أعطوني ردائي، فلو كان لي عدد هذه العضاه نعما لقسمته بينكم، ثم لا تجدوني بخيلا، ولا كذوبا، ولا جبانا } ([8]) ([9]). فقد اشتمل هذا الحديث على أركان الدعوة كلها: فموضوع الدعوة فيه: دعوة الأمة إلى مكارم الأخلاق، وأصول الحِكَم، وفيه صفات الداعية: من الحلم، والكرم، والصبر، والصدق، والشجاعة، وفيه أدب المدعو وأنه ينبغي له أن يلتزم الأدب مع الداعي، وفيه من وسائل الدعوة القدوة الحسنة، وفيه أسلوب الرفق واللين، فقد اشتمل الحديث على جميع أركان الدعوة، وهكذا في أحاديث الموضوع الأخرى.

([1]) سورة يوسف، الآية: 108.

([2]) انظر: تفسير القرآن العظيم للإمام أبي الفداء إسماعيل بن كثي2 / 4/ 496.

([3]) انظر: زاد الداعية إلى الله، للشيخ محمد بن صالح العثيمين ص 7.

([4]) انظر: علوم الحديث، لابن الصلاح، ص 18، ومقدمة شرح النووي على صحيح مسلم، ص 14، والتقريب في فن أصول الحديث للنووي، ص 3، واختصار علوم الحديث، لأبي الفداء ابن كثير، مع شرحه الباعث الحثيث، لأحمد شاك1 / 1/ 103.

([5]) مقدمة شرح صحيح مسلم للنووي ص 14.

([6]) اختصار علوم الحديث، لابن كثير، مع شرحه الباعث الحثيث، لأحمد شاك1 / 1/ 103.

([7]) انظر: تفصيلها في ص 34 من هذا البحث.

([8]) البخاري الجهاد والسير (2666)، أحمد (4/82).

([9]) البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب الشجاعة في الحرب والجبن2 / 275 برقم 2821، ومسند الإمام أحمد 4 / 8/ 82.

Scroll to Top