لطف الله عند البلاء والوباء

 

أحمد الخليف.          

لطائف الله كثيرة، والله من أسمائه اللطيف، (وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)، قال ابن عباس رضي الله عنهما: حفيٌ بهم، وقال عكرمة رضي الله عنه: بار بهم، وقال السدي رحمه الله: رفيق بهم، وقال مقاتل رحمه الله: لطيف بالبر والفاجر، ونبي الله يوسف -عليه الصلاة والسلام- مر بمراحل ابتلاء عظيمة ورأى لطف الله فيها، مر بفتن وبلايا ومحن متتابعات ومع ذلك يقول: (إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)
وكل داء فله دواء، وكل هم بعده فرج، وكل ضيق بعده مخرج، وكل عسر بعده يسر، وكل محنة تحمل بين طياتها منحة.
فإذا ابتليت بوباء وبلاء وفتنة ومصيبة فانظر إلى لطائف الله فستجدها كثيرة، وانظر إلى من أصيب بأشد من مصيبتك حتى تعرف نعمة الله عليك (اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ)، ومن لطف الله في مصيبة هذا الوباء:
1- أن الله لم يجعله في شدة برد أو شدة حر فكان في أيام ربيعية ممطرة.
2- أن الله جعل مبتدأه في أماكن أخرى حتى نتمكن من أخذ الحيطة والحذر قبل وصوله.
3- أن الله جعله قبيل رمضان وهو شهر الرحمات وشهر الدعاء والتضرع وكثرة الذكر والخيرات والبركات والبذل والصدقات.
4- من لطف الله في هذا الوباء أن الله سخر المختصين والمهتمين وذوي الخبرات الكافية فأرشدهم للرأي السديد وأخذ التدابير وسخر لهم الإمكانيات والقدرات وأعانهم ووفقهم.
5- من لطف الله ما منّ الله به على هؤلاء المصابين بالشفاء وأن أعداد المتوفين بسببه قليلة إذا قورنت بدول أخرى التي فقدت السيطرة والاحتواء.
6- من لطف الله أن الله ردنا لبيوتنا وهيأ لنا المؤونة والزاد،، ومكّن لنا الأمن والأمان وسخّر لنا من يسهر على حمايتنا ورعايتنا وراحتنا وصحتنا.
7- ومن اللطائف أن الله رزقنا الثبات والطمأنية واليقين والصبر والحلم والرضا والتسليم بقضاء الله وقدره وأن ما أصابنا لم يكن ليخطئنا وما أخطئنا لم يكن ليصيبنا.
8- ومن لطف الله استشعارنا لعظمة الله وقدرته في مخلوق صغير من مخلوقاته لا يرى بالعين المجردة كيف توقف بسببه كل شيء.
9- أدركنا أن الله هو الذي خلق الداء وهو الذي يخلق الدواء ويسبب الأسباب ويخلق المسبب وجعل لكل شيء سببًا فوفقنا ربنا لفعل الأسباب الوقائية والاحترازية.
10- من لطائف الله الكبيرة عودة عباده إليه فنظر كافرهم إلى السماء ورفعوا في ديارهم النداء وضجوا بالدعاء وهم على شركهم، ورأينا بحمد الله أن المسلمين أكثروا الدعاء برفع البلاء ثقة بوعده، وكان الإقبال إلى ربهم وإخبات قلوبهم لبارئهم ظاهرًا بحمد الله.
11- من لطف الله في هذه الأزمة ما رأينا في مجتمعنا من خيرات ومبادرات إنسانية وأعمال تطوعية الكل يقدم، الكل يبادر، الكل يشارك ويساهم، يعملون بروح الإيجابية ويقدمون وينتجون شعارهم كلنا مسؤول.
12- أن الله لا يقضي لعباده إلا بما فيه رحمة وحكمة، فكم من اللطائف والرحمات الكثيرة والحكم العديدة في هذا الوباء الذي ابتلى الله به عباده ليعرفهم به وليردهم إليه فمن تعرف على الله في الرخاء عرفه في الشدة.
13- من لطف الله أنه أظهر لنا قوته بجند من جنوده وبيّن لنا ضعفنا وعجزنا وأننا أمام هذا المخلوق الضعيف ضعفاء خارت قوانا، وتوقفت قدراتنا، وتعطلت إمكانياتنا، وتذكرنا قول ربنا (وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ث ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ).
يا الله ما أعظم لطف الله في كل بلية ومصيبة.
ولطائف الله في هذا الوباء وفي كل بلاء تظهر في قوم أكثر من غيرهم، وقد يظهر لطف الله عندك أكثر من غيرك، ولطفه واسع، ورحمته واسعة، وعطاؤه واسع، (ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلمًا).
لا تكثر من التسخط والتضجر والتأفف وانظر إلى جوانب لطف الله؛ فإنه يخفف حدة التسخط، التأمل في لطف الله يهون الأحزان، ويزيل غبار اليأس، ويعقم القلب من أدران الشك والقنوط.
التوكل على الله، والفأل، وحسن الظن به، والإنابة، والتضرع إليه، تجعل القلب يتأمل أكثر في لطائف الله، ويغلق حال المصيبة النوافذ السلبية، ويفتح نوافذ لطف الله ورحمته وفضائله ومننه وعطائه، ورب ضارة نافعة.
عندما نتأمل لطائف الله في هذا الوباء وهذه الأزمة لا يعني انتفاء المتاعب والمشاق وانعدام المعاناة فنحن جزء من هذا العالم، والوباء عام والمخاوف موجودة والمعاناة واقعة، ولكن النظر في لطف الله هو حال المؤمن العارف بالله مع المصائب وذلك مما يهونها ويزيده صبرًا وثباتًا وأنسًا بذكر هذه اللطائف.
لطائف الله كثيرة، اللهم اجعلنا عند البلاء من الصابرين، وعند النعماء من الشاكرين.
عجبًا لأمر المؤمن عَنْ أبي يَحْيَى صُهَيْبِ بْنِ سِنَانٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: (عَجَبًا لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلا للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْرًا لَهُ) “رواه مسلم”.

المصدر: موقع المسلم.

 

Scroll to Top