من أين يأتي الملل؟

 

أ. مها الجريس.

يشكو الكثير من الناس من الملل سواءً في أمور الحياة الخاصة أو العملية، وأصبح الملل يسمى “مرض المدنية الحديثة” هذا ما تقوله الأبحاث والدراسات.
فحين قامت الآلة المصنوعة باختصار الجهد الإنساني البدني والذهني، وتنوعت وسائل الإعلام المتطورة التي لا تحتاج إلى أكثر من عيون مفتوحة وضغط على أزرار التحكم عن بعد، عندها تخدر الإبداع وتعطلت الطاقات، وسيطرت الرتابة على إنسان هذا الزمن الذي أصبح فريسة للضيق والملل! فتولدت لديه الأمراض النفسية المتنوعة، فكيف نكبح جماح هذا المرض أو نقلل من ضحاياه؟!
إن الحل الأمثل الذي يقفز إلى الأذهان هو إيجاد العمل الذي يعبر فيه المرء عن ذاته وهمومه لا أن يكون مصدرًا لكسب الرزق فقط.
إن محاولة الابتكار والتجديد في أدورانا الوظيفية والأسرية تكسر الملل والرتابة، وإن قسطًا من الاسترخاء والراحة بعد فترة عمل مبتكرة تزيدك شغفًا بالعمل مرة أخرى وتملؤك حيوية ونشاطًا ليس لها مثيل.
كان أحد الموظفين يعمل بإدخال بيانات المراجعين في حاسوبه بملل شديد ورتابة قاتلة إلى حد وصل معه إلى التفكير بترك هذا العمل بالكلية، فما كان منه إلا أن فكّر في طريقة للتخلص من هذا الملل، فقام بدعوى عدد من الزملاء ليشرح لهم كيفية القيام بهذا العمل تمهيدًا لقيامهم بدوره حينما يخرج لإجازته السنوية بدل الاعتماد على واحد منهم فقط، كما قرّر أن يستبدل بالنموذج القديم لبياناته نموذجًا جديدًا في شكله وخطه وترتيبه، وبعد مدة كان الموظف قد انتعش وزادت أهمية عمله في نظره وزاد التصاقه به.
إن هذا الأمر يدعونا إلى التجديد في أعمالنا المتكررة كالتدريس والإدارة، والعمل المنزلي بل حتى الواجبات الاجتماعية والزوجية لئلا نقع فريسة لهذا الملل الذي يعيق الإبداع ويقلل الحيوية.
وجميل أن ننقل هذا إلى صغارنا فنعلمهم التجديد والتنوع والابتكار في أداء أمورهم كلها؛ ليكون ذلك سجية لهم عند الكبر، عندها فقط سنجد جيلاً شغوفًا بالعمل مستمتعًا به، ولن تجد هذه الآفة إليه سبيلاً.

المصدر: صيد الفوائد.

 

Scroll to Top