يعجبني نشاط ذلك ذلك الداعية وعلو همته في الدعوة إلى الله تعالى، ولقد فرحتُ كثيرًا بتلك الجهود التي قام بها، وأرجو أن يستمر نشاطه كذلك بإذن الله تعالى.
ولكنني لما تأملتُ “الأولويات” وجدتها مفقودة عنده فهو “ارتجالي” في البرامج والإنتاج، سريع الإعداد لأي برنامج، ولا يعرف التروي، ولا التأني ولا التخطيط.
ولا شك ولا ريب أن هذا الاتجاه مخالف للأصول والمبادئ التي وضعها لنا سيد الدعاة صلى الله عليه وسلم.
ولك أن تتأمل معي حديث معاذ لما أرسله إلى اليمن ليبلغ الدين فقال له: (إنك تأتي قومًا أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله -وفي رواية: إلى أن يوحدوا الله- فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم) “رواه البخاري”، إن هذا الحديث يرسم لنا قضية القضايا، وعمدة الوصايا إنها قضية “الأولويات والمهمات”.
إن كل الأمور لن تكون هامة، بل إن فيها مهم، وأهم، وهذا الفقه في إدراك الأمور هو من “النعم الإلهية” وإن الأعمال تتفاوت في مراتبها ودرجاتها، ولا بد من أن ندرس هذا التفاوت قبل الإقدام على تنفيذ العمل، مثال: تجد بعض الدعاة في المساجد يهتم بالقراءة على جماعة المساجد من كتاب “رياض الصالحين” ولا يعتني بتوضيح “العقيدة ونواقض الإسلام”، وآخر يعتني في دعوة الجاليات ببعض المسائل، مع أن هناك مسائل أخرى أهم منها وأوجب، وآخر في مجال المواقع الإسلامية لا يهتم إلا بالشكل والتصميم، ويغفل عن “المواد والمحتوى” التي في باطن ذلك الموقع، وآخر: في دعوته للشباب يركز على حفظ القرآن وإتقان التجويد، ويغفل عن تربية الشباب وتوجيههم في كيفية مواجهة الفتن والمشاكل، وآخر يحرص على دعوة الناس ويسعى جاهدًا لنفعهم، ولكنه مهمل لحقوق أهله وأبنائه، فأين العناية بالأولويات؟ وآخر ينفق على الناس والأيتام والمحتاجين ولكنه يهمل والديه وزوجته وأبناءه، وليس عنده “فقه الأولويات”، وآخر قد يعتني ببعض الشباب ويخرج معهم ويدعوهم ولكنه يغفل عن أهل بيته فلا يدعوهم ولا يجد وقتًا للجلوس معهم، وحال أهله منه في ضيق شديد وعتاب مستمر بسبب غيابه المستمر عن البيت.
وقد رأيت من بعض الدعاة من تكون عنده الهمة العالية في الدعوة والتضحية لأجل هذا الدين، ولكنه أهمل “طلب العلم” فلا يقرأ ولا يسمع ولا يحضر مجالس العلم بحجة الارتباط ببرامج دعوية، وهذا خطأ بلا شك؛ لأن العلم هو أصل الدعوة وأساسها وعمدتها، ودعوة لا تقوم على العلم لا تنجح.
وربنا يقول: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) محمد: 19، وقد فقه البخاري هذا الأمر فأورد هذه الآية تحت باب “العلم قبل القول والعمل”.
ولا يفهم من تذكيرنا بالعلم لذلك الداعية أن يترك الدعوة وينصرف بكليته للعلم، إنما المقصود العناية بمهمات المسائل وأصول العلم مع جعل وقت لنفع الناس ودعوتهم.
والأمثلة التي تتكرر في واقعنا المعاصر لا تعد ولا تحصى، وإنما أردت الإشارة، وبقية القضايا تدرك -بإذن الله- حينما نكون ممن أتقن “فقه الأولويات”.
ولا بد أن أشير إشارة وهي: ضرورة تعليم الناس كيف يفكرون ويخططون ويدرسون الأعمال قبل تنفيذها.
المصدر: موقع الشيخ سلطان العمري.