الصلاح والفساد نقيضان، وضدان لا يلتقيان، وإذا كانت السياسة ـ كما تدل على ذلك لغة العرب ـ تعني الإصلاح والاستصلاح؛ فإن ذلك لا يتم ولا يكتمل إلا بإزالة أو دفع نقيضه أو ما يضاده، ومن هنا يتبين أن السياسة الكاملة لا تتحقق إلا بتحصيل المصالح وتكميلها، وتقليل المفاسد ودرئها وتعطيلها. والسياسة المطلقة هي التي تقوم بذلك في الأمور الدنيوية والأخروية، لجميع الخليقة عوامهم وخواصهم، فيما يظهر من أفعالهم وأقوالهم، وفيما يبطنون من ذلك، وهذه السياسة المطلقة، أو السياسة الكاملة الشاملة لا يقوم بها إلا رسول يوحى إليه من رب السموات والأرضين، ويتبعه في ذلك خلفاؤه الذين يقتدون بسنته. وأما جهود البشر المبتوتة عن الوحي، فلا تتعدى ـ مهما بلغوا من المعرفة والتقدم ـ تدبير أمور المعاش، وإصلاح معاملات الناس فيما بينهم في ظواهرهم على حسب ما يظهر لهم من علومهم القاصرة. قال التهانوي في بيان أنواع السياسة: «وفي كليات أبي البقاء ما حاصله: أن السياسة المطلقة هي إصلاح الخلق بإرشادهم إلى الطريق المنجي في العاجل والآجل، على الخاصة والعامة في ظواهرهم وبواطنهم، وهي إنما تكون من الأنبياء، وتسمى مطلقة؛ لأنها في جميع الخلق، وفي جميع الأحوال، أو لأنها مطلقة أي كاملة من غير إفراط ولا تفريط. وأما من السلاطين وأمرائهم فإنما تكون على كل منهم في ظواهرهم، ولا تكون إلا منجية في العاجل؛ لأنها عبارة عن إصلاح معاملة الناس فيما بينهم، ونظمهم في أمور معاشهم، وتسمى سياسة مدنية، وأما من العلماء الذين هم ورثة الأنبياء حقاً على الخاصة في بواطنهم لا غير، أي لا تكون على العامة؛ لأن إصلاحهم مبني على الشوكة الظاهرة، والسلطنة القاهرة، وأيضاً لا تكون على الخاصة في ظواهرهم؛ لأنها منوطة بالجبر والقهر، وتسمى سياسة نفسية»(1).
ومن هذا النقل يتبين أن السياسة تقسم بحسب مجالها إلى ثلاثة أنواع:
النوع الأول: سياسة نفسية: ومجالها باطن الإنسان (أي قلبه) وعملها إصلاح الباطن وتهذيب النفوس، ودرء المفاسد والغوائل عن القلوب، وهذه يقوم بها العلماء الربانيون الذين يَُعنَوْن بإصلاح القلوب وتربية النفوس وتهذيبها.
النوع الثاني: سياسة مدنية: ومجالها ظاهر الناس فقط وما يتعلق بحياتهم، وعملها إصلاح ظواهرهم بتدبير أمور معاشهم، وإصلاح معاملاتهم، وإقامة شؤون اجتماعهم وعمرانهم، وهذه يقوم بها الولاة والأمراء والسلاطين والملوك والرؤساء؛ فإذا كانت هذه السياسة «مفروضة من العقلاء، وأكابر الدولة وبصرائها، كانت سياسة عقلية، وإن كانت مفروضة من الله بشارع يقررها ويشرعها كانت سياسة دينية»(2).
النوع الثالث: سياسة مطلقة أو كاملة، ومجالها باطن الإنسان وظاهره، وهي تشمل النوعين السابقين، وهذه التي يقوم بها الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، ثم من يخلفهم ويمشي في ذلك على طريقتهم، وهم الخلفاء الراشدون في كل عصر ومصر. ومن الجدير بالذكر أن جميع أنواع السياسة المقيدة بالشرع تدخل تحت مسمى السياسة الشرعية، وإن كانت السياسات الثابتة بالنص القرآني تسمى سياسة إلهية، والثابتة بالسنة تسمى سياسة نبوية، وذلك تمييزاً لها وبياناً لمصدرها المباشر. ومن البين أن السياسة التي يكون مصدرها المباشر هو الاجتهاد المبني على الكتاب والسنة هي أيضاً من السياسة الشرعية. ونستطيع هنا أن نميز مصادر السياسة الشرعية أو الأدلة العامة لها وهي: الكتاب، السنة، وسياسة الخلفاء الراشدين، وأخيراً الاجتهاد الصحيح المبني على ما تقدم.
الدين والسياسة:
ويتبين مما تقدم أن الدين كله سياسة لإصلاح الحياة الدنيا ودرء المفاسد عنها، وكذلك لإصلاح الآخرة ودرء المفاسد عنها. واللغة العربية لغة القرآن تصدِّق ذلك؛ فقد جاء في كتاب الغريب: «الدين: المُلك والسلطان، قال الله ـ تعالى ـ: {مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْـمَلِكِ} [يوسف: 76]، أي في سلطانه وملكه»(3)، وفي لسان العرب: «دِنْته أَدِينُه دَيْناً: سُسْته، ودِنته: مَلَكْتُه، ودَيَّنْتُه القومَ: ولَّيته سياستهم»(4)، وقال ابن الجوزي: «الشريعة سياسة إلهية» (5)، وقد كتب ابن تيمية ـ رحمه الله ـ رسالة في السياسة الشرعية، قال في أولها: «فهذه رسالة مختصرة فيها جوامع من السياسة الإلهية». وبيَّن ـ رحمه الله ـ أنها «مبنية على آية الأمراء في كتاب الله»(6)، فسماها: سياسة إلهية، وهو ما يكون دليلاً واضحاً على أن السياسة التي يُعتد بها شرعاً هي السياسة التابعة للشريعة، وأما السياسة المخالفة للشرع، وإن بدا لبعضهم أنها محققة لبعض المصالح، فهي ليست بسياسة على الحقيقة، وإن سُميت بذلك؛ فإن العبرة بالحقائق وليس بالأسماء؛ فإذا كان الاسم يخالف الحقيقة، فلا قيمة له ولا عبرة به، ذكر ابن الجوزي ـ رحمه الله ـ «أن عضد الدولة كان يميل إلى جارية، فكانت تشغل قلبه، فأمر بتغريقها، لئلا ينشغل قلبه عن تدبير الملك» وعلق على ذلك بقوله: «وهذا هو الجنون المطبق؛ لأن قتل مسلم بلا جُرم لا يحل، واعتقاده أن هذا جائز كفر، وأن اعتقاده غير جائز، لكنه رآه مصلحة، فلا مصلحة فيما يخالف الشرع»(7)، وقد نقل ابن مفلح في الفروع قوله: «أكثر السلاطين يعملون بأهوائهم وآرائهم لا بالعلم، ويسمون ذلك سياسة، والسياسة هي الشريعة»(8).
الاجتهاد في السياسة الشرعية:
وإذ يتبين مما تقدم أن السياسة الكاملة تقوم على جلب مصالح الدارين، ودفع المفاسد والغوائل عنهما، فإن المصالح والمفاسد. منها ما هو معلوم مُدرَك بالنصوص كمصلحة العبادات من صوم وصلاة وحج وزكاة، ومثل تناول الطيبات من المطعومات والمشروبات، ومثل ستر العورات، واجتناب النجاسات ونحو ذلك، وكذلك المفاسد منها ما هو معلوم مُدرَك بالنصوص كالربا، وشرب الخمر، والسرقة، وقتل النفس بغير حق، والظلم، ونحو ذلك.
ومن المصالح والمفاسد ما هو مدرَك بالاجتهاد لا سيما أن منها ما هو متجدد بتجدد الأزمان ويختلف باختلاف ظروف المكان. والمصالح والمفاسد المدرَكة بالاجتهاد يدخل الخطأ في إدراكها وتصويرها وتحققها في آحاد وأفراد الصور الواقعة كثيراً؛ فقد يُظن ما ليس بمصلحة (حقيقية) مصلحة ينبغي تحصيلها، وقد يظن في الجانب المقابل ما ليس بمفسدةٍ (حقيقية) مفسدةً ينبغي دفعها وإزالتها، ويعظُم هذا الخلط والاضطراب عندما لا تتميز المصالح من المفاسد، فتكون المصلحة المطلوب تحصيلها تكتنفها مفسدة أو عدة مفاسد، وكذلك قد تكون المفسدة المطلوب دفعها مختلطة بمصلحة أو عدة مصالح، ولا يمكن دفعها على الانفراد، فيكون في دفعها دفعاً لتلك المصالح؛ لذلك فإن الفقه في هذا الباب لا يصلح أن يُقْدِم عليه المبتدئون أو الشادون في الفقه، وإنما هو في حاجة إلى فقهاء متضلعين تضلعاً كاملاً في فقه الشريعة بمعناه الشامل، إضافة إلى الخبرة الواسعة بالواقع، ولعلنا في هذه المقالة نعرج على بعض القواعد الفقهية التي تضبط هذا الأمر؛ فمن ذلك:
القاعدة الأولى: لا ضرر ولا ضرار:
وهي قاعدة عظيمة، بل من أعظم قواعد الفقه في السياسة الشرعية، وعليها تنبني فروع فقهية كثيرة يعسر حصرها في هذا المقال، ومستند هذه القاعدة ودليلها نص حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا ضرر ولا ضرار»(9).
معنى الضرر والضرار:
الضرر والضرار قيل: هما لفظتان بمعنى واحد على وجه التأكيد، ويقال: الضرر الذي لك فيه منفعة وعلى غيرك فيه مضرة، والضرار الذي ليس لك فيه منفعة وعلى غيرك المضرة، وقيل: الضرر أن تضر بمن لا يضرك، والضرار أن تضر بمن أضر بك، لا على سبيل المجازاة بالمثل والانتصار للحق، بل على سبيل الإضرار والانتقام، وقد علق ابن عبد البر ـ رحمه الله ـ على تلك الأقوال بقوله: «والذي يصح في النظر ويثبت في الأصول أنه ليس لأحد أن يضر بأحد سواء أضر به قبلُ أم لا، إلا أنَّ له أن ينتصر ويعاقب إن قدر، بما أُبيح له من السلطان، والاعتداء بالحق الذي له مثل ما اعتدي بـه عليه، والانتصار ليـس باعتداء ولا ظلم ولا ضرر، إذا كان على الوجه الذي أباحته الشريعة»(10).
تفسير القاعدة:
الضرر والضرار الواردان في الحديث وردا لفظين نكرتين في سياق النفي مما يفيد الاستغراق والعموم، وهذا معناه نفي سائر أنواع الضرر ابتداءً أو مجازاة؛ فالضرر لا تبيحه الشريعة لأحد، ولا تشرعه، وهذا يعني أن كل ما جاء في الشرع مشروعيته فليس بضرر وإن كان فيه إزهاق الانفس أو هلاك الأموال؛ وانطلاقاً من ذلك فإن الضرر يُمنع في جميع مراحله، فيمنع قبل وقوعه، عند توقع حدوثه وتوفر الدواعي لذلك؛ وذلك كالإجراءات، أو التنظيمات والترتيبات الوقائية التي يكون من شأنها منع الضرر جملة، أو تضييق مجاريه، وتقليل إمكانية حدوثه، فتحديد المناطق الصناعية المقلقة، أو التي ينتج عنها غازات سامة، أو روائح كريهة بالنسبة للتجمعات السكنية من السياسة الشرعية، وكذلك تنظيم المرور بما يسهل حركة الناس والحياة، ويمنع الأضرار الناتجة عن ترك الناس يسيرون كيفما شاؤوا، فذلك أيضاً من السياسة الشرعية.
كما أن من السياسة الشرعية القائمة على منع الضرر قبل وقوعه إعداد العدة المستطاعة من القوة التي ترهب عدو الله وعدو المسلمين وتخيفهم كما قال الله ـ تعالى ـ: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْـخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60].
ويمنع الضرر أثناء وقوعه، وذلك بمدافعته، وعدم الاستسلام له والإذعان، وينبني على ذلك فروع كثيرة كرد المعتدي، ومدافعة العدو الصائل ومقاتلته؛ فقد «جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: يا رسول الله! أرأيتَ إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: لا تعطه، قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: قاتله، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: فأنت شهيد، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: هو في النار»(11)، ويمنع الضرر بعد وقوعه، وهذا التعبير فيه نوع غرابة؛ إذ كيف يمنع، وهو قد وقع؛ وذلك يُتَصَوَّرُ إمكانيته في صورتين:
الصورة الأولى: العقوبات المشروعة على المعاصي والمخالفات؛ فإن تشريع العقوبات وتقريرها على محدثي الضرر ومرتكبيه تكون عظة وعبرة للآخرين؛ بحيث يمثل ذلك ردعاً وزجراً يمنع من تكراره أو يقلل من فرص حدوثه، على حد ما جاء في قوله ـ تعالى ـ {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179]، ولا تجوز المجازاة أو العقوبة على الضرر بإحداث ضرر مثله على المعتدى، لا فائدة منه للمعتدى عليه؛ فمن أفسد شيئاً أو أتلفه لا تكون عقوبته بإفساد شيء مثله عليه إذا أمكن تعويض المُعتدى عليه؛ لأن الإفساد في هذه الحالة فيه مزيد من الإفساد والإضرار بدون فائدة منه، وإنما تكون عقوبته بأن يصلح ما أفسد، أو يعوض عنه بمثله إذا لم يمكن الإصلاح، فإذا تعذر ذلك ولم يمكن، فإنه يُفعل به مثل ما فعل بلا زيادة، فإن في هذا إراحة لقلب المظلوم المعتدى عليه إلا أن يعفو؛ فمن أفسد حياة إنسان عمداً، فإن المعتدي لا يستطيع أن يصلح ما أفسد برد الحياة مرة أخرى، كما أنه لا يستطيع أن يعطي مثله، فتكون عقوبته في هذه الحالة أن يفسد عليه القاضي حياته، إلا إذا تنازل صاحب الحق (ولي الدم).
الصورة الثانية: إزالة آثار الضرر عن طريق التعويضات المشروعة التي تجعل الضرر كأن لم يكن، أو تخفف آثاره إلى أقصى حد ممكن؛ فقد روى البخاري «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين مع خادم بقصعة فيها طعام، فضربت بيدها فكسرت القصعة، فضمها وجعل فيها الطعام، وقال: كلوا، وحبس الرسول [أي الخادم] والقصعة، حتى فرغوا، فدفع القصعة الصحيحة، وحبس المكسورة»(12).
مبادرة الضرر عند أول ظهوره:
ومنع الضرر يستوجب مبادرته سواء قبل حدوثه وعند توقع ذلك، أو أثناء حدوثه، أو بعد حدوثه، عند القدرة على ذلك، ولا يتأنى به؛ فإن التأني في ذلك، وترك المبادرة ربما أدىا إلى استفحاله؛ بحيث يخرج عن السيطرة وعدم القدرة على إزالته، أو قد يحتاج إلى جهود مضاعفة عما كان يحتاج إليه لو دُفع أول أمره، وهذه كانت سياسة أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ في تعامله مع المرتدين؛ فإن أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ بادر في دفع ذلك الضرر العظيم، ولم يتأنَّ في ذلك، ولم يستمع في ذلك إلى رأي أو مشورة من أحد؛ إذ أدرك ببصيرته الإيمانية أن كل يوم يمضي بدون مواجهتهم يكون قوة للمرتدين وضعفاً للمسلمين، فبادرهم، وقصدهم إلى أماكنهم، ولو قدر لأبي بكر ـ رضي الله عنه ـ أن يقبل مشورة من أشار بالتريث في ذلك فلربما تغير وجه التاريخ.
القاعدة الثانية: الضرر يُدفع بقدر الإمكان:
ويندرج تحت قاعدة «لا ضرر ولا ضرار» قواعد أخرى، منها: أن الضرر يدفع بقدر الإمكان؛ فإذا كان لا بد من دفع الضرر وإزالته ـ كما تقدم بيانه ـ فإنه يُدفع ويُسعى في إزالته بقدر الإمكان؛ فمهما أمكن دفعه من الضرر دُفع؛ فإن ما لا يدرك كله لا يترك جله؛ فإذا أمكن دفع الضرر كله من غير أن يبقى شيء منه دُفع، وإلا فإنه يُدفع منه ما أمكن دفعه.
القاعدة الثالثة: احتمال أخف الضررين:
عند دفع الضرر أو السعي في إزالته، قد لا يتيسر ذلك إلا بالوقوع في ضرر آخر، وهنا يتحتم علينا إذا أردنا إزالة الضرر أن نقع في ضرر آخر، والمقصود دفع الضرر بالكلية؛ فإذا تعذر ذلك ولم يمكن، فإنه يحتمل أخف الضررين، فإذا كان الضرر المدفوع يزيد عن الضرر المترتب على ذلك دُفع، وإن كان الضرر المترتب أعلى من الضرر المدفوع، لم يدفع الضرر في هذه الحالة، ولا يمكن أن يقال: إذا ترتب على دفع الضرر ضرر آخر لم يدفع الضرر حتى وإن كان الضرر المترتب أقل من الضرر المدفوع؛ لأن هذا يخالف قاعدة السعي في إزالة الضرر، وقد عبر أهل العلم عن تلك القاعدة بقاعدة «احتمال أخف الضررين» أو «أهون الشرين» أو «تُدفع المفسدة العظمى باحتمال أدناهما» أو نحو ذلك من تلك العبارات، وهذه القاعدة لها فروع كثيرة، وقد جاء بعضها في السياسة الإلهية؛ فمن ذلك ما فعله الخضر ـ عليه السلام ـ عندما خرق السفينة؛ فقد كان في خرقه لها ضرر، ولكنه فعل ذلك ليدرأ ضرراً أشد، وهو مصادرة السفينة من قِبَل الملك الظالم الذي كان يأخذ كل سفينة صالحة غصباً، فخرقُ السفينة ضرر لا شك فيه، ولكنه بلا شك أقل ضرراً من ضياع السفينة كلها، فلم يمكن إزالة الضرر الكبير إلا باحتمال الضرر الأقل، والشيء نفسه يقال في قتله للغلام، وهذه وتلك من السياسة الإلهية؛ لأن الخضر ـ عليه السلام ـ قال لموسى ـ عليه السلام ـ بعدما بيَّن له وجه هذه التصرفات: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} [الكهف: 82].
القاعدة الرابعة: إذا اجتمعت المصلحة والمفسدة فالعمل على أرجحهما:
هناك من الأمور ما لا تكون فيها المصلحة خالصة، أو المفسدة خالصة بل يجتمع الأمران في آن؛ بحيث لا يمكن التعامل مع أي منهما على انفراد، فلا تُحصَّل المصلحة إلا بتحصيل المضرة، ولا تُزال المضرة أو تدفع إلا بإزالة المصلحة ودفعها، فإن كانت المصلحة أرجح من المضرة؛ فإن المصلحة تُحَصَّل، وإن أدى ذلك إلى تحصيل المضرة؛ لأنها تنغمر إلى جانب المصلحة الأكبر، وإن كانت المضرة أرجح فإنها تدفع، وإن أدى ذلك إلى دفع مصلحة هي أقل من المضرة شأناً.
ومن فروع تلك القاعدة فداء أسرى المسلمين بالمال؛ فتحرير الأسارى المسلمين من أيدي الكفار مصلحة، بينما ذهاب جزء من أموال المسلمين إلى الكفار مفسدة، لكن مصلحة تحرير أسرى المسلمين أرجح من مفسدة ذهاب جزء من أموال المسلمين إلى الكفار فترجح، ويدخل في ذلك تبادل الأسرى، وإعطاء بعض المؤن للكفار إذا لم يمكن توصيل المؤن للمسلمين المحاصرين إلا بذلك الطريق، ونحو ذلك من المسائل. وقد لخص ابن تيمية ـ رحمه الله ـ الكلام في هذه القاعدة بكلام بديع فقال: «الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وأنها ترجح خير الخيرين وشر الشرين، وتحصّل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، وتدفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما» إلى أن يقول ـ رحمه الله ـ: «وهذا باب التعارض باب واسع جداً، لا سيما في الأزمنة والأمكنة التي نقصت فيها آثار النبوة وخلافة النبوة؛ فإن هذه المسائل تكثر فيها، وكلما ازداد النقص ازدادت هذه المسائل، ووجود ذلك من أسباب الفتنة بين الأمة؛ فإنه إذا اختلطت الحسنات بالسيئات وقع الاشتباه والتلازم؛ فأقوام قد ينظرون إلى الحسنات فيرجحون هذا الجانب وإن تضمن سيئات عظيمة، وأقوام قد ينظرون إلى السيئات فيرجحون الجانب الآخر، وإن ترك حسنات عظيمة، والمتوسطون الذين ينظرون الأمرين قد لا يتبين لهم أو لأكثرهم مقدار المنفعة والمضرة، أو يتبين لهم فلا يجدون من يعنيهم العمل بالحسنات وترك السيئات، لكون الأهواء قارنت الآراء»(13).
والفقه الصحيح في هذا الباب الذي يترتب عليه تقديم ما يستحق التقديم، وتأخير ما حقه التأخير، وتحصيل ما حقه أن يحصل، ودفع ما حقه أن يدفع، يحتاج إلى علم صحيح بمراتب الأعمال ودرجاتها وتفاوتها، فيميز بين الضار والأشد ضرراً، والضار الخالص الذي ليس فيه نفع، والضار الذي يصحبه نفع، ويميز بين الصالح والأشد صلاحاً، والصالح الذي ليس فيه مفسدة، والصالح الذي تخالطه المفسدة، ويوازن بين الصلاح وبين الضرر عند الاختلاط، فيعرف أرجحهما وأخطرهما، ويعمل على مقتضى ذلك بحسب ما تقدم من القواعد.
أخف الضررين والفهم الخاطئ:
يظن كثير ممن لم يحقق الأمور ويدققها أن أخف الضررين هو أيسرهما وأسهلهما في بادي الرأي؛ بقطع النظر عن أية ضوابط أخرى، والمراد بأخف الضررين هو ما كان أخف الضررين بالمعيار الشرعي، وليس بالمعيار النفسي أو العاطفي؛ فقد يكون أخف الضررين شرعاً هو الأشد أو الأصعب فيما يظهر؛ فقد منع قوم الزكاة بعد وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فرأى أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ قتالهم، ورأى غيره ترك قتالهم ومحاولة تألُّفهم(14)، وقد يرى الرائي من بعيد أنَّ نَصْبَ القتال أمر شديد، وأن الأيسر منه ترك القتاك مع محاولة تألُّفهم، وأن هذا هو الأخف ضرراً، وهو أهون الشرين، لكن أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ رفض ذلك وأبى أشد الإباء، وكان القتال عنده أخف الضررين وأهون الشرين، حتى إنه ـ رضي الله عنه ـ لم يقبل مشورة من أشار عليه، وأقسم بالله العظيم بقوله: «والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم على منعه»(15)، والعقــال: الحبل الذي توثــق بـه الإبل؛ فأبـو بكـــر ـ رضي الله عنه ـ لا ينصب القتال على حبل لا قيمة له في ذلك الزمان؛ لكن الأمر كان متعلقاً بالخروج على الدين والامتناع عن التزام بعض أحكامه، وقد أجمع الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ بعد تردد قصير على صواب رأي أبي بكر، وحمدوا له موقفه ذلك؛ وهذا مما يدل على إجماع الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ على أن نصب القتال لمن أبى التزام شرائع الله أو بعضها أخف ضرراً من تسويغ مخالفة الشريعة والخروج عليها؛ فأخف الضررين ليس المراد به القبول بالأمر الواقع المخالف للشريعة، والإذعان له، ولكن أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ ومعه الصحابة ـ إذ أخذ هذا القرار؛ فقد أعد العدة لذلك، وجهز الجيوش ورتبها وأشرف عليها، حتى لا يكون هناك تقصير في الأخذ بالأسباب؛ ولذلك فقد كلل الله جهود الصحابة بالنجاج، وأغلق على المسلمين باباً عظيماً من أبواب الفتنة، لو فُتح لضاع الدين.
القاعدة الخامسة: مراعاة المآل واعتباره:
والمراد بالمآل ما ينتهي إليه الأمر ويصير إليه في عقباه، فلا ينبغي للإنسان أن يهجم على فعل الشيء أو الإحجام عنه بمجرد ما يظهر منه من الصلاح أو الضرر في بادي الرأي؛ بل ينبغي أن ينظر في مآله وعاقبته؛ فقد يكون الأمر ظاهره الفساد، وعاقبته ومآله غير ذلك، وقد يكون الأمر ظاهره الصلاح وعاقبته أيضاً غير ذلك، ونحن هنا لا نتكلم عن المآل الذي هو غيب عنا مما يقدره الله؛ فإن هذا مما لا سبيل إلى معرفته ومن ثم عدم القدرة على مراعاته، وإنما مرادنا التبصر في الأمور لإدراك الدلائل والقرائن الخفية المقترنة بالأمر ـ التي لا تبدو لأول وهلة ـ التي يتبين منها أن مآل الأمر يختلف عن مباديه، واختلاف المآل مع الابتداء يتصور من وجهين:
الأول: من جهة التصرف نفسه، وهذه ينبغي مراعاتها.
الثاني: من جهة مخالفات الناس وتقصيرهم ووقوعهم في المعاصي، وهذه لا تُراعى بإطلاق، ولا تُهمل بإطلاق، بل لكل حالة موقف خاص بها.
فمن الجهة الأولى ما ورد أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال لعائشة: «لولا قومك حديثٌ عهدهم بكفر لنقضت الكعبة، فجعلت لها بابين: باب يدخل الناس، وباب يخرجون»(16)؛ فالرسول -صلى الله عليه وسلم- نظر في مآل هذا التصرف الصحيح المطلوب، فوجد أن العرب قد ينفرون من ذلك لحداثة عهدهم بالكفر، فكفه هذا المآل عن ذلك التصرف الذي لم يكن فعله واجباً على الفور، ولذلك ترجم عليه البخاري بقوله: «باب من ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر فهم بعض الناس عنه فيقعوا في أشد منه» قال ابن حجر: «وفيه اجتناب ولي الأمر ما يتسرع الناس إلى إنكاره، وما يخشى منه تولد الضرر عليهم في دين أو دنيا»(17)، ومن ذلك أيضاً عدم قتل الرسول -صلى الله عليه وسلم- للمنافقين وتعليل ذلك بقوله: «لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه»(18)، ومن ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم- لعمر ـ رضي الله عنه ـ عندما أراد قتل ابن صياد ـ على أساس أنه الدجال ـ قال -صلى الله عليه وسلم-: «إن يكُنْهُ فلن تسلط عليه، وإن لم يكنهُ فلا خير لك في قتله»(19)، ومن ذلك ما فعله الخضر ـ عليه السلام ـ من إقامته للبيت الذي يريد أن ينقضَّ على ما هو مذكور في سورة الكهف، ومن ذلك قبول توبة المحارب غير المقدور عليه وإسقاط العقوبات عنه؛ فإن عدم قبول توبته وعدم إسقاط العقوبات يدعوه إلى مزيد الإفساد وسفك الدماء ونهب الأموال، فإذا كان هذا المحارب غير مقدور عليه فإن ذلك يزيد من خطره وضرره؛ بينما قبول توبته وإسقاط العقوبة عنه يدعوانه إلى المبادرة إلى التوبة والكف عن جرائمه. وبالنظر إلى ذلك المآل جاء التشريع بإسقاط العقوبة عن المحارب غير المقدور عليه إذا تاب كما قال ـ تعالى ـ: {إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ* إلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [المائدة: 33 – 34].
ومن الجهة الثانية: جهة تقصير الناس ووقوعهم في المعاصي:
قد يفعل المسلم ما يستوجب إقامة الحد عليه، وإن إقامة الحد قد تدفع المحدود إلى الهرب إلى دول الكفر، واللحاق بهم، وبالنظر إلى هذا المآل؛ فإن كان تحقُّق ذلك ممكناً قوياً في الواقع، فإن الحد يؤخَّر إلى حين انتفاء ذلك، وإن كان تحققه بعيداً، فلا يلتفت إليه؛ لأن ذلك الالتفات في مثل هذه الحالة مبطل للحدود كلها، وفي ذلك جاء التشريع بعدم إقامة الحدود في دار الحرب؛ فقد ورد قوله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تقطع الأيدي في الغزو»(20)، قال الترمذي ـ رحمه الله ـ:«والعمل على هذا عند بعض أهل العلم منهم الأوزاعي لا يرون أن يقام الحد في الغزو بحضرة العدو مخافة أن يلحق من يقام عليه الحد بالعدو؛ فإذا خرج الإمام من أرض الحرب، ورجع إلى دار الإسلام، أقام الحد على من أصابه».
القاعدة السادسة: تقديم الأهم أو الأوْلى:
الأمور ليست كلها على وِزان واحد؛ فبعضها مهم وبعضها أكثر أهمية، وبعضها نتائجه أعظم وفضله أكثر، والقدرة على تحقيقه في الواقع أقوى، فإذا تعارضت الأمور وتضايقت، ولم يمكن تحقيقها جميعاً، إما لضيق الوقت، وإما للعجز عن القيام بذلك كله، وإما للتعارض، فإنه يقدم في ذلك الأهم أو الأوْلى ثم الذي يليه وهكذا، ويتحدد الأوْلى من خلال عدة عناصر: الفضل والأهمية، والنتائج المتوقعة، والقدرة على التحقيق والتنفيذ؛ فقد يكون أمر أفضل من أمر، لكن لا قدرة على تحقيقه، فيكون البدء بتنفيذ الأقل فضلاً في هذه الحالة أوْلى للقدرة على التنفيذ؛ وقد دل على تقديم الأوْلى قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ عندما بعثه داعياً إلى اليمن: «إنك تقدُم على قوم أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله…الحديث»(21).
إذ توحيد الله وعبادته وترك الشريك أوْلى قضية في الإسلام، وليس هناك من فائدة لعبادة أخرى من صلاة أو زكاة أو حج أو غير ذلك، إذا فُقِدَ ذلك الأصل؛ لذا كانت هذه القضية هي الأوْلى والأهم، ولذا كانت لها الأوَّلية في الدعوة.
وقد يتفق كثير من الناس على أصل تلك المقولة، لكنهم يختلفون في تنزيلها على الواقع، فيكون ما حقه التقديم عند جماعة مؤخراً عند غيرهم، والعكس صحيح، ويمكن أن تقسم الأولويات في هذا الصدد إلى نوعين: أولويات مطلقة، وأولويات نسبية.
الأولويات المطلقة والنسبية:
أما المطلقة فهي المتعلقة بالإسلام نفسه كالدعوة إلى التوحيد وأركان الإسلام، وكالنهي عن الشرك وكبائر الذنوب، وهذه يحتاج إليها في جميع الأزمان والأمكنة.
وأما الأولوية النسبية فهي تختلف باختلاف ظرفي الزمان والمكان؛ فقد ينتشر جهل بقضية شرعية في مكان وينتشر الجهل بقضية أخرى في مكان آخر، فيكون الأوْلى في كل مكان الحديث عن القضية التي يحتاجها، وقد ينتشر فساد في مكان وينتشر فساد آخر في مكان آخر، فيكون الأوْلى في النهي عن الفساد في كل مكان الفساد المنتشر فيه. وتقديم الأهم أو الأوْلى لا يعني التقليل من أية شعيرة أو شريعة جاءت بها النصوص ولو كانت في باب السنن والمستحبات، كل ما هنالك أن ننزل هذه الأمور المنزلة التي أنزلها الشارع؛ بحيث لا يكون في ذلك تعدّ أو تجاوز للشرع، كما لا يكون تفريط أو تقصير عنه، وقد قسَّم أهل العلم أمور الشرع ومصالح العباد إلى ثلاث مجموعات:
أولاها: الضروريات، وثانيها: الحاجيات، وثالثها: التحسينات. فالضروري مقدم عند التعارض على الحاجي، وكذلك الحاجي مقدم على التحسيني.
تلك بعض القواعد في فقه السياسة الشرعية، وهي قواعد نظرية، من الممكن معرفتها لكثير من طلبة العلم، وأما تطبيقها وتحقيق مناطها في الواقع، فلا يقدر عليه إلا العلماء الربانيون،
________________________________________
(1) كشاف اصطلاحات الفنون، للتهانوي 664 ـ 665.
(2) ابن خلدون، مقدمة ابن خلدون، ص 170.
(3) الخطابي: غريب الحديث 1/ 551 ـ 552.
(4) ابن منظور: لسان العرب، مادة دين 13/170.
(5) تلبيس إبليس، ص 188.
(6) السياسة الشرعية، ص 4 ـ3.
(7) تلبيس إبليس، ص 188.
(8) الفروع 6/ 386.
(9) أخرجه الحاكم في المستدرك (2/66) ، وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي، وأخرجه أحمد في المسند رقم 2719 (1/313) وقال محققه الشيخ شعيب الأرناؤوط: حسن. وابن ماجه، كتاب الأحكام رقم 2331.
(10) التمهيد، لابن عبد البر 2/160.
(11) أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، رقم 201.
(12) أخرجه البخاري كتاب المظالم والغصب رقم 2301.
(13) مجموع الفتاوى، 20/ 48 ـ 58.
(14) انظر أحكام القرآن للجصاص، 4/271.
(15) أخرجه البخاري، كتاب الاعتصام، رقم 6741، ومسلم كتاب الإيمان، رقم 29.
(16) أخرجه البخاري، كتاب العلم، رقم 1123، ومسلم، كتاب الحج، رقم 3371.
(17) فتح الباري، (3/ 448).
(18) أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، رقم 4525، ومسلم كتاب البر والصلة، رقم 3682.
(19) أخرجه البخاري، كتاب الجنائز، رقم 1267، ومسلم كتاب الفتن وأشراط الساعة، رقم 5215.
(20) أخرجه الترمذي، كتاب الحدود، رقم 1370، وقال: هذا حديث غريب. وأبو داود، كتاب الحدود، رقم 3828، وقد صححه الألباني: صحيح أبي داود، رقم 3708.
(21) البخاري، كتاب الزكاة، رقم 1365، ومسلم، كتاب الإيمان رقم 28.
السنة التاسعة عشرة * العدد 201* جمادى الأول 1425هـ * يونيو/يوليو 2004م.
|