تعريف الحوار .

 

1 – التعريف اللغوي:

حاوره حوارًا ومحاورة: جاوبه، وحاوره: جادله، ومنه قوله تعالى: ﴿ قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ ﴾ [الكهف: 37]، ويقال: تحاوروا: تراجعوا الكلام بينهم وتجادلوا؛ قال تعالى: ﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا ﴾ [المجادلة: 1]، والمحاورة: مراجعة المنطق والكلام في المخاطبة، والمحاورة: المجاوبة، والتحاور: التجاوب[1]، وفي مفردات الراغب: “الحور: التردد إما بالذات وإما بالفكرة… والقوم في حَوَار: في تردد إلى نقصان… والمحاورة والحوار: المرادَّة في الكلام، ومنه التحاور؛ قال الله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا ﴾ [المجادلة: 1]، وكلمته فما رجع إلي حوارًا”[2].

 

الحوار في اللغة إذًا يتضمن تراجع الكلام والتجاوب فيه، وهذا يتطلب ممن يتصدى للحوار أن يكون مستعدًّا لتقبل الرأي الآخر إذا كانت البراهين والحجج تسانده، فلا يكون حوارًا ما يتمسك فيه كل طرف برأيه ولا يحيد عنه.

 

2 – التعريف الاصطلاحي:

يقول أحد الباحثين: “مفهوم الحوار في الفكر السياسي والثقافي المعاصر من المفاهيم الجديدة، حديثة العهد بالتداول، ولعل مما يدل على جدية هذا المفهوم وحداثته أن جميع المواثيق والعهود الدولية التي صدرت في الخمسين سنة الأخيرة بعد إنشاء منظمة الأمم المتحدة تخلت عن الإشارة إلى لفظ الحوار”[3].

 

ومع ذلك: فإن استخدام مصطلح الحوار وتداوله في الأدبيات المعاصرة لم يبتعد كثيرًا عن مفهومه اللغوي، فيرى البعض أن: “الحوار هو المراجعة في الكلام، أو الأخذ والرد بين شخصين أو طرفين، لكل منهما مفاهيمه أو أفكاره أو آراؤه أو مقترحاته، وتجاذب أطراف الحديث بين شخصين أو أكثر يُهدف منه الوصول إلى لغة مشتركة ومفاهيم متقاربة وتشخيص موحد، إن أمكن، للأشياء كلها، وللمشكلات كافة”[4]، وفي تعريف آخر: الحوار نوع من الحديث بين شخصين أو فريقين، يتم فيه تداول الكلام بينهما بطريقة متكافئة، فلا يستأثر أحدهما دون الآخر، ويغلب عليه الهدوء والبعد عن الخصومة والتعصب[5]، وعند البعض: أن الحوار هو الكلام المتبادل بين طرفين في أسلوب لا يقصد به الخصومة[6].

 

ويقول أحد الباحثين: “الحوار هو أن يتناول الحديثَ طرفان أو أكثر عن طريق السؤال والجواب، بشرط وحدة الموضوع أو الهدف، فيتبادلان النقاش حول أمر معين، وقد يصلان إلى نتيجة، وقد لا يقنع أحدهما الآخر، ولكن السامع يأخذ العبرة ويكوِّن لنفسه موقفًا”[7]، وفي مؤلف آخر له عرَّف الحوار بأنه: “عملية تبادل الأفكار والآراء بين محاورين اثنين أو أكثر لغرض بيان حقيقة مؤكدة أو رأي معين، قد يتقبله الآخر وقد يرفضه…”[8].

 

من هذه التعريفات يمكن تحديد مفهوم الحوار بأنه:

“تبادل الآراء والأفكار حول موضوع معين، بين طرفين أو أكثر – بطريقة متكافئة – بعيدًا عن التعصب؛ للتوصل إلى مفاهيم مشتركة أو متقاربة”، والله أعلم.

 

3 – الألفاظ ذات الصلة:

أ – المناظرة: المناظرة مأخوذة من النظير أو من النظر بالبصيرة، يقال: ناظر فلانًا؛ أي: صار نظيرًا له، ناظر فلانًا؛ أي: باحثه وباراه في المجادلة، وناظر الشيء بالشيء: جعله نظيرًا له، وناظره مناظرة بمعنى جادله مجادلة[9].

 

وفي الاصطلاح: عرفها الآمدي بأنها: تردد الكلام بين شخصين، يقصد كل منهما تصحيح قوله، وإبطال قول صاحبه؛ ليظهر الحق[10]، وعرفها الجرجاني بأنها: النظر بالبصيرة من الجانبين في النسبة بين الشيئين؛ إظهارًا للصواب[11]، والتعريف الحديث للمناظرة أنها: تردد الكلام بين شخصين فأكثر، يريد كل واحد منهما صحة قوله، وإبطال قول خصمه، مع رغبة كل واحد في إصابة الحق وإظهاره[12].

ومن هذه التعريفات تظهر الصلة واضحة بين كل من الحوار والمناظرة؛ لأن كلاًّ من الطرفين يراجع صاحبه في قوله، غير أن المناظرة تعتمد الفكر الواعي والبصيرة المتعمقة.

 

ب – المجادلة: يقال: جَدِلَ الرجل جَدَلاً، فهو جَدِلٌ (من باب تعب): إذا اشتدت خصومته، وجادل جدالاً ومجادلة: إذا خاصم بما يشغل عن ظهور الحق ووضوح الصواب[13].

والمجادلة في الاصطلاح: المدافعة لإسكات الخصم[14]، جاء في التعريفات[15] أن الجدل: “هو دفع المرء خَصْمه عن إفساد قوله بحجة أو شبهة، أو يقصد به تصحيح كلامه، وهو الخصومة في الحقيقة”.

وقال في المصباح: “استعمل على لسان حملة الشرع في مقابلة الأدلة لظهور أرجحها، وهو محمود إن كان للوقوف على الحق، وإلا فمذموم”[16].

 

وجه الصلة بين الحوار وبين المجادلة: أن كلاًّ من الطرفين يعرض فكره على الآخر، ويراجع صاحبه في قوله، غير أن الحوار يراد منه إظهار الحق، أما الجدال فقد يكون لإظهار الحق، والغالب أن كلاًّ من المجادلين يريد إثبات قوله وهدم مقال صاحبه، سواء أكان حقًّا أم باطلاً.

 

ج – المعارضة: يقال: عارض فلانًا؛ أي: ناقضه في قوله، وعارضت الشيء بالشيء؛ أي: قابلته به، واعتراضات الفقهاء تمنع من التمسك بالدليل، وتعارض البينات يعني: أن كل واحدة تعترض الأخرى وتمنع نفوذها[17].

والمعارضة في الاصطلاح: إقامة الدليل على خلاف ما أقام الدليل عليه الخصم[18].

وجه الصلة بين كل من المعارضة والحوار: أن كلاًّ من الطرفين يقدم أدلته، إلا أن المعارضة أخص من الحوار؛ حيث إن المعارض يهدف في المقام الأول إلى نقض دليل خصمه وهدمه.


[1] تاج العروس، الصحاح، القاموس المحيط، لسان العرب.

[2] ص 134.

[3] الحوار والتفاعل الحضاري من منظور إسلامي، لعبدالعزيز التويجري، ص 7.

[4] الإسلام والآخر، أسعد السحمراني، ص 17، 18.

[5] الحوار آدابه وضوابطه في الكتاب والسنة، يحيى زمزمي، ص 6.

[6] الحوار أصوله وآدابه السلوكية، أحمد الضويان، ص 17.

[7] الحوار الإداري، عبدالقادر الشيخلي، ص 3، وأشار إلى: عبدالرحمن النحلاوي، أصول التربية الإسلامية، دار الفكر المعاصر – دمشق: 1420هـ – 2000م، ص 206.

[8] هندسة الحوار، عبدالقادر الشيخلي، ص 15.

[9] لسان العرب، المصباح المنير.

[10] شرح الولدية، ص 7.

[11] التعريفات للجرجاني، ص 298.

[12] رسالة الآداب لمحمد محيي الدين عبدالحميد، ص 6.

[13] لسان العرب، المصباح المنير، القاموس المحيط.

[14] شرح الولدية، ص 7.

[15] التعريفات للجرجاني، ص 137.

[16] المصباح المنير للفيومي (جدل).

[17] لسان العرب، المصباح المنير.

[18] التعريفات للجرجاني.

رابط الموضوع: https://www.alukah.net/social/0/112162/%D8%AA%D8%B9%D8%B1%D9%8A%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%88%D8%A7%D8%B1/#ixzz7p7eY1Qgz

Scroll to Top