انصح ولا تفضح!
مصطفى القيشاوي.
من المعاني السامية والراقية في علاقة المسلمين مع بعضهم البعض معنى النصيحة، التي تعتبر أحد حقوق المسلم على أخيه المسلم، وقد جعلها الإسلام ممثلة له؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة …)، وهذه الكلمة العظيمة التي تعتبر بداية التغيير وتعديل المسار في سلوك الإنسان إنما جاءت من كلمة “المناصحة” وهي الإبرة، فكما أن الإبرة تُخيط وتصلح مكان الثقب في الثوب، فإن النصيحة أيضًا هدفها إصلاح الخلل وسد منافذ العيوب في سلوك وأخلاق الآخرين.
ومن الأمور المهمة التي يجب الانتباه لها جيدًا عند إسداء النصيحة أن يذكر الإنسان محاسن الشخص الذي يريد نصحه قبل أن يوجه له النصيحة، كما فعل النبي _صلى الله عليه وسلم_ عندما أراد أن يوجه الصحابي عبد الله بن عمر _رضي الله عنه_ للاهتمام بقيام الليل، فقال صلى الله عليه وسلم: (نعم الرجل عبد الله بن عمر لو كان يصلي من الليل).
وكذلك يجب الانتباه إلى أهمية اختيار الوقت المناسب لتقديم النصيحة، فليس الناس في كل وقت مستعدين ليسمعوا الكلام ويتقبلوه؛ لأن أحوالهم تختلف من وقت لآخر، وهذا من حكمة الناصح أن يقتنص الأوقات المناسبة، وفي التشريع هناك شيء اسمه (باب التدرج) حيث إن الله _عزّ وجلّ_ كان يراعي استعداد العباد لتقبل الأمر.
وينبغي على الناصح أن يكون ذكيًا ولماحًا فإذا أهدى وردًا لأحبابه فليكن بلا أشواك، وإذا قدّم النصيحة فليدقق في انتقاء واستخدام الكلمات والألفاظ المناسبة التي لا تجرح من يقدمها لهم.
ومن الأمور التي ينبغي مراعاتها كذلك ألا ينصح باستعلاء وتكبر، يُروى أن واعظًا قال للخليفة المأمون: إني واعظك، فمغلظ لك القول، فقال المأمون: “.. مهلًا، فإن الله قد أرسل من هو خير منك، وهو موسى _عليه السلام_ وأخيه هارون، إلى من هو شرّ مني، وهو فرعون، وقال لهما: (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى)”.
 ولا بد أن ينتبه الناصح أيضًا إلى أنه في بعض الأحيان قد ينصح إنسانًا ويحذره من أمر معين فلا يستجيب له، ثم يقع المحظور، فلا تأتي بعد وقوع الكارثة وتبدأ في اللوم والعتاب؛ لأن أصعب وأثقل الكلمات هي كلمات العتاب في لحظات الألم، واحرص أن تكون كلماتك عبارة عن بلسم لتخفيف الجراح وليس لتعميقها، وإن استطعت أن تفعل ذلك تلميحًا لا تصريحًا فهذا من كرم الأخلاق، وقد كان النبي _صلى الله عليه وسلم_ كثيرًا ما يلمح دون أن يصرح حفاظًا على المشاعر، فيقول: (ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا …).
ومن أخطر الأمور في موضوع النصيحة والذي يكون غالبًا رفض النصيحة بسببه هو إسداء النصيحة على الملأ وأمام الآخرين، فعندها تتحول من نصيحة إلى فضيحة، والإسلام دعانا للستر وليس لفضح الآخرين، وفي هذا يقول الإمام الشافعي:
تعمدني بنصحك في انفراد
وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نوع
من التوبيخ لا أرضى استماعه
فإن خالفتني وعصيت قولي
فلا تجزع إذا لم تُعطَ طاعة
كما أن النصيحة لأخيك المسلم هي حق له في رقبتك، سواء أحببته أم لم تحبه، وتأخر النصيحة عن وقتها قد يفقدها قيمتها، كما جاء في قوله تعالى: (وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ )، فلو تأخر هذا الرجل في نصيحته ربما حصل مكروه لسيدنا موسى، وكذلك الأمر مع الناسحاول أن تسرع في إنقاذ الآخرين عندما تراهم يتعرضون لخطر معين حتى لا تندم بعد ذلك ولن ينفع الندم!.
وفي الختام: لا تجزع إذا لم يستجب الآخرون لنصيحتك، بل ربما شككوا فيك وفي نواياك أو حتى تحولوا لكرهك وبغضك، فقد حصل هذا مع الأنبياء (فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين)، وكما يقولون: كانت النصيحة في الماضي تُشترى، ثم صارت تُطلب، ثم صار الناجي بعد نصيحته محظوظًا، ورغم ذلك إياك أن تتوقف عن نصيحة الآخرين؛ لأنك تعرضت للأذى، بل استمر ولكن مع مراعاة أسلوب وشكل ووقت النصيحة.
Scroll to Top