دعاء توشك أن تكون من أهله:د. خالد رُوشه.من أدام دعاء يوشك أن يكون من أهله، ومن استمر على رجاء ودعاء وألحّ به يوشك أن يستجاب له، ومن أدمن طرق الباب يوشك أن يفتح له؛ فالذي يكثر من دعاء العلم يوشك أن يكون في ركابه، ومن أكثر من الدعاء بالذكر والشكر صار ذاكرًا شاكرًا، ومن سأل الله الستر والقناعة يوشك أن يصير مستورًا قنوعًا.
يقول النبي صلى الله ليه وسلم: (من سأل الله الشهادة بصدق آتاه الله منازل الشهداء) “أخرجه مسلم”.
والله سبحانه يحب الإلحاح في الدعاء، والثقة فيه، والأخذ بالأسباب لتحققه، ويقول صلى الله ليه وسلم: (ليس شيء أكرم على الله من الدعاء) “أخرجه الترمذي وابن ماجه وأحمد”، ويقول صلى الله عليه وسلم: (من لم يسأل الله يغضب عليه) “أخرجه أحمد”، ويقول صلى الله عليه وسلم: (ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يقبل دعاءً من قلب غافل لاهٍ) “أخرجه أحمد وحسنه الألباني”.
قال ابن القيم: “والدعاء من أنفع الأدوية، وهو عدو البلاء، يدافعه، ويعالجه، ويمنع نزوله، ويرفعه أو يخففه إذا نزل”.
وللدعاء مع البلاء ثلاث أحوال، فإما أن يكون أقوى من البلاء فيدفعه، أو أن يكون أضعف من البلاء فيقوى عليه البلاء فيصاب به العبد ولكن قد يخففه وإن كان ضعيفًا، أو أن يتقاوما ويمنع كل واحد منهما صاحبه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا يغني حذر من قدر). والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، (وإن البلاء لينزل فيلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة) “صحيح الجامع 7739″، ودعاء المؤمن المخلص مستجاب -بإذن الله سبحانه- الله هو الرحيم، يستجيب الدعوات، ويقضي الحاجات، ويفرج الكربات، لكن بحكمته -سبحانه وتعالى- يختار للمؤمن أصلح الأمور وأفضلها، فعن أبي سعيد الخدري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال: إما أن يعجل له دعوته، أو يدخر له من الخير مثلها، أو يصرف عنه من الشر مثلها) قالوا: يا رسول الله، إذًا نكثر، قال: (الله أكثر) “أخرجه أحمد”.
قال ابن القيم: “من أقوى الأسباب في دفع المكروه، وحصول المطلوب، ولكن قد يتخلف عنه أثره إما لضعفه في نفسه بأن يكون دعاء لا يحبه الله لما فيه من العدوان، وإما لضعف القلب وعدم إقباله على الله وجمعيته عليه وقت الدعاء، فيكون بمنزلة القوس الرخو جدًا فإن السهم يخرج منه خروجًا ضعيفًا، وإما لحصول المانع من الإجابة”، وقال: “ومن الآفات التي تمنع ترتب أثر الدعاء عليه أن يستعجل العبد، ويستبطئ الإجابة فيستحسر ويدَع الدعاء، وهو بمنزلة من بذر بذرًا أو غرس غرسًا؛ فجعل يتعاهده ويسقيه، فلما استبطأ كماله وإدراكه تركه وأهمله، وفي البخاري من حديث أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل؛ يقول: دعوت فلم يُستجب لي)”.
والثقة في قدرة الله سبحانه على الإجابة، واليقين بالإجابة تجعلان الدعاء يخرج من قلب المؤمن كالسهم المصوب نحو الإجابة، وكذا العزم الآكد الراسخ في القلب، فقد أخرج البخاري في صحيحه عن أنس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا دعا أحدكم فليعزم المسألة ولا يقولنَّ اللهم إن شئت فأعطني فإنه لا مستكره له) قال الحافظ: “ومعنى الأمر بالعزم: الجد فيه وأن يجزم بوقوع مطلوبه، ولا يعلق ذلك بمشيئة الله تعالى، وإن كان مأمورًا في جميع ما يريد فعله أن يعلقه بمشيئة الله تعالى”، وقيل معنى العزم: أن يحسن الظن بالله في الإجابة.