حفظ اللسان:
استمع …
قال الإمام النووي في كتابه الأذكار: “اعلم أنه لكل مكلف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلا كلامًا تظهرُ المصلحة فيه، ومتى استوى الكلام وتركُه في المصلحة، فالسنة الإِمساك عنه، لأنه قد ينجر بالكلام المباح إلى حرام أو مكروه، بل هذا كثير أو غالب في العادة، والسلامة لا يعدلها شيء”.
ومن آفات اللسان الطعن في الأنساب، والفخر بالأحساب، وإثارة النزعات العنصرية، والقبلية، والطائفية، والعرقية، والإقليمية، التي تفرق وحدة المجتمع، وتوهن عضد الأمة وأيضًا الكذب، والتحديث بكل ما يُسمع، وفي الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع) “رواه مسلم”.
ومن آفاته الشماتة بالمسلم، واحتقاره، والسخرية منه، وشهادة الزور، والمنُّ بالعطية.
ومن أعظم آفات اللسان عامة، وفي شهر رمضان خاصة الغيبة، وهي كما قال عليه الصلاة والسلام: (ذكرك أخاك بما يكره) قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: (إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته)، والغيبة تضر بالصيام، وقد حُكي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن الغيبة تفطر الصائم، وتوجب عليه القضاء، وأخذ بهذا القول بعض أهل العلم، كالإمام الأوزاعي، وابن حزم.
وسواءً كانت غيبة الغير في دينه أو دنياه، وفي خلقه أو خُلُقه، أو ماله أو ولده، أو زوجه، أو أي شيء يمت إليه بصلة، وسواءً كانت باللفظ، أو بالإشارة، أو الرمز، فكل ذلك حرام في دين الله.
وكل قدح في الغير مما يكرهه لا يحل، وهو من الغيبة، وهي درجات: فبعضها أعظم من بعض، بحسب من تُكلِم فيه منزلةً، وبحسب الدافع لها، والحامل عليها، وبحسب المقالة التي قيلت فيه، فمن اغتاب إنسانًا في دينه، فهذا أعظم من القدح في لون ثوبه، أو طريقة مشيه.
والعجب أن أمر الغيبة هان على كثير من الناس، وخّف وقعها عليهم، حتى إن الكبير والصغير، والعالم والجاهل يعملها ويكررها، ولا يأنف، ولا يستنكف، ولا يتردد في أمرها.
فيتوجب على الصائم أن يحفظ صومه، ويتقي الله في لسانه وجوارحه كافة، وأن يحرص كل الحرص على ألا يكون حظه من صيامه الجوع والعطش، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (رُب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش) “رواه أحمد وغيره”.
ولأن اللسان خلق للكلام، فلا شيء يحمي من زلّته مثل إشغاله بقول المعروف، والقول السديد، والقول الحسن، كالذكر، والقرآن، والتسبيح، والكلام الطيب مع الناس، كالثناء عليهم باعتدال، والدعاء لهم، وذكر محاسنهم، وتطييب نفوسهم، وتقديم الخبرة والمشورة والتجربة والنصيحة لهم، وما شاكل هذا من المعاني الخيِّرة، التي تعود على صاحبها بالنفع والخير، وعلى المجتمع بالتواصل والترابط.

المصدر: صحيفة اليوم.

Scroll to Top