حتى لا يضيع العلم بموت العلماء:
د. قذلة القحطاني.

جاء في الحديث الصحيح: (إن الله لا ينزع العلم انتزاعًا من صدور الرجال، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، فإذا لم يبقَ عالم اتخذ الناس رؤساء جهالاً، فسُئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا)، قال ابن بطال رحمه الله:
“إن الله لا ينزع العلم من العباد أي إن الله لا يهب العلم لخلقه ثم ينتزعه بعد أن تفضل عليهم، ولا يسترجع ما وهب لهم من العلم المؤدي إلى معرفته وبثّ شريعته، وإنما يكون انتزاعه بتضييع العلم؛ فلا يوجد من يخلف من مضى، فأنذر صلى الله عليه وسلم بقبض الخير كله”.
أحزنني خبر وفاة العالم الرباني عضو رابطة العلماء المسلمين فضيلة الشيخ د. عمر الأشقر رحمه الله ورفع منزلته وإنا لله وإنا إليه راجعون.
لم أعرفه إلا من خلال كتبه ومؤلفاته القيمة التي منّ الله تعالى عليَّ بقراءة أغلبها، التي تعد مرجعًا لكل طالب علم؛ لسهولتها وبساطتها، وما تميزت به من صفاء العقيدة وضوح المنهج، وخاصةً “سلسلة العقيدة في ضوء الكتاب والسنة”؛ حيث اشتملت على شرح أصول الإيمان الستة، وأفرد لكل أصل كتاب على عقيدة السلف من أهل السنة والجماعة؛ لذا تعتبر ملخصات كافية شافية في علم العقيدة، ولا سيما وقد خصص لكل موضوع كتاب، وهي في الوقت نفسه مناسبة لتكون مناهج دراسية لطلاب العلم يتدرجون في دراستها في المعاهد الشرعية والدورات العلمية، فرحمه الله ورفع منزلته، وأخلف أمة الإسلام خيرًا.
ووفاء لهذا الإمام أهيب بالمؤسسات الخيرية والوقفية والكليات الشرعية بإعادة طباعتها، والاستفادة منها ونشرها، ثم أقول متى سندرك أهمية حفظ العلم، والاستفادة من العلماء الموجودين اليوم بيننا، ونثني  الرُكب في طلب العلم، ونحتوي الطلبة من الجنسَين ونعد البرامج العلمية الجادة التي تعد للأمة علماءً ربانيين وعالمات ربانيات، بعيدًا عن قيود الدرجات والشهادات النظامية.
ولا يقول قائل، لا نجد عليها إقبالاً !

وأين لنا بطلبه بهذه الجدية !
فأقول: دورات سماحة الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- في الصيف كم كان يتوافد عليها من سائر العالم، وكيف كان أثرها في تخريج طلبة علم نفع الله بهم في العالم الإسلامي.
الدورات التي تقام سنويًا في الحرمين:
– دورة حفظ القرآن في شهرين.
– دورة حفظ السنة وما تسمى بحفظ الوحيين، التي بدأ تطبيقها بعد نجاحها في عدة مناطق.
– دورات حفظ المتون.
– الدورات العلمية المكثفة في سائر مناطق المملكة.
لقد وجد فيها -ولله الحمد- نماذج مشرقة من الجنسَين رجال ونساء، شباب وفتيات، ومن سائر أقطار العالم، همم عالية، وطاقات فذة، وإقبال لا ينثني، ونهم لا يشبع، ساعات متواصلة وهم في غاية السرور والسعادة، والانشراح ينهلون من ميراث النبوة؛ فإذا انقضت الأيام وجاء وقت الرحيل علت الوجُوه كآبة وحزن من ألم الفراق، وانقطاع هذا الخير.
لكن يبقى السؤال: من يحتوي هذه الهمم إذا كان هذا الزاد من الصيف إلى الصيف، ومتى سيكمل هذا العطاء! ومتى سيأتي وقت الحصاد وجني الثمار! لا سيما ومعاول الهدم تنخر في هذا البناء، وتيارات الصدّ والإغراء تعمل بلا كلل ولا ملل.
ومن هنا: أدعو العلماء وطلاب وطالبات العلم لفتح محاضن تأصيلية على نهج السلف لحفظ العلم من الضياع، واحتواء هذه الهمم ورعايتها، وأن يستوصى بهم خيرًا عملاً بوصية نبي الأمة وخاتم الرسل فيهم.
والله المعين والهادي إلى سواء السبيل.
Scroll to Top