فاطمة عبد الله البطاح.
“وراء كل رجل عظيم امرأة”!
هذا المثل تختلف وجهات نظرنا حوله بين مؤيد ومعارض!
لكني أحسب أننا جميعًا نتفق على أهمية المرأة في حياة زوجها.
ونثق أن لها دورًا لو أدته فسوف تسير السفينة كما يريد ربانها!
لذا نجد أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- أشار إلى أهمية المرأة في أكثر من موضع؛ حتى نبه الشاب المسلم إلى ضرورة البحث عن (ذات الدين) التي تخاف ربها في الزوج والبيت والولد .
وأحسبكم لا تختلفون معي في أن “الداعية” هو أكثر الناس حاجة إلى وجود امرأة متميزة تسير خلفه، وتقر في بيته، وتساعده على أداء رسالته.
أما لماذا؟ فلأسباب؛ من أهمها:
1- تميز الرجل الداعية عن غيره؛ إذ أنه ليس كغيره من الناس؛ فلا وقته كأوقاتهم، وليست همومه مثل همومهم، وبذلك تختلف أعماله وجهوده عن أعمالهم وجهودهم! فإذا كان الرجل -أي رجل- لا يحمل عادةً إلا همومه الشخصية من مأكل ومشرب وبيت وأولاد! فإن الداعية لا تقف همومه عند حد البيت والولد؛ لأنها ترقى إلى درجة حمل هم إصلاح الأمة بكاملها، وإخراجها من الواقع المنكوب الذي تعيشه.
وإذا كان الرجل العادي ليس له إلا السعي في تحصيل رزقه وإسعاد أهله بتحقيق رغباتهم؛ فإن الداعية تكثر أعماله حتى يضيق وقته عنها؛ ولربما وجدته مع كثرتها وتشعبها يردد مع القائل قوله:
“تكاثرت الظباء على خراش — فما يدري خراش ما يصيد”
وعلى هذا؛ فإن لم تكن المرأة التي تقف خلف هذا الداعية تحفل بشيء من التميز في نظرتها للأمور وفي همها وهمتها ، فلا شك أن سفينة الداعية سوف يصعب عليها مواصلة الإبحار، وربما كان الأمر إيذانًا بدق المسمار الأول في نعشها .
تصوروا رجلاً داعية كلما عاد إلى بيته بعد جهدٍ مضن وعمل قدمه للأمة يريد به وجه الله! وجد امرأة تعلن تبرمها وضيقها من الوقت الطويل الذي أمضته وحدها! أو تعيد على مسامعه قائمة الطلبات الملقاة على ظهره ولم يعبأ بها!
وتصوروا امرأة تطيل النظر في وجه زوجها الداعية، وتندهش للأفكار التي يحملها في رأسه، أو لهذه الهمة التي جعلته يسعى لإصلاح أمور تخص عامة الناس ولا تعنيها!
كأني أرى هذه المرأة وهي تثني زوجها عن عزمه، وتسحب شيئًا من رصيد غيرته على دينه وأمته، وتسعى جادة في إدخال اليأس إلى نفسه، ذاكرة له أمورًا كثيرة يصعب تغييرها!
2- كثرة الصعوبات والمخاطر التي تعترض درب الرجل الداعية، والسهام الدامية التي تُصوَّب ناحيته؛ مما يجعل حاجته ماسة إلى وجود امرأة تتفهم متطلبات المرحلة التي يعيشها زوجها، أو يمر بها؛ فتصبر وتصابر، وتوقن أن زوجها لم يكن الوحيد الذي سار في هذا الدرب المزروع شوكًا وآلامًا؛ فالتاريخ ممتلئ بأسماء رجال كانت دماؤهم ثمنًا لمبادئ سامية تبنوها وجاهدوا لأجل نشرها!
وتوقن أيضًا بأن الأذى الذي سيحيق بزوجها لا يعني أنه خسر “المعركة” فلربما اختبأ النصر في ثوب الخسارة، ولربما تفاجأ الناس بأفكار ومبادئ من رؤوس أصحابها متجاوزة الحدود التي أدخلوا فيها لتنشر وتطبق، ويتناقلها الركبان .
أما إذا لم يكن في بيت الرجل الداعية امرأة واعية تؤمن بكل هذا، فإن بيته لا شك سيفقد استقراره العائلي؛ مما يؤثر على سلوكيات من فيه من أبناء وبنات.
3- حاجة أبناء الرجل الداعية إلى أم مؤمنة متميزة تتحمل تبعات إصلاحهم وتربيتهم في ظل غياب أبيهم المحتمل والمتكرر!
فإذا علمنا أن بعضًا من هؤلاء المجاهدين الدعاة قد رُزقوا بأبناء لم يروهم؛ فإن هذا يزيد من يقيننا بحاجة الرجل الداعية إلى امرأة ليست كسائر النساء.
ويزيد من حجم قناعتنا بأن زوجة الرجل الداعية بحاجة إلى تربية خاصة تؤهلها لتحمل ما قد يجدُّ في حياتها من عقبات ومسؤوليات جسام؛ لتكون بمثابة جبهة داخلية تدفع الزوج بصمودها وصبرها للثبات والاستمرار على موقفه وجهاده، وخاصةً أننا نعيش في هذا العصر العجيب الذي عز فيه الثبات، وكثر المتخاذلون والمتنازلون! ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أختاه: أيتها الأمل، اعلمي أن معاناتك، وصبرك، إنما هو استجابة لأمر الله تعالى بالصبر والمصابرة، وحري بمَن يصبر على طريق الحق أن ينال الجزاء الأوفى من الله.
أختاه الحبيبة:
(1) اجعلي من خديجة -رضي الله عنها- قدوة وأسوة؛ فقد كانت العضد الأقوى، والساعد الأشد لزوجها نبينا -عليه الصلاة والسلام- في رسالته؛ حيث نصرته وصدّقته، وزمَّلته، وقالت له قولتها الشهيرة: (والله لا يخزيك الله أبدًا؛ إنك لتصل الرحم، وتحمل الكّلَّ، وتُكسب المعدوم…) . (1)
(2) سهام الليل أطلقيها في الأسحار، واسألي ربكِ لزوجك ولكل دعاة الحق، الثبات، والعزة، والتأييد، والنصرة.
سهام الليل لا تخطئ ولكن — لها أمدٌ وللأمدِ انقضاء . (2)
(3) انشغلي بتربية أبنائك بأن تزوديهم بالعلم النافع، والعمل الصالح الذي ينشئ التقوى، وازرعي في دواخلهم قناعة بأن المبادئ كلما كانت صحيحة كان ثمن نشرها أولى.
(4) ارفعي رأسك وافتخري! بأن زوجك من حملة الحق، وثقي بأن لواء الحق لا يسقط وإن سقط حامله!
وأخيرًا:
أختاه: قد تلقين ضيمًا أو أذى؛ فالابتلاء يزيد دينكن قوة، فثقي بربكِ واثبتي لعداكِ
والمؤمنات صبرنّ قبلٌ لذاكِ.
أسمى المواقف من ذوي الإشراكٌ . (3)===============
الهوامش:
(1) من حديث عروة بن الزبير عن عائشة: (أول ما بدئ به رسول الله من الوحي) البخاري كتاب بدء الوحي.
(2) ديوان الإمام الشافعي.
(3) مجلة البيان العدد (23) جمادى الأولى 14108 .