تقديم
فضيلة الشيخ د. عبد الله الجبرين رحمه الله.
تأليف:هناء عبد العزيز الصنيع.

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي خلق فسوى، والذي قدر فهدى، وأفقر وأغنى، ووفق من شاء للعلم والهدى، أحمده سبحانه على ما وهب وأعطى، وأشهد أن لا إله إلا الله له الملك في الآخرة والأولى، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المختار المجتبى صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وأصحابه أولو الفضل والنهى.
أما بعد: فقد قرأت هذه الرسالة الموجهة من إحدى الأخوات إلى جميع المؤمنات في الحث على الدعوة إلى الله تعالى، وعلى الاحتساب للأجر والثواب، وعلى السعي في الإصلاح بين الناس، وعلى حفظ اللسان وحفظ الزمان وغير ذلك من محاسن الأعمال وفضائل الأخلاق الموجهة من هذه الكاتبة إلى أخواتها في الإسلام رجاء استقامة كل أخت على الصراط السوي ورجاء احتساب الأجر في كل عمل تقوم به المرأة من أمور الدنيا والدين، ورجاء الحرص على جميع الأخوات لإنقاذهن من الهلكات وانتظامهن في جملة الداعيات إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة.
ولقد أحسنت الأخت الكاتبة باختيار المواضيع المهمة المتعلقة بالاحتساب، وصاغت المقال بعبارات سلسة تثير الانتباه وتحرك الهمم رجاء أن يكون لها الأثر الكبير في نساء المجتمع، وأن تكون هذه الرسالة وسيلة إلى مقاومة ما يقوم به كثير من النساء المتطرفات من الدعوة إلى الانحلال من الدين وإلى التهتك والتبرج والتفسخ الذي ينافي تعاليم الدين الإسلامي، وأسأل الله أن يجزي الأخت الكاتبة أحسن الجزاء، وأن يكثر في المسلمات أمثالها من الناصحات المخلصات، وأسأله أن ينفع بهذه الرسالة وما قبلها وما بعدها من أراد به خيرًا إنه على كل شيء قدير، والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين.

مقدمة:
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد: فالحمد لله القائل في كتابه (وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراَتِ بِإِذْن الله ذَلِكَ هُوَ الْفَضلُ الْكَبِير) فاطر: 32، و”السابق الذي سبق إلى الأعمال الصالحة…  وهو الذي سبق غيره في أمور الدين.. السبق إلى الخيرات هو الفضل الكبير أي الفضل الذي لا يقدر قدره…  فتارك الاستكثار من الطاعات قد ظلم نفسه باعتبار ما فوتها من الثواب”؛ لذلك حرصت في هذا الكتاب على ذكر أجور بعض الأعمال التي قد يغفل بعض الناس عن احتسابها عند الله، كما أني لم أستوعب جميع جوانب الموضوع فذلك يحتاج إلى موسوعة ضخمة!!
ولكنها إشارات لطيفة تضيء بين عمل وآخر لتقول لكِ: لا تنسي الاحتساب.
متى تقرئين هذا الكتاب؟
، إذا زهدت في العمل الصالح، أو شعرت ببعض الملل والفتور واحتجت لمن يحثك على العمل.
، إذا كنت تجهلين ثواب الأعمال الصالحة.
، إذا كنت هميمة حريصة على الأعمال الصالحة، وترغبين في زيادة همتك.
، عندما ترغبين في إلقاء كلمة عن احتساب الأجر.
، إذا شعرت بأن الأيام تنفرط بين يديك انفراط العقد، وأنت عاجزة أن تجمعي حبيبات هذا العقد لأنها أيام عمرك والأيام لا تعود.
، وأخيرًا  إذا كنت تحبين أهلك فاقرئي عليهم هذا الكتاب لتعلميهم أهمية الاحتساب كي لا تذهب أيامهم هدرًا وهم أعز الناس عليك وأحقهم بالنصح منك،  ولا تنسي يا عزيزتي أن تشرحي لأولادك بشكل مبسط أجور احتساب الأعمال التي ستطالعينها في الصفحات القادمة حتى تربيهم على احتساب الأجر منذ الآن.
هناء الصنيع- الرياض -1422
Hana.s3a@Gmail.com

أنت تحبين الله ولكن هل تريدين أن يحبك الله؟
جواب جميل…
فقد قال بعض الحكماء العلماء “ليس الشأن أن تُحِب إنما الشأن أن تُحَب”.
تريدين الطريقة؟
تقربي إلى الله يحبك الله، قال الله تعالى في الحديث القدسي: (… وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه…)، ومن فازت بمحبة الله فقد سعدت في الدنيا والآخرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أحب الله العبد نادى جبريل: إن الله يحب فلانًا فأحبه فيحبه جبريل فينادي جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلانًا فأحبوه فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض)، قال الحافظ ابن حجر:  “المراد بالقبول في حديث الباب: قبول القلوب له بالمحبة والميل إليه، والرضا عنه، ويؤخذ منه أن محبة قلوب الناس علامة محبة الله”.
وإن قلتِ كيف أتقرب إلى الله حتى أفوز بمحبته؟
حسنًا لقد بدأتِ إذن، تعلمي كيف تجمعين الحسنات أي كيف تحتسبين الأجر والثواب من الله في جميع أعمالك، تعلمي فن التخطيط لمستقبلك في الآخرة كما أتقنتِ فن التخطيط لحياتك الدنيا، تعرفي على أفضل الأعمال، وأفضل الأيام،  وأفضل الصدقات، اسألي عن أعظم الأجور، وطرق كسبها، ابحثي عن أهل الخير وابني معهم علاقات قوية، استفيدي منهم واستشيريهم، تعلمي منهم كيف تتقربين إلى الله حتى يحبك سبحانه، وشمري عن العمل للآخرة كما شمرتِ من قبل للدنيا حينما كنتِ تستشيرين أهل الدنيا في أمورها للحصول على أفضل النتائج، عندما كنتِ تسألين قريباتك وصديقاتك من أين أشتري أجمل الملابس؟ وأي المحلات أقل في الأسعار؟ وأي الأقمشة أجود في الأنواع؟ وأي الألوان يناسب دمجه مع لون آخر؟ و…….؟ لاحظي أنك هنا سألتِ، وبحثتِ، وتعلمتِ، كل ذلك حرصًا منكِ على إتقان عملك، وظهوره في أفضل صورة.
إن امرأة مثلك نبغت في أمر دنياها لا أظنها عاجزة أبدًا عن النبوغ والتفوق في أمر أخراها؛ لأن تفوقك في أمور الدنيا أكبر دليل لك أنت شخصيًا على قدرتك على الإنتاج والتفاني حينما ترغبين وفي المجال الذي تحبين، فلا تذهبن أيامك من بين يديك هكذا وأنتِ تنظرين! بل جددي وغيري؛ فالناس يحبون التجديد والتغيير في الأثاث، في الملابس،  في الأواني، ولكن تجديدك هنا من نوع آخر، في أمر أرقى من ذلك وأعلى، تجديد من نوع خاص جدًا، إنه تجديد في نيتك، أي في حياتك كلها.
نعم غيري للأفضل للنية الحسنة،  غيري وتعلمي كيف تحتسبين الأجر من الله في كل صغيرة وكبيرة في تبسمك وغضبك، في نومك، في أكلك، وفي ذهابك وإيابك، في كل شيء،  كل شيء، “وكذلك تجري النية في المباحات والأمور الدنيوية، فإن من قصد بكسبه وأعماله الدنيوية والعادية الاستعانة بذلك على القيام بحق الله وقيامه بالواجبات والمستحبات، واستصحب هذه النية الصالحة في أكله وشربه ونومه وراحته ومكاسبه انقلبت عاداته عبادات، وبارك الله للعبد في أعماله، وفتح له من أبواب الخير والرزق أمورًا لا يحتسبها ولا تخطر له على بال، ومن فاتته هذه النية الصالحة لجهله أو تهاونه فلا يلومن إلا نفسه،  وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنك لن تعمل عملاً تبتغي فيه وجه الله إلا أجرت عليه، حتى ما تجعله في فيّ امرأتك) “.

هل بدأت باحتساب الأجر؟
رائع، وأظنك ستبدئين باحتساب الأجر الآن وأنت تقرئين هذا الكتاب
تُرى ماذا ستحتسبين؟
1) طلب العلم الشرعي.
2) رفع الجهل عن نفسك وعن المسلمين.
3) قضاء وقتك فيما يعود عليك بالنفع.
4) التقرب إلى الله بجمع أكبر قدر ممكن من الحسنات عن طريق احتساب أجور الأعمال التي سترد في هذا الكتاب، وقد يفتح الله عليك فيوفقك لاحتساب أمور أخرى لم تُذكر هنا! و(ذَلِكَ فَضلُ الله يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَالله ذُو الْفَضلِ الْعَظِيم) الحديد: 21.

عفوًا ما معنى الاحتساب؟
يجيبك ابن الأثير قائلاً: “الاحتساب في الأعمال الصالحة وعند المكروهات هو البدار إلى طلب الأجر وتحصيله بالتسليم والصبر، أو باستعمال أنواع البر والقيام بها على الوجه المرسوم فيها طلبًا للثواب المرجو منها”؛ فاحتسبي أعمالك اليومية كفعل الخيرات، والصبر على المكروهات،  والحركات والسكنات؛ ليحسب ذلك من عملك الصالح.
إن الاحتساب عمل قلبي، لا محل له في اللسان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا بأن النية محلها القلب، وأنتِ عندما تحتسبين الأجر من الله ذلك يعني أنك تطلبينه منه تعالى، والله عز وجل لا يخفى عليه شيء، قال الله تعالى: (قل إِنْ تُخْفُوا مَا في صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلمْهُ الَله) آل عمران: 29.
والعمل لا بد فيه من النية؛  فالتي تحتسب وتنوي بعملها وجه الله فهو لله، والتي تنوي بعملها الدنيا فهو للدنيا فالأمر خطير جدًا، و”النيات تختلف اختلافًا عظيمًا وتتباين تباينًا بعيدًا كما بين السماء والأرض، من الناس من نيته في القمة في أعلى شيء، ومن الناس من نيته في القمامة في أخس شيء وأدنى شيء.  فإن نويتِ الله والدار الآخرة في أعمالك الشرعية حصل لك ذلك، وإن نويتِ الدنيا فقد تحصل وقد لا تحصل، قال الله تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَة عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نشاءُ لمنِ نُرِيدُ) الإسراء: 18، ما قال عجلنا له ما يريد!! بل قال ما نشاء أي لا ما يشاء هو” لمن نريد -لا لكل إنسان- فقيّد المُعَجَّل والمُعَجَّلِ له.
إذًا من الناس من يُعطى ما يريد من الدنيا ومنهم من يُعطى شيئًا منه ومنهم من لا يُعطى شيئًا أبدًا، وهذا معنى قول الله تعالى: (عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نشاءُ لمن نُرِيدُ)، أما قول الله تعالى: (وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسعَى لَها سعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سعْيُهُمْ مَشكُورًا) الإسراء: 19، فلا بد أن يجني هذا العمل الذي أراد به وجه الله والدار الآخرة”.
وهذا يعني أن تحرصي على الاحتساب، ولا تنسي كذلك أجر احتساب النية الصالحة الذي لا يضيعه الله أبدًا حتى وإن لم تتمكني من أداء العمل الصالح الذي تنوين القيام به!! “إن الإنسان إذا نوى العمل الصالح ولكنه حبسه عنه حابس فإنه يكتب له الأجر، أجر ما نوى، أما إذا كان يعمله في حال عدم العذر، أي: لما كان قادرًا كان يعمله ثم عجز عنه فيما بعد فإنه يكتب له أجر العمل كاملاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا)”، فمثلاً: إذا كان من عادته أن يصلي تطوعًا و لكنه منعه مانع، ولم يتمكن منه فإنه يكتب له أجره كاملاً، أما إذا كان ليس من عادته أن يفعله فإنه يكتب له أجر النية فقط دون أجر العمل، ولهذا ذكر النبي عليه الصلاة والسلام في من أتاه الله ما لا فجعل ينفقه في سبيل الخير وكان رجل فقير يقول لو أن لي مال فلان لعملت فيه عمل فلان، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فهو بنيته فأجرهما سواء)،أي: سواء في أجر النية أما العمل فإنه لا يُكتب له أجره إلا إن كان من عادته أن يعمله”.
إن تعويدك نفسك على احتساب الأعمال خير على خير؛ فمن فضل الله ورحمته بعباده أنه “من كان من نيته عمل الخير، ولكنه اشتغل بعمل آخر أفضل منه، ولا يمكنه الجمع بين الأمرين: فهو أولى أن يكتب له ذلك العمل الذي منعه منه عمل أفضل منه، بل لو اشتغل بنظيره وفضل الله تعالى عظيم”.

لماذا من المهم أن تحتسبي الأجر في كل شيء؟
1) حتى تحققي الغاية التي خلقت من أجلها؛ لأن خروجك إلى الحياة حدث عظيم ترتب عليه أمور كُلفت بها وتحاسبين عليها؛ لذلك “فإنه ينبغي للمسلم أن يكون همه وقصده في هذه الحياة تحقيق الغاية التي خلق من أجلها، وهي عبادة الله تعالى، والفوز برضى الله ونعيمه، والنجاة من غضبه وعذابه، وأن يحرص على أن تكون نيته في كل ما يأتي وما يذر خالصة لوجه الله تعالى سواء في ذلك الأمور والعبادات الواجبة أم المندوبة، أم المباحات، أم التروك، فحينئذ تتحول المباحات إلى عبادات، ويثاب على تركه للمحرمات، وقد دل على ذلك أدلة كثيرة …”.
يا رقة الندى: إن حرصكِ على احتساب الأجر في جميع أمورك سوف يجعلك في عبادة مستمرة لا تنقطع فتكونين بإذن الله قد قمتِ بما خلقك الله له، قال الله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجن وَالإنْسَ إِلا ليَعْبُدُونِ) الذاريات: 56.
2) الاحتساب مهم جدًا؛ لأنه سوف يميز عباداتك عن عاداتك، “ولا بد أيضًا أن يميز العادة عن العبادة، فمثلاً الاغتسال يقع نظافة أو تبردًا، ويقع عن الحدث الأكبر، وعن غسل الميت، وللجمعة ونحوها، فلا بد أن ينوي فيه رفع الحدث أو ذلك الغسل المستحب؛ فالعبرة في ذلك كله على النية”.
3) أنتِ بحاجة ماسة إلى احتساب النية الصالحة؛ لأن جميع الأعمال مربوطة بالنية قبولاً ورداً وثوابًا وعقابًا، ويدل لذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى).
الآن: ألا يبدو لكِ الأمر مهمًا وخطيرًا؟ إذن، هيا لنحتسب كلنا.

لماذا الحديث عن الاحتساب؟
يا زهرة البراري: قد تزهدين في العمل الصالح أحيانًا بمعنى أنكِ لا تجدين حماسة له، ولربما كان السبب في ذلك أنكِ لا تعلمين أهمية هذا العمل ولا الثواب المترتب عليه، أو أنكِ تجهلين أن بعض الأعمال البسيطة قد تبلغ بكِ المنازل العالية فتهمليها، وفي الغالب يُفسر ذلك كله بعدم وجود الاحتساب في حياتك.
ربما لا تدرين ما هو الاحتساب؟ ولا ماذا تحتسبين؟
عندما تقومين ببعض الأعمال الصالحة قد تجدين من ينكر عليك ويقول لكِ: لا تتعبي نفسكِ يكفي ما قمتِ به سابقًا لماذا كل هذا المجهود؟ الأمر لا يستدعي ذلك، لا تحرمي نفسكِ فأنتِ ما زلتِ شابة، سبحان الله! وهل العمل إلا في الشباب! لو علم هؤلاء أنهم هم المحرومون، وأنتِ من يقول لهم: كفى، كفى أريحوا أنفسكم من اللهو والعبث، ولا تتعبوها بالغفلة، وارحموها من حمل أثقال المعاصي المتراكمة، أما إن كان ما تقومين به من أعمال صالحة فيها منفعة للآخرين كقضاء حاجات المسلمين من أقارب وأخوات في الله والتودد إليهم؛ فستسمعين من ضعيفات الإيمان عبارات من نوع: إنهم لا يستحقون ما تفعلينه لأجلهم، في كل مرة تساعدينهم وهم لم يساعدوك مرة واحدة، هل سبق أن قدمت لكِ فلانة هدية حتى تهديها تلك الهدية القيمة؟ …إلخ.
وكأننا خلقنا لنعمل من أجل الناس! فإن أرضونا تفانينا في الإحسان لهم، وأن أغضبونا تفانينا في الإساءة إليهم! إذًا ماذا بقي للآخرة؟ ما الذي ستجدينه في صحيفتك إذا كانت أعمالك كلها منصرفة للبشر حسب علاقتك الشخصية بهم وليست لله وحده! إن الأيام لتذهب سريعًا فلا تفاجئي بخلو صحيفتك من الأعمال التي تبتغين بها وجه الله.
أشعرت -عزيزتي- بأن هناك من يزهد في العمل الصالح، بل ربما يعتبر بعض الأعمال الصالحة ضعفًا ومهانة! كالعفو والحلم مثلاً! لأجل ذلك كله كان الحديث عن احتساب الأجر أمرًا نحتاج إليه.

ما الأمور التي تدفعك للحرص على احتساب الأجر في أعمالك كلها؟
سرعة مرور الوقت وهذا يعاني منه الجميع فاستغلي الدقائق قبل الساعات وقد قيل: “أمْسُك الذي مضى عن قربه، يعجز أهل الأرض عن رده”.
موت الفجأة (قُلْ إِنَّ الموْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عَالم الْغَيْبِ وَالشهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بما كُنْتُمْ تَعْمَلُون) الجمعة: 8.
تغير الأحوال من صحة إلى مرض،  ومن غنى إلى فقر، ومن أمن إلى خوف، ومن فراغ إلى شغل، ومن شباب إلى شيخوخة، ومن حياة إلى موت.
لأنكِ محتاجة إلى أعمال كثيرة تثقلين بها الميزان؛ فالإنسان سرعان ما يفسد أعماله الصالحة بلسانه من كذب وغيبة ونميمة وسخرية، (وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم)، فقد تأتين يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال فتجدين لسانك قد هدمها عليك؛ فلا تكوني ممن لهن النصيب الأكبر من ويلات اللسان، فما أحوجنا إلى حسنة واحدة يثقل بها الميزان.
استشعري التقصير والتفريط في جنب الله (أَنْ تَقُولَ نَفْس يَا حَسرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ في جَنْبِ الّلَه وَإِنْ كُنْتُ لمنَ الساخِرِينَ) الزمر: 56.
الخوف من الله، (وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع لعلهم يتقون) الأنعام: 51، الخوف من الله دافع قوي للعمل الصالح.
الرغبة في حصول الأجر والثواب، (والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفًا تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نعم أجر العاملين) العنكبوت: 58.
فرصة العيش في الحياة الدنيا واحدة لا تتكرر لتعويض ما فات، قال الله تعالى: (أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين) الزمر: 58، ومع أنها فرصة واحدة إلا أنها تنقضي بسرعة أيضًا! فعندما تتحدثين مع جدتك وتقولين لها: احكي لي قصة حياتك خلال الستين سنة الماضية فستحكيها لكِ في ساعة أو ساعتين! الله أكبر، أين ذهبت تلك السنون الطوال! لا شك أن الحديث عنها سينتهي في يومين على أكثر تقدير! قال الله تعالى: (ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم.) يونس: 45، “أي اذكر يوم نحشرهم (كأن لم يلبثوا) في الدنيا (إلا ساعة من النهار) أي شيئًا قليلاً منه، استقلوا المدة الطويلة إما لأنهم ضيعوا أعمارهم في الدنيا فجعلوا وجودها كالعدم، أو استقصروها للدهش والحيرة، أو لطول وقوفهم في المحشر، أو لشدة ما هم فيه من العذاب نسوا لذات الدنيا وكأنها لم تكن، وجملة (يتعارفون بينهم) أي يعرف بعضهم بعضًا، وذلك عند خروجهم من القبور، ثم تنقطع التعاريف بينهم لما بين أيديهم من الأمور المدهشة للعقول المذهلة للأفهام، وقيل إن هذا التعارف هو تعارف التوبيخ والتقريع، يقول بعضهم لبعض: أنت أضللتني وأغويتني لا تعارف شفقة ورأفة..”.

ما فوائد الاحتساب؟
هل تعلمين أنكِ عندما تحاولين احتساب الأجر في جميع أعمالك قد حصلت لكِ فوائد عظيمة لا تتوفر عند من لا تهتم بالاحتساب! إن لم تمانعي فسأسردها عليك.
فوائد الاحتساب:
“دليل كمال الإيمان وحسن الإسلام.
الفوز بالجنة والنجاة من النار.
حصول السعادة في الدارين.
الاحتساب في الطاعات يجعلها خالصة لوجه الله تعالى وليس لها جزاء إلا الجنة.
الاحتساب في المكاره يضاعف أجر الصبر عليها.
الاحتساب يبعد صاحبه عن شبهة الرياء، ويزيد ثقته بربه.
الاحتساب في المكاره يدفع الحزن، ويجلب السرور، ويحول ما ظنه الإنسان نقمة إلى نعمة.
الاحتساب في الطاعات يجعل صاحبه قرير العين مسرور الفؤاد بما يدخره عند ربه فيتضاعف رصيده الإيماني، وتقوى روحه المعنوية.
الاحتساب دليل الرضا بقضاء الله وقدره، ودليل على حسن الظن بالله تعالى.
علامة على صلاح العبد واستقامته.
اتباع للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم”.

أراك دائمًا تحرصين أن تكوني محبوبة من الناس..  وهذا شيء طيب ولكن، ليكن طموحك أعلى؛ فحب أهل الأرض وحده لا يكفيك! كما أنه صعب المنال إلا إذا أحبك أهل السماء!!  تقولين: كيف؟ أقول لكِ: عليك بالاحتساب فهو عمل صالح، والمداومة عليه تجعل حياتك كلها طاعات، والطاعة طريق موصل إلى محبة الله.
وإذا أحبك الله، أحبك أهل السماء ووضع لك القبول في الأرض، روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله إذا أحب عبدًا دعا جبريل فقال: إني أحب فلانًا فأحبه، قال فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانًا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبدًا دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانًا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلانًا فأبغضوه، قال فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض).
بالاحتساب تؤدين شكر النعم؛ لأن الاحتساب طاعة، ومن شكر النعم العمل بالطاعات، والله يجازيك على شكرك للنعم بأن يزيدك من الطاعات؛ فيعينك عليها، وييسرها لكِ، ويحببها إلى قلبك؛ فتجدين الأنس والمتعة في عملها، فيسهل عليك أمر الاحتساب وغيره، قال الحسن رضي الله عنه في قول الله تعالى: (لَئِنْ شكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُم) قال: “أي من طاعتي”.
إن التي تحتسب الأجر من الله في أعمالها لا تتأذى، ولا تتأثر من عدم شكر الناس لجهودها الطيبة معهم، وعدم تقديرهم لما تقوم به من أجلهم؛ لأنها لا ترجو من الناس جزاءً ولا شكورًا إنما تبتغي بذلك وجه الله فهي هادئة البال مطمئنة النفس حتى وإن قوبل إحسانها بالإساءة فما دام أن مبتغاها قد تحقق فلا يضيرها ما وراء ذلك؛ لأن لا مطلب لها فيه أصلا.

الاحتساب في التروك:
-ترك المعاصي والمحرمات- طاعة تثبت قلبك، وتقوي عزيمتك؛ لأن ترك المعصية مع قدرتك عليها لوجه الله يجعلك تتلذذين وتسعدين بتركها؛ لأنك ترجين أجر امتثالك لأمر الله ووقوفك عند حدوده تبتغين بذلك ثواب التقوى والخوف من الله (وَلمن خَافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) الرحمن: 46، “والذي خاف ربه وقيامه عليه فترك ما نهى عنه، وفعل ما أمر به، له جنتان من ذهب، آنيتهما وحليتهما وبنيانهما وما فيهما، إحدى الجنتين جزاء على ترك المنهيات والأخرى على فعل الطاعات”.
المحيط الصغير الذي تعيشين فيه سيكتسب منك هذا الخلق الحسن -الاحتساب- لأنهم سيشعرون به ويعايشونه واقعًا حيًا أمامهم؛ مما يجعل له أثرًا عميقًا في أنفسهم، وأقصد هنا أهلك وزوجك وأولادك وغيرهم ممن تحتكين بهم يوميًا كمحيط العمل مثلاً؛ فتكونين بذلك دعوت عمليًا إلى هدى، فلكِ أجره  وأجر من عمل به إلى يوم القيامة بإذن الله.
من فوائد الاحتساب التي تجنينها في الدنيا مع ما يدخر لكِ من الثواب في الآخرة، أنكِ إذا جعلت همك رضا الله والتقرب إليه باحتساب العبادات المختلفة فإن الجزاء من جنس العمل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، ومن كانت الآخرة نيته جمع الله له أمره، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة).
وما ظنك بمن تحتسب الأجر من الله في كل شيء أليست ممن كانت الآخرة نيته.
وإن لم تكن هي فمن! إنه قلب عاش وتنفس يستشعر العبادة في جميع سكناته وحركاته يطلب ثوابها من الله، فسره وشرحه من خلقه ويسر له أمر دنياه وأخراه؛ فاجعلي الآخرة همك تصبحين وتمسين تفكرين: كيف أرضي ربي.
الاحتساب يزيدك رفعة عند خالقك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص: (إنك لن تُخْلف فتعمل عملاً تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعة..).
عندما تعتادين المداومة على احتساب العمل الصالح فستربحين مثل أجور أعمالك عندما لا يمكنك القيام بها لعذر شرعي! لا تتعجبي! فإن فضل الله واسع، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا) هل تحمستِ لذلك؟ قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “أيها الناس، احتسبوا أعمالكم، فإن من احتسب عمله، كتب له أجر عمله وأجر حسبته”.

ماذا تحتسبين في الدعوة إلى الله؟
هل فكرتِ يومًا أن تكوني دليل خير للأخريات؟ أعتقد أن هذا العمل سيدخل السرور إلى قلبك، وستشعرين خلال قيامك به بانشراح كبير في صدرك يدفع ذلك الملل والضيق الذي تحسين به أحيانًا (فدليل الخير) وقتها عامر وزاخر وقلبها سعيد؛ لأنها تشعر بأنها تعمل من أجل أمتها الإسلامية فهي ترشف دفقات من السعادة يعكسها حب الدلالة إلى الخير على قلبها.
كيف تصبحين دليل خير؟ الأمر سهل جدًا، إنكِ يا عزيزتي ستسارعين في نشر الخير بشتى أنواعه فمثلاً: تعلنين بين النساء عن المحاضرات المفيدة، أو الأشرطة والكتب النافعة، وتحاولين توفيرها للأخريات حسب قدرتك، توزعين أو تعلنين عن المجلات الهادفة، والمواقع الإلكترونية الجيدة، تناصرين أهل الخير بأقوالك وأفعالك وتدلين على أماكن الخير كدور تحفيظ القرآن الكريم النسائية والمراكز الصيفية الجيدة وما تقدمه من أنشطة، وتبلغين المعلومة النافعة بقلمك، بلسانك، هنا، ستجدين نفسك دليل خير وداعية إلى الله.
ولكن يا إلهي! هل تعلمين ماذا يعني أن تكوني داعية إلى الله؟ هذا يعني أنني لن أستطيع أن أحصي الأعمال التي ستحتسبين ثوابها!! فهي كثيرة جدًا ولكن حسبي أن أقول لكِ: إن ما تقومين به أكثر من رائع فما أجمل أن تحتسبي هذه العبادات:
1) أجر الدلالة على الخير، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من دل على خير فله مثل أجر فاعله)، فالأشخاص الذين استفادوا من دعوتك لهم سيأتيك بإذن الله مثل أجور أعمالهم التي كان لكِ الفضل بعد الله في دلالتهم عليها، فما أسعدكِ أيتها الداعية بمثل أجور من قد يفوقونك في العمل والإخلاص!.
2) أجر الدعوة إلى الهدى، قال نبينا صلى الله عليه وسلم: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا)، وهكذا يتضاعف أجرك بعدد الذين يستجيبون لكِ.
3) ثواب تعليم الناس الخير، ألا تحبين أن يصلي الله وملائكته عليكِ؟ ليس هذا فحسب فقد قال حبيبنا صلى الله عليه وسلم: (إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلمي الناس الخير).
4) ثواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي تنطق به كلمات الداعية وأفعالها، مع ما يترتب عليه من حصولك على الفلاح وهو جماع الخير، قال الله تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلى الْخَير وَيأْمُرُونَ بِالْمعَرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمنكرِ وأُولَئِكَ هُمُ الْمفلحُون) آل عمران: 104.
5) ثواب الكلمة الطيبة، “ولعل الكلمة الطيبة هي من أنواع ما عناه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله فيما رواه البخاري: (إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات)، ولقد ورد في فتح الباري (11/311)”، والكلمة التي ترفع بها الدرجات ويكتب الله بها الرضوان هي التي يدفع بها عن مسلم مظلمة أو يُفرج عنه كربة، أو ينصر بها مظلومًا”؛ فكيف بالكلمة التي تدفع عن مجموع المسلمين المظالم، وتدفع عنهم الكرب بدعوتهم إلى إقامة الشرع وكيف بعبارات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ وإذا كانت الدرجات ترفع بما يحقق المصالح الدنيوية، فكيف بما يحقق المصالح الأخروية؟ وعلى الأدنى يقاس الأعلى.، وكيف بالكلمات التي تقود إلى قيام مجتمع مسلم(“.
6) أجر هداية الناس، قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: (فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حمر النعم).
7) احتسبي أن العبادة كلما كان نفعها متعديًا كان ثوابها أعظم، فما ظنك بالدعوة إلى الله.
8) أن يعطيك الله علم ما لم تعلميه؛ لأن طبيعة العمل الدعوي تستلزم الاستزادة من العلم الشرعي والمطالعة المكثفة للكتب إضافةً إلى سماع أو حضور الدروس العلمية المساندة، وتستلزم أيضًا الاحتكاك المباشر بالناس وقد ترد عليكِ منهم الأسئلة والاستفسارات التي تدفعكِ للبحث عن إجابات لها ومن ثم يزداد علمكِ ويتسع وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
9) زكاة للعلم الشرعي الذي تحملينه، وحفظًا له من النسيان؛ لأن بذل العلم يعين على ثباته بإذن الله.
10) أنتِ بحاجة يومية لانشراح الصدر، والرضا عن النفس، ونشاطك الدعوي سيحقق لكِ ذلك الإحساس؛ لأنك تعملين وتنتجين والنفس تسعد، والصدر ينشرح إذا شعر المرء بأنه ينفع المسلمين ويفعل شيئًا.
11 بركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال: (نضر الله امرأ سمع منا شيئًا فبلغه كما سمعه، فرب مبلغ أوعى من سامع)، فبلغي واحتسبي.
12) ثواب امتثال أمر الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال: (بلغوا عني ولو آية)، “أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتبليغ عنه ولو آية، ودعا لمن بلغ عنه ولو حديثًا، وتبليغ سنته إلى الأمة أفضل من تبليغ السهام إلى نحور العدو؛ لأن تبليغ السهام يفعله الكثير من الناس وأما تبليغ السنن فلا يقوم به إلا ورثة الأنبياء وخلفاؤهم في أممهم، جعلنا الله منهم بمنه و كرمه”.
13 أن تحصل لكِ التزكية من الله تعالى: (ومَنْ أَحْسنُ قولاً ممن دَعَا إلى الله وَعَمِل صالحًا وقَالَ إِنَّنِي مِنَ المسلِمِين) فصلت: 33، والنفس يعجبها الثناء من الناس فكيف إذا أتاكِ الثناء من رب الناس؟
14) طاعة لله سبحانه؛ لأنه أمرنا بالدعوة إليه (ادْعُ إِلى سبِيلِ رَبِّكَ بِالحكمةِ وَاْلمَوْعِظَةِ الْحَسنَةِ وجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسنُ) النحل: 125، وأنتِ مأجورة على الطاعة.
15) ثواب حمل هم الدعوة إلى الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم -حتى الشوكة يشاكها- إلا كفر الله بها من خطاياه)، وهم الدعوة ثقيل، ثقيل، لكنه رائع! لأنه يدفعكِ إلى التفكير، ثم العمل، فيكون هذا الهم سببًا في استغلالكِ للحظات عمركِ السريعة بأعمال أجرها كبير، بخلاف من لا تحمل هم المسلمين تجدينها متبلدة جامدة تمر عليها السنون ويومها مثل أمسها لا جديد تقدمه لنفسها ودينها إلا جبالاً من ثقافة الملابس… الأثاث… المكياج، وبالتأكيد لا أقصد هنا الهم الذي يقعد صاحبه عن العمل ويدخله في دوامة الأحزان، ويشل حركته ويؤثر على عبادته، بل الذي أريده منكِ هو “الهم الإيجابي” الذي يدفعكِ للعمل! الهم الذي يجعلكِ تدعين للمسلمين، تنفقين، تتبنين قضاياهم، تعملين من أجلهم، تتفاعلين مع أحداث الساحة، تنتجين”، إن حمل هم المسلمين عبادة تتقربين بها إلى الله فيجب ألا تؤدي العبادة إلى التقصير في العبادات الأخرى”.
16) احتسبي نصرة الإسلام وأهله، ونصرة المصلحين في كل مكان؛ لأن الهدف واحد قال الله تعالى:  (وَلَيَنصُرَنَّ الله مَن يَنصُرُهُ إِنَّ الله لَقوِيٌّ عَزِيزٌ) الحج: 40.
17) ثواب قضاء حاجة المسلمين، وتفريج الكربة عنهم وذلك بتعليمهم أمور دينهم، ورفع الجهل عنهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (… ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة)، وهل هناك أفضل من قضاء حاجة مسلم بتعليمه أمر دينه؟ وهل هناك أعظم من كشف كربة الجهل عن المسلمين؟ فكوني لها داعية صابرة محتسبة.
18) ثواب مواجهة الفساد والتصدي له، وما يتبع ذلك من جهد ذهني، ونفسي، وبدني ومالي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (.. النصر مع الصبر، والفرج مع الكرب، وإن مع العسر يسرًا، وإن مع العسر يسرًا)، فابشري بالنصر، والفرج واليسر.
19) احتسبي إبراء الذمة أمام الله.
20) ابتغاء أن يحفظكِ الله في الشدة كما حفظته في الرخاء؛ لذا كان من وصية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنه: (احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة)، فانشطي أيام العافية والسلامة في الأعمال الدعوية ليحفظك ربك عند حاجتك.
21) أجر الصبر على مشقة طريق الدعوة وطوله، وما تلاقينه من جهل العامة وأذى المخالفين، قال الله تعالى: (وَجَزَاهُمْ بمَا صَبَروا جَنَّةً وَحَرِيرًا) الإنسان: 12.
22) أجر التعاون على البر والتقوى، قال الله تعالى:  (وَ تَعَاوَنُوا عَلى الْبر وَالتَّقْوَى) المائدة: 2، لأن انخراطك في الدعوة إلى الله يعني أنكِ تتعاونين مع كل المصلحين على وجه الأرض.
23) ابتغاء أن يهديكِ الله إلى الصراط المستقيم، قال الله سبحانه:  (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سبُلَنَا وَإِنَّ الله لَمعَ المحْسنِين) العنكبوت: 69.
24) ثواب قضاء الأوقات بعبادة عظيمة -الدعوة إلى الله- تؤجرين عليها، وهذا يعينكِ بإذن الله على الإجابة الطيبة عندما تُسألين يوم القيامة عن عمركِ فيما أفنيته؟  وعن جسمك فيما أبليته؟ وعن مالكِ فيم أنفقته(.
25) احتسبي أنكِ تسدين ثغرة للمسلمين بارك الله فيكِ.
26) احتسبي أن تكوني قدوة للآخرين في المسارعة للعمل الدعوي فإن من يحيطون بكِ سيتأثرون بنشاطكِ الدعوي وسيحاولون السير على نهجكِ حسب قدراتهم ويبقى لكِ فضل الدلالة على الخير بالقدوة العملية.
27) احتسبي جميع حركات جوارحكِ التي تخدمين بها الدعوة إلى الله، عينيك، أذنيك، لسانك،  يديك، قدميك، واحتسبي أن تسخير عقلكِ وجوارحكِ لخدمة دينكِ من باب شكر الله على تلك النعم.
28) ثباتًا لكِ، واعتبارًا بالآخرين؛ لأن عملكِ في الدعوة إلى الله سيجعلكِ تشعرين بعظم نعمة الله عليك، حيث ستستمعين إلى معاناة نساء كثيرات، وستطلعين على أحوال أخريات، وكل ذلك يدفعكِ إلى التأمل في نعم الله التي تتقلبين فيها، ويزيد من خضوعكِ وتذللكِ لرب السماوات، كما أنكِ ستحقرين عملكِ عندما تقابلين النماذج الرائعة من الصالحات؛ مما يدفعكِ لمزيد بذل جهد قبل الفوات.

ماذا تحتسبين عند استخدامك للهاتف؟
جهاز صغير في منزلك تستطيعين من خلاله جمع عدد كبير من الحسنات بإذن الله! بيد أن النساء بين مُفْرطة فيه ومُفَرطة، فكوني أنت وسطًا بينهن تتحكمين فيه ولا يتحكم فيك، هل عرفته؟ أحسنتِ، فهلاَّ احتسبت يا فراشة الزهور هذه الأمور عند استخدامك الهاتف:
1 ثواب صلة الرحم عند محادثتك لذوي رحمك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سره أن يبسط له في رزقه ويُنسأ له في أثره؟ فليصل رحمه).
2 ثواب إدخال السرور على من تحادثين، عند اتصالك للسلام والسؤال عن الحال.
3) ثواب الكلمة الطيبة، في مكالمات التهنئة أو التعزية وغيرها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الكلمة الطيبة صدقة).
4) احتسبي نية العبادة والتقرب إلى الله عند استخدامك للهاتف بما يفيد.
5) احتسبي الحفاظ على وقتك باستعمال الهاتف لعمل أكثر من عبادة في وقت قصير، مثال: مكالمة هاتفية تجرينها مع والدتك ستحتسبين فيها العبادات التالية: بر الوالدين، صلة الرحم، إدخال السرور على مسلمة، قضاء حاجتها إن كان لها حاجة، الكلمة الطيبة، أجر السلام في بداية الاتصال ونهايته.
6) أجر قضاء حوائج المسلمين، عندما تتصل بك من تطلب منكِ بعض الحاجيات أو المساعدة في حل مشكلة تعاني منها، وقد يستدعي الأمر أن تقومي بالاتصال بها عدة مرات من أجل قضاء حاجتها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  (… من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته).
7) أجر طلب العلم الشرعي، بسؤال أهل العلم عبر الهاتف، مع مراعاة اختيار الوقت المناسب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (.. وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضًا لطالب العلم).
8) ثواب طلب النصيحة من أهلها، وبذلها لمن يحتاج إليها من خلال المكالمات الهاتفية، وما في ذلك من ثواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
9) احتسبي عند استخدامك للهاتف أن يساعدكِ على القرار في البيت، فذلك أمر يحبه الله؛ لأنه أمرنا به قال الله تعالى: (وَقرْن في بُيُوتِكُنَّ) الأحزاب: 33، بإمكانك استخدام الهاتف للتقليل من الخروج، كالسؤال عن بعض الأقارب، أو التأكد من وجود حاجتك في المكان الذي ستقصدينه قبل الذهاب إليه لئلا تضطري للخروج من منزلك عدة مرات فتضيع عليك الأوقات.
10 ثواب الدعوة إلى الهدى والدلالة على الخير عندما تقومين ببعض المكالمات الهاتفية التي تعلنين من خلالها عن إقامة محاضرة مفيدة أو سوق خيرية، أو تدلين على شريط أو كتاب نافع، أو أي عمل صالح.
11 لُطف منكِ أن تستخدمي الهاتف في الإصلاح بين الناس وهذا لا يكون إلا للنساء الموفقات اللاتي يبحثن عن الأجر حقًا، بالمقابل تجدين هناك فئة من ضعيفات الإيمان ما أن يسمعن عن خلاف بسيط بين اثنتين حتى يتبرعن باستخدام الهاتف لتأجيج نار العداوة، فهذه تفسد زوجة على زوجها وتلك تحرض الأخرى على أم زوجها أو على زوجة ابنها، وما علمت المسكينة أن كلمة تهوي بصاحبها في النار سبعين خريفًا.

ماذا تحتسبين في الإصلاح بين الناس؟
فلانة لا تقصد، إنها تودك كثيرًا، ربما خانها التعبير فلم تختر اللفظ المناسب، ولربما كانت في ذلك الوقت تعاني من ضغوط نفسية، أو أن مزاجها كان متعكرًا، لا أتوقع أبدًا أنها تنوي الإساءة إليك، ولعلها الآن تتألم لما حدث، كما أني متأكدة من طيبة قلبك وسعة صدرك، ثم أن الناس يا أخيتي يتلقون تربيات مختلفة وربما لم يتح لها من التربية ما يكفي لأن يجعلها تتقن فن التعامل مع الآخرين! فنشأت بهذه الطريقة وهي لا تحسن سواها؛ لأن ذلك عسير عليها، وقد لا تشعر بما هي عليه من خطأ! فاحمدي الله عزيزتي أن عافاك مما ابتلاها به، وأن سخر لك أسرة صالحة أحسنت تربيتك وعلمتك الأدب وطريقة التعامل مع الناس، واعذريها فقد تكون محرومة من الخير الذي عندك فلا تؤاخذيها وسلي الله العافية لكِ ولأختك المسلمة، ولا تردي لها الإساءة بل عامليها بالحسنى عسى أن تتأثر من أسلوبكِ في التعامل معها، عسى أن تتعلم ويكون لكِ أجر الإحسان إلى مسلمة.
يا طيبة القلب، تأملي المثال السابق ولتتسع الصدور للإصلاح بين المتنازعين، إنها والله مهمة النفوس العظيمة التي تعمل بصمت وتحتسب:
1) الأجر العظيم، قال الله تعالى: (لا خَيْر في كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصدَقةٍ أو مَعْرُوفٍ أَو إِصلاح بَين النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضاتِ الّلَه فَسوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) النساء: 114، قال الله تعالى: (إِنَّا لا نضيعُ أَجْرَ الْمصلِحِينَ) الأعراف: 170.
2) أن يرحمك الله، قال الله تعالى: (إِنما الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصلِحُوا بَين أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا الّلَه لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون) الحجرات: 10، إصلاحك بين المتنازعين سبب لأن يرحمك الله؛ لأنه سبحانه “رتب على القيام بالتقوى وبحقوق المؤمنين الرحمة فقال: (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) وإذا حصلت الرحمة حصل خير الدنيا والآخرة، ودل ذلك على أن عدم القيام بحقوق المؤمنين من أعظم حواجب الرحمة”.
3) احتسبي أجر دفع الضرر والأذى عن المسلمين فإن بقاء الخصومة بين المتنازعين يضرهما في الدنيا والآخرة.
4) أجر الإحسان إلى المتنازعين بالإصلاح بينهما، قال الله تعالى: (إِنْ أَحْسنْتُمْ أَحْسنْتُمْ لأَنْفُسكُمْ) الإسراء: 7.
5) أن تحصلي على درجة أفضل من درجة نافلة الصلاة والصيام والصدقة! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى، قال صلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة)، أي: تحلق الدين.
6) أن يكون أجرك على الله ولكِ أن تتخيلي -عفوًا- أقصد لن تستطيعي أن تتخيلي عظم هذا الأجر فالأمر مطلق ومفتوح، قال الله تعالى: (وَجَزَاءُ سيِّئَةٍ سيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى الَّلهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالمين) الشورى: 40، قال ابن شهاب: ولم أسمع يرخص في شيء مما يقول الناس كذب إلا في ثلاث: الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها.

ما الذي تحتسبينه في صبرك؟
لماذا أنتِ حزينة هكذا؟ وما هذه الهموم التي تخفينها بين أضلعك؟ لقد أتعبكِ الأرق والسهر، وذوي عودك وذهبت نضرتك، لماذا كل هذه المعاناة؟ فهذا أمر قد جرى وقُدر، ولا تملكين دفعه إلا أن يدفعه الله عنك، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها فلا تكلفي نفسكِ من الأحزان ما لا تطيقين! استغلي مصيبتك لصالحك لتكسبي أكثر مما تخسرين، كي تتحول أحزانكِ إلى عبادة الصبر العظيمة -عفوًا- إنها عبادات كثيرة وليست واحدة! كالتوكل، والرضا، والشكر، فسيبدل الله بعدها أحزانك سرورًا في الدنيا قبل الآخرة؛ لأن من ملأ الرضا قلبها فلن تجزع من مصيبتها، وهذا والله من السعادة، ألا ترين أن أهل الإيمان أبش الناس وجوهًا مع أنهم أكثرهم بلاءً! فكوني فطنة، فالدنيا لا تصفو لأحد وكلما انتهت مصيبة أتت أختها، وقد قيل:
إذا أنت لم تشرب مرارًا على القذى
ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه
أيتها الصابرة، ربما وجدتِ نفسكِ فجأة في بحر الأحزان تغالبين أمواج الهموم القاتلة وهي تعصف بزورقك الصغير، بينما تجدفين بحذر يمنة ويسرة، لكن الأمواج كانت أعلى منكِ بكثير ولم يبق إلا أن تطيح بك، وفي تلك اللحظات السريعة أيقنتِ بأن لا مفر لكِ من الله إلا إليه فذرفت عيناك، وخضع قلبك معها، واتجه كيانكِ كله إلى الله يدعوه يا رب، يا رب، يا فارج الهم فرج لي، هنا سكن بحر أحزانك، وهدأت أمواجه العالية، وسار قاربك فوقه بهدوء واطمئنان، إن شيئًا من الواقع لم يتغير سوى ما بداخلك، قال الله تعالى: (إِنَّ الله لا يُغَير مَا بِقَوْم حَتَّى يُغَيروا ما بِأَنْفُسهِمْ) الرعد: 11، لقد تحول جزعكِ إلى تسليم، وسخطكِ إلى رضاً، فاجعلي هذه الهموم والأحزان أفراحًا لكِ في الآخرة فهي والله أيامكِ في الدنيا ولياليكِ فاصبري واحتسبي:
1 أجر الصابرين؛ فالصابرة يُكب الأجر عليها بلا عد ولا حد، قال الله تعالى: (إِنما يُوَفَّى الصابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَير حِسابٍ) الزمر: 10.
2 أن تفوزي بمعية القوي العزيز، قال الله تعالى: (واصبروا إن الله مع الصابرين) الأنفال: 46.

3) أن يحبكِ الله وما أنبلها من غاية، قال الله تعالى: (وَاللَّه يُحِبُّ الصابِرِينَ) آل عمران: 146.
4) أن تكون لكِ عقبى الدار، قال الله تعالى:  (وَالَّذِين صبروا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصلاةَ وأَنْفَقُوا مما رَزَقْنَاهُمْ سرًا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَءون بِالحَسنَةِ الَسيِّئَة أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ* جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صلَحَ مِنْ أبآئِهِمْ وأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالملائكة يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَاب * سلامٌ عَلَيْكُمْ بما صبرتْمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) الرعد: 22-24
5) احتسبي في صبركِ على مصيبتكِ أن ينصركِ الله ويجبر كسركِ وأن تكون العاقبة لكِ، قال الله تعالى: (فَاصبر إِنَّ الْعَاقِبَة لِلْمُتَّقِين) هود: 49.
6) أن تكوني من المفلحين الناجين، قال الله تعالى:  (يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصبروا وصابِرُوا ورَابِطُوا واتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) آل عمران: 200.
7) المغفرة والأجر الكبير، قال الله تعالى: إِلا الَّذِينَ صبروا وَعَمِلُوا الصالحاَتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) هود: 11.
8) أن تنالي صلوات من ربك ورحمة وهداية لما يحبه ويرضاه، قال الله تعالى: ( وَلَنَبْلُوَنَّكم بِشيءٍ مِنَ الْخَوْفِ والجوعِ وَنَقْص مِنَ الأمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَّشرِ الصابِرِينَ* الَّذِينَ إِذَا أصابَتْهُمْ مُصيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ* أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ المهْتَدُونَ) البقرة: 155-157.
9) انظري إلى الأشجار في فصل الخريف كيف تتساقط أوراقها ما أروع هذا المنظر، إن احتسابكِ للمصيبة سيجعل ذنوبكِ تتساقط كما تحط الشجرة ورقها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها) رواه البخاري.
10 كلمة أخيرة: الصبر ليس فقط على أقدار الله المؤلمة، إنما هناك أيضًا الصبر على طاعة الله وتنفيذ أوامره، كذلك الصبر عن فعل المعاصي؛ فلا تنسي أن تحتسبي تلك الأجور في جميع أنواع الصبر، قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: “من علم أن الكلام من عمله أمسك عن الكلام إلا فيما يعنيه”، قال بعض السلف: “لولا مصائب الدنيا لوردنا القيامة مفاليس”.

عبادات سهلة:
عزيزتي: كم مرة في اليوم تحتاجين للذهاب إلى دورة المياه! عفًوا، لا تتعجبي من سؤالي حتى تجيبي على السؤال الآخر! هل فكرتِ أن تحتسبي الأجر عند ذهابكِ إلى دورة المياه؟ قد تقولين بدهشة: أحتسب ماذا؟
1) أجر ترديد دعاء دخول الخلاء، وما في ذلك من متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم في كل مرة تريدين أن تدخلي فيها إلى دورة المياه، فقد ثبت في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند دخول الخلاء: (اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث).
2) أجر ترديد الدعاء في كل مرة تخرجين فيها من بيت الخلاء، وما فيه من متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، ففي سنن أبي داود والترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول:  (غفرانك).
3) وعند تنعلك لدخول دورة المياه احتسبي أجر الاقتداء بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم في البدء بالانتعال باليمين، وعند خلع النعلين ابدئي بالشمال، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمين، وإذا نزع فليبدأ بالشمال لتكن اليمنى أولهما تُنعَلُ وآخرهما تُنزَعُ).
4) أجر متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم عند دخولك الخلاء برجلك اليسرى وتقديم اليمنى في الخروج “فيستحب لمن أراد دخول الخلاء أن يقدم رجله اليسرى في الدخول وتقديم اليمنى في الخروج، فاليسرى تقدم للأذى واليمنى لما سواه، ولقد ذكر النووي وغيره من العلماء قاعدة وهي: أن ما كان من التكريم بدئ فيه باليمنى وخلافه باليسرى، ودليل هذه القاعدة أحاديث كثيرة في الصحيح”.
أربع سنن بسيطة تطبقينها عدة مرات في اليوم، لو افترضنا أن الإنسان يحتاج لدخول دورة المياه خمس مرات يوميًا، فإنه سيطبق هذه السنن عشرين مرة في اليوم! وخلال أسبوع واحد سيطبقها مائة وأربعين مرة تقريبًا! تُرى كم من الحسنات ضاعت على كثير من الناس؟ رغم أني لا أقول في العمل حسنة واحدة؛ لأن الله يضاعف الحسنات.
5) أجر المداومة على الأذكار الواردة والأفعال المسنونة في أوقاتها ومواضعها، كل ذلك يقربك إلى الله أكثر، عسى أن يكتبكِ الله في الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات، واحتسبي أيضًا أن يحبك الله؛ لأن متابعتك للرسول صلى الله عليه وسلم في جميع أحوالك يؤدي إلى حب الله لكِ، قال الله تعالى: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِّبُونَ الله فَاتَّبِعُوني يُحْبِبْكُمُ الله وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَالله غَفور رَّحِيمٌ) آل عمران: 31.
أخيتي: لئن ضعفت الهمة عن القيام بالأعمال والعبادات الجليلة كحفظ القرآن الكريم وقيام الليل وصيام النهار، فحاولي تدارك هذا النقص الكبير باحتساب أجور أعمال أخرى تستطيعين القيام بها بسهولة! فهناك كثير من العبادات الميسرة التي قد يتهاون بها الإنسان بينما يستطيع أن يجني من خلال ممارستها الحسنات العظيمة إذا أخلص العمل وداوم عليه، مثل: إلقاء تحية الإسلام وردها -تشميت العاطس الابتسامة – الكلمة الطيبة التيمن توزيع الكتب والأشرطة الإسلامية، والمحرومة من حُرمت حتى من نعمة القيام بالعبادات السهلة! تكاسلاً وغفلة وهذا من الخذلان وقلة التوفيق فلا تكوني من المحرومات.

ماذا تحتسبين في الستر على المسلمين؟
العجيب أن بعض النساء قد تهتك ستر أقرب الناس إليها! فهذه تقول: زوجة ابني تفعل وتفعل، وأخرى تفضح أسرار أقاربها، وثالثة تقول: زوجي كذا وكذا، أما الرابعة فتشهر بزوجة أخيها في كل مجلس، وتلك لم يبق أحد لا يعرف أسرار أم زوجها وأخواته، فضلاً عن التشهير بالجيران، وزميلات العمل مرورًا بالمديرة إلى المستخدمات، وهناك المعلمة التي تهتك ستر الطالبة، كما نالت الخادمات في المنازل الحظ الأوفر من التشهير وهتك الستور! قد تفعل بعض النساء ذلك كله وتعتبره بكل بساطة من باب الفضفضة ومتعة الحديث! وما علمت أن كل هؤلاء مسلمات حرام عرضهن.
يا شذى الخزامى: قد تطلعين على أسرار بعض البيوت إما مباشرة لاحتكاكك القوي بهم، أو لحاجتهم إلى استشارتك في خصوصياتهم، وربما تطلعين على تلك الأسرار بطريق غير مباشر كأن تصلك أخبار أكيدة عن أسباب طلاق فلانة، وقد تكونين على علم بأمور حساسة تتعلق بالخصومة التي بين آل فلان وآل فلان فاحذري! أن يكون هتك تلك الستور حديثك في المكالمات الهاتفية والمجالس الخاصة حيث حلوى بعض النساء أعراض المسلمين مع الشاي والقهوة!.
ينبغي يا عزيزتي: ألا تتهاوني بذكر أسماء الأشخاص عند سردك للمواقف والأحداث التي هي في الغالب أسرار خاصة بأصحابها، ويغنيك عن ذلك إن كنتِ لا بد قائلة أن تقولي: “هناك امرأة فعلت كذا، أو شخص حدث له كذا” ونحوه، بشرط ألا يتمكن السامع من استنتاج الشخص المقصود، بهذه الطريقة تقولين ما تريدين، وتحفظين لسانك من الغيبة، وتسترين عورات المسلمين من أن تنكشف أمام الناس عن طريقك فتأثمين، فكونكِ اطلعتِ على بعض الأمور الخاصة بأصحابها أو كنتِ قريبة من الأحداث الساخنة فإن ذلك لا يبيح لكِ نشرها! لأن المؤمنة تستر وتنصح والمنافقة تهتك وتفضح…  ولكن للستر شروط:
1) أن تكون المعصية التي فعلها المسلم لا تتعلق بغيره ولا تضر أحدًا سواه، أما إذا وصل الضرر لغيره فيجب التنبيه على تلك المعصية لإزالة الضرر.
2) أن يكون الستر وسيلة لإصلاح حال المستور بأن يرجع ويتوب، أما إذا كان المستور يصر على المعصية أو من المفسدين في الأرض فيجب عدم ستره حتى لا يترتب على الستر ضرر كبير.
3 يجب ألا يمنع الستر من أداء الشهادة إذا طُلبت، قال الله تعالى: (ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه) البقرة: 283.
4 كما أن الستر مرهون برد المظالم؛ فإذا لم ترد فالساتر شريك للمستور عليه في ضياع حق الغير.
أظنك الآن قد تعودتِ على الاحتساب فاستري على المسلمين والمسلمات واحتسبي:
1) أن يسترك الله في أعظم يوم سيمر عليكِ منذ أن ولدتكِ أمك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يستر عبد عبدًا في الدنيا، إلا ستره الله يوم القيامة).
2) عرضي نفسكِ لرحمة الله، قال الله تعالى: (إن رحمت الله قريب من المحسنين) الأعراف: 56، فلا تزهدي بالإحسان إلى مسلم بالستر عليه، فالمحسنة قريبة من رحمة الله.
3) احتسبي أن يتحقق لكِ الإيمان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، فكما أنكِ لا ترضين أن يهتك سترك أمام الناس فلا ترضيه لغيرك.
4) احتسبي أن يحسن إسلامكِ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)، والحديث عن أسرار الناس وخصوصياتهم أمر لا يعنيك.
5) ثواب ترك الغيبة لوجه الله تعالى، فالغيبة جهد العاجز، والإنسان مأجور على التروك حيث إن من تتكلم في ما لا يعنيها في الغالب أنها ستغتاب والعياذ بالله.؛

6) أن يحبكِ الله؛ لأنه سبحانه يحب الستر كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله عز وجل حليم حيي ستير يحب الحياء والستر)؛ فإن فعلتِ محاب الله أحبكِ الله.
7) احتسبي عند ستركِ على مسلم أو مسلمة أنكِ تحافظين على المجتمع المسلم من انتشار الرذيلة؛ لأن انتشار أخبارها طريق إليها حيث تألفها النفوس فلا تنكرها.
ولكن: الستر لا يعني أن تتركي الإنكار والنصيحة لمن يحتاجها، بشرط ألا تفضحيه ما دام مستترًا غير مجاهر، إلا إذا كان ستركِ عليه يجعله يتمادى في غيه ويعينه على الفساد فحينها يجب أن ترفعي أمره إلى من يقوم على إصلاحه وتأديبه، وأنتِ في ذلك كله مأجورة إذا احتسبتِ إنقاذ مسلم أو مسلمة من عذاب الله، عن علام بن مسقين، قال: سأل رجل الحسن فقال: يا أبا سعيد رجل علم من رجل شيئًا، أيفشي عليه(، قال: يا سبحان الله! لا.

عندما ترتدين حجابك ماذا تحتسبين؟
سؤال؟ الفرح والحزن تلك المشاعر أين تبدو؟ حديث العيون وفتنتها أين يكمن؟ الاهتمام أو اللامبالاة كيف نحس بهما؟ علامات الجمال والملاحة، مشاعر الحب أو الكراهية، كلها نقرأها في صفحات الوجه، فهل توافقينني الرأي.
عزيزتي: لو قدمت لكِ سبع صور “لأيدي نساء”، وطلب منكِ أن تحددي المرأة الجميلة من الدميمة من خلال صور أيديهن فقط! أظنك ستقولين بتعجب: بالتأكيد لن أستطيع تحديد ذلك، فقد تكون اليد جميلة بينما صاحبتها دميمة، فمن الظلم أن أحكم على جمال امرأة من خلال يدها! ولكن دعوني أرى وجهها لأصدر لكم الحكم العادل، أحسنتِ يا موفقة؛ فإنكِ لو حكمتِ على جمال امرأة من خلال صورة يدها لخالفك الجميع، بينما لو قدمت لكِ سبع صور لوجوه نساء مختلفات، لحددتِ مباشرة الجميلة من الدميمة دون أن تحتاجي لأن تطلبي رؤية يدها أو قدمها! فالأمر واضح أمامكِ وسيؤيدك الجميع إلى ما ذهبتِ إليه.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: “ولا يخفى أن وجه المرأة هو أصل جمالها، ورؤيته من أعظم أسباب الافتتان بها -كما هو معلوم والجاري على قواعد الشرع الكريم هو تمام المحافظة والابتعاد عن الوقوع فيما لا ينبغي”، قفي الآن أمام المرآة، تحسسي وجهك بيديك، تأملي تلك النضارة، تأمليها بعمق، هل هان عليكِ أن تلفحه النار فيسقط الجلد وتبقى العظام؟ احفظي وجهك في الدنيا من تلك النظرات الحارقة ليحفظه الله من حرقة جهنم، واستريه عن غير محارمكِ فإن الفتنة إن لم تكن في الوجه والعينين فأين تكون.

ماذا تحتسبين في لبس الحجاب الشرعي الكامل؟
1) ثواب السمع والطاعة، والرضا والتسليم لأمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، أي الفوز بالجنان التي تجري من تحتها الأنهار، قال الله تعالى: (وَمَنْ يُطِعِ الله وَرسولهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تجري مِنْ تَحتهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) النساء: 13.
2) عبادة تتقربين بها إلى الله محتسبة قوله تعالى في الحديث القدسي: (… وإن تقرب مني شبرًا، تقربت إليه ذراعًا، وإن تقرب إلي ذراعًا، تقربت  منه باعًا، وإن أتاني يمشي، أتيته هرولة).
3) الله سبحانه يحب الحجاب فاحتسبي أن يحصل لكِ حب الله ورضاه؛ لأنكِ تفعلين محابه، قال الله تعالى في الحديث القدسي: (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه).
4) أجر الصبر على طاعة الله تعالى، والصبر عن معصية الله، السخرية من حثالة القوم، حرارة الطقس، وما أروع قطرات العرق تنحدر من جبينك لتملأ وجهك النقي عندما تحتسبينها عند الله، ولن يزعجك وجودها أبدًا فهي لا تعني لك شيئًا لأن المحب يصبر من أجل رضا محبوبه، ولن تكون شدة حرارة الطقس سببًا في تهاونك بالحجاب أبدًا لأنكِ تدركين جيدًا معنى قول الله تعالى: (قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقهُونَ) التوبة: 81.
5) ثواب نصرة الإسلام عن طريق نصرة الحجاب الشرعي بتكثير سواده في المجتمع، فأبشري بالعز والظفر، قال الله تعالى: (وَلَيَنْصرَنَّ الله مَنْ يَنْصرُهُ إِنَّ الله لَقَوِيٌّ عَزِيز) الحج: 40.
6) ثواب الاقتداء بالصالحات والتشبه بهن، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه جاء رجل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، كيف تقول في رجل أحب قومًا ولم يلحق بهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المرء مع من أحب).
7) ثواب العفاف، فأنتِ مأمورة بصون عرضك وحفظ نفسك، وهي عبادة تؤجرين عليها، والحجاب يعينك على أداء هذه العبادة.
8) أجر صون المجتمع من الاختلاط المؤدي إلى الرذيلة وتفشي الفاحشة، فإنكِ بالتزامكِ بالحجاب الشرعي الكامل تقفين مع أخواتكِ المحجبات سدًا منيعًا دون تقدم الفساد في بلادك، أما إن كان عدد المحجبات في بلدك قليلاً فالسيل يبدأ بقطرة واحدة.؛ فارتدي الحجاب واحتسبي أن تكوني أنتِ تلك القطرة.
9 ثواب إحياء الفضيلة ونشرها، فمجتمع نساؤه جميعهن محجبات أحرى بأن تسوده الطهارة والعفة، وحجابك لبنة أساسية في بناء الفضيلة فتمسكي به بقوة لأن العواصف حولك شديدة وإن لم تكوني قوية بإيمانكِ فسيطير حجابكِ مع الأوراق والغبار.
10) احتسبي “الحجاب مظهر من مظاهر تميز الأمة الإسلامية، وفيه مخالفة لليهود والنصارى وغيرهم “.
11) أجر التعاون على البر والتقوى، قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبر وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثم وَالْعُدْوَانِ) المائدة: 2، ذلك أنكِ بارتدائكِ الحجاب الإسلامي تتعاونين مع أخواتك المحجبات على مساعدة الشاب المسلم على حفظ نفسه حتى لا يفتتن بكِ، وتفسدي عليه دينه وصفاء قلبه، وما يتبع ذلك من فساد أخلاقه فتأثمي لأنكِ كنت السبب في ضلال شاب مسلم شعرت أم لم تشعري، ونبيك صلى الله عليه وسلم قال: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، ولا أظنكِ تحبين أن يفتنكِ أحد في دينكِ لتخسري آخرتكِ فلا ترضيه لغيرك.
12 الحجاب صمام أمن للمجتمع وغيابه يعني انفجار المجتمع.

ما لا يعنيك:
* بكم إيجار بيتكم؟
* كم غرفة في بيتكم؟
* كم سنة مكثتم في بيتكم الأول؟
* كم سنة سكنت مع أهل زوجك؟
* كيف كان توزيع الطبخ بينكم؟
* عسى معاملة أم زوجك معك زينة؟
* كم راتب زوجك؟
* هل أنت حامل؟
* إذن لماذا تلبسين ملابس واسعة؟
* عندك خادمة؟
* عندكم هاتف؟
* إذن ما هذا الجهاز؟ تقولين ما عندنا هاتف!! إنه هاتف داخلي بين الدور العلوي والسفلي.
* عمومًا أنا أحب الحديث مع الآخرين، تفضلي في منزلي متى شئتِ فسوف تستمتعين معي كثيرًا فأنا لدي القدرة على حل المشكلات اعتبريني أختًا لكِ وأهلاً بك في أي وقت وافتحي قلبكِ لي ولا تخافي
كانت هذه الأسئلة جزءًا من سيل منهمر من التحقيقات الفضولية التي قامت بها إحدى النساء للجارة الجديدة التي سكنت في حيهم، لقد كانت الزيارة الأولى والأخيرة! أخيتي: هناك أشياء لا يضرك الجهل بها، كما أن معرفتها لن تزيد من حسناتك ولن ترفع معدل ثقافتك، فلم يبق إلا أن تكون أمورًا لا تعنيك، وانشغالكِ بما لا يعنيك يبعثر من عمركِ الكثير.
الحوار السابق لفتة بسيطة في ذلك، وهناك أمثلة كثيرة للتدخل في خصوصيات الناس دون حاجة تذكر كتلك الأسئلة السامجة من النساء المتطفلات:
* للأيم: لماذا لم تتزوجي حتى الآن
* للمتزوجة: لماذا لم تحملي.
* لمن عندها أولاد: لماذا لا تتوقفين عن الإنجاب؟ من عندك فيهم البركة.
* للمطلقة: ما أسباب طلاقك؟ منك أم منه.
* لزوجة المعدد: حسبي الله عليه يتزوج وعنده القمر، لماذا تزوج بالله عليكِ أخبريني، ماذا ينقصه.
والمشكلة في المرأة الفضولية التي تتدخل فيما لا يعنيها أنها عندما تسأل ترى أن لها الحق كل الحق في السؤال وفي معرفة الإجابة كاملة بتفاصيلها، وتلمسين ذلك من خلال جرأتها في السؤال وإصرارها على معرفة الجواب، فهي لا تفهم من خلال التلميح أنكِ تفضلين أن تحتفظي بأسراركِ لنفسكِ أو ربما لا تريد أن تفهم! وفي الغالب يحتاج هذا النوع من الناس إلى أن تصارحيه بأن هذه أمور خاصة لا ترغبين في الحديث عنها حتى تغلقي عليه الأبواب، وإلا فستنفتح عليكِ الأبواب والنوافذ أيضًا! بل ربما انقشع سقف بيتك!، فإذا كنتِ تتأذين من تدخل أحدهم في خصوصياتكِ فالناس كذلك، فدعي ما لا يعنيكِ من شؤونهم حتى لا تفقدي الكثير من علاقاتكِ فضلاً عن الكثير من أوقاتكِ واحتسبي:
1) أن يحسن إسلامك، فليس كل مسلم محسن فهناك المسيء وهناك المحسن، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه).
2 احتسبي ثواب ترك الغيبة فإن من تتحدث في أمور لا تعنيها في الغالب أنها ستقع في الغيبة وأنتِ مأجورة على التروك إذا احتسبتيها.
3) احتسبي ثواب كف الأذى عن المسلمين بعدم إحراجهم بالأسئلة الكثيرة والتطفل على أمورهم التي لا تعنيك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (.. يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من يتبع عوراتهم يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته).
4) أن تكوني ممن آمن بالله واليوم الآخر، قال رسول صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت)، قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: “من علم أن الكلام من عمله أمسك عن الكلام إلا فيما يعنيه”.

ماذا تحتسبين في تحسين أخلاقك؟
لا نقدر أن نعرف أخلاق الناس في لقاءات عابرة، بل نحتاج إلى بعض الوقت حتى نحُك المعدن ويظهر لنا بريق الذهب أو صدأ الحديد! إذ ليس للإنسان ميزة في تحسين أخلاقه مع من هو أعلى منه أو في مستواه، فهذا شيء يتجمل به الجميع، ولكن الفضل كل الفضل في تحسين أخلاقكِ مع من هو دونك، ومع من أساء إليك! معنى حسن الخلق “أن يكون سمحًا لحقوقه لا يطالب غيره بها، ويوفي ما يجب لغيره عليه منها، فإن مرض ولم يُعَدْ، أو قدم من سفر فلم يُزر، أو سلم فلم يُرد عليه، أو ضاف فلم يُكرم، أو شفع فلم يُجب، أو أحسن فلم يُشكر، أو تكلم فلم يُنصت له…  وما أشبه ذلك، ولم يغضب، ولم يعاقب، و لم يتنكر من حاله حال، وإنه لا يقابل كل ذلك إذا وجد السبيل إليه بمثله، ويقابل كلاً منه بما هو أحسن وأفضل وأقرب منه إلى البر، والتقوى، فإذا مرض أخوه المسلم عاده، وإن جاء في شفاعة شفعه، وإن احتاج منه إلى معونة أعانه، ولا ينظر إلى أن الذي يعامله كيف كانت معاملته إياه فيما خلا، إنما يتخذ الأحسن إمامًا لنفسه”، بعبارة أوجز حسن الخلق هو: “بذل المعروف قولاً و فعلاً، وكف الأذى قولاً وفعلاً.
ولكن بالرغم من حاجتكِ للوقت الكافي حتى تتعرفي على أخلاق الآخرين، إلا أنكِ أحيانًا تشعرين بذات الخلق الحسن، تحسين بوجودها وتميزينها سريعًا مثلاً في طريقة تحدثها مع المرأة المسنة، في طريقة تعاملها مع الخدم، في مواقفها مع من يسيء إليها أو يقصر في حقها عندما تتاح لها فرصة مناسبة جدًا للنيل من الآخر دون حسيب أو رقيب بل قد تجد التشجيع كل التشجيع ممن حولها ولكنها تمتنع عن إلحاق الأذى بمسلم أو مسلمة حتى ولو بكلمة عابرة! ولسان حالها يقول إني أعامل الناس بأخلاقي ولن أنقص قدري عند ربي لأتعامل معهم بأخلاقهم، لقد ذهبت بكل خير، وسبقت كثيرات بمسافات شاسعة، وتركت القيل والقال، والمكر بالليل والنهار، وحمل الأضغان لأهله الحمقى! فأراحت قلبها، وحافظت على حسناتها، وفرغت نفسها للعبادة، فهي مشغولة بطاعة ربها، وليس لديها وقت زائد لتبعثره في مثل هذه التوافه، بل لو كان الوقت يباع لاشترته بأغلى الأثمان! إنها باختصار كما قال صلى الله عليه وسلم: (ذهب حُسن الخلق بكل شيء)، إنها حقيقة وليست خيال! فلِمَ لا تكونين أنتِ هي؟ سيكون هذا سهلاً عليكِ أتدرين متى؟ عندما تحتسبين:
1 أن حسن خلقك إحسان منكِ لنفسكِ أولاً، وللمسلمين ثانيًا، فقد كففت الشر عنكِ وعنهم، وبذلتِ الخير لنفسكِ ولهم، فاحتسبي ثواب الإحسان الذي تولد من تقواكِ لله والذي يترتب عليه المعية الخاصة من الله، قال الله تعالى: (إِنَّ الله مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ محسنُونَ) النحل: 128، هل تدركين ماذا يعني أن تحصل لكِ معية خاصة من الله؟ إنها معية تليق بجلال ربنا وعظمته، إنه العون من الله، النصر، التسديد، الثبات، لقد فزتِ بشيء عظيم! فإذا شعرتِ به فاحفظيه كي لا تفقديه يومًا ما.
2) ثواب طاعة أمر الله سبحانه وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحسن السيِّئَة نَحْنُ أَعْلَمُ بماَ يَصفُونَ) المؤمنون: 96، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  (وخالق الناس بخلق حسن).
3) ثواب إصلاح ذات البين بأخلاقك لتنالي الحظ العظيم، قال الله تعالى: (وَلا تَستَوِي الحَسنَةُ وَلا السيِّئَةُ ادْفعْ بِالتِي هِيَ أَحسن فَاِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأنَّهُ وَلي حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاها إِلا الذِين صبروا وَمَا يُلقَّاها إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيم) فصلت: 34-35، إنها تلك التي تدفع بالحسنة السيئة، وتصبر على ذلك من أجل صلاح ذات البين، إنها ذات الخلق الحسن، ذات الحظ العظيم.
4) أن يكمل إيمانكِ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وخياركم خياركم لنسائهم خلقًا)، إن الصالحين ليتنافسون على كمال الإيمان فتنافسي معهم بأخلاقك.
5) أما زلت تحلمين بأنِ تملكي بيتًا جميلاً؟ اسمعي جيدًا هل تريدين بيتًا رائعًا لم يخطر ببالك قط؟  في الجنة! في أعلاها! حسني أخلاقك واحتسبي أن يكون لكِ ذلك بإذن الله، قال نبيك صلى الله عليه وسلم: (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحًا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه).
6) لئن ضعفتِ عن قيام الليل وصيام النهار، فلن تعجزي عن تحسين أخلاقكِ لتبلغي منزلتهما أليس كذلك؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم).
7) أن يحبك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يكون مجلسكِ يوم القيامة قريبًا منه جدًا، قال صلى الله عليه وسلم: (إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقًا).
8) احتسبي أن يكون حسن خلقك سببًا لدخولك الجنة بإذن الله، سئل النبي صلى الله عليه وسلم ما أكثر ما يدخل الجنة؟ قال: (التقوى وحسن الخلق)، وسُئل ما أكثر ما يدخل النار؟ قال: (الأجوفان الفم و الفرج).
9) احتسبي أن يثقل ميزانكِ يوم تخف الموازين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما شيءٌ أثقلُ في ميزانِ المؤمِنِ يومَ القيامةِ مِن خُلُقٍ حسَنٍ، فإنَّ اللَهَ تعالى ليُبغِضُ الفاحشَ البَذيءَ).
يا كل الصفات الحسنة لقد أحسنتِ وأطعتِ ربكِ ورسوله صلى الله عليه وسلم، لقد نلت الحظ العظيم، وكمل إيمانكِ وبلغتِ درجة الصائم القائم، وأثقلتِ ميزانكِ يوم وضع الموازين، فماذا أبقيتِ لنا؟ لقد ذهبتِ بكل شيء! قال أحد البلغاء: الحسن الخلق من نفسه في راحةٍ، والناس منه في سلامةٍ، والسيء الخلق الناس منه في بلاء، وهو من نفسه في عناء.

ماذا تحتسبين في العفو عن الناس؟
قال الشافعي رحمه الله:
قالوا سكت وقد خُوصمت قلتُ لهم
إن الجواب لباب الشر مفتاحُ
فالعفو عن جاهل أو أحمق أدب
نعم وفيه لصون العرض إصلاحُ
إن الأسود لتخشى وهي صامتة
والكلب يُحثى ويُرمى وهو نباحُ
في رحلة الحياة ربما تعرضتِ لإساءات متكررة، رُميتِ بسهم الكلمة، أُحرقتِ بشرارة تلك النظرة، أوذيتِ في أهلك، في عرضكِ، بل في دينك! فالبعض مبتلى بتصنيف عقائد الناس حسب الأهواء وبأكبر قدر من الجهل المركب! ممن أتاكِ الأذى؟ أمِن يهودية؟ أم مِن نصرانية؟ وا حسرتاه إنه من! ويكون الجرح عميقًا بعمق البحار إذا كانت تلك الرمية ممن تتوسمين فيها الخير، إن جرحك غائر وينزف بغزارة، فلا بد أن تفعلي شيئًا لتوقفي تلك الدماء، لتبدئي من جديد، أنظري من حولكِ لتبدئي، قد تجدين من يشجعك على الظلم والبطش ورد الصاع صاعين، ستشعرين عندها بالقوة والتمكن فالحق معكِ  ولكنكِ تتذكرين قدرة الله عليك، فيعظم العفو عندكِ رجاء عظم الثواب فترددين “إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم آجرني في مصيبتي واخلف لي خيرًا منها”، وترفعين يديك بالدعاء للطيف الخبير، للسميع القريب، أن يفرج همك، وأن يعفو عمن ظلمك، وعمن تخلى عنكِ وهو يملك نصرتك، وتشهدين الله على عفوكِ عن الجميع ابتغاء وجهه الكريم.
يا لطيفة الخصال: أنتِ لا تعيشين في الدنيا وحدكِ، بل هناك أشخاص كثيرون حولك تشكلين معهم مجتمعكِ الذي تعيشين فيه، ولا شك أن احتكاككِ بالناس سيتولد منه بعض التصادمات، في الآراء، في الأخلاق،  في الطباع والعادات، أو نتيجة سوء فهم منك أو من الطرف الآخر، أو ربما توضعين رغمًا عنكِ في موقف تكرهينه، وهذه كلها أمور عادية،  أكرر عادية، تفرضها علينا طبيعة التجمع البشري فأنتِ تعلمين أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم)، فلا بد أن توطني نفسكِ على مواجهة مثل هذه المواقف وتحملها،  نعم تحمليها، وكيفي نفسكِ على التحكم والسيطرة على انفعالاتكِ حسب ما يمليه عليكِ دينك،
ثم توجي ذلك كله بالعفو، العفو، العفو، ستفعلين ذلك يا طيبة لأن بروق الإيمان تسطع في قلبكِ بقوة، تأكدي أنكِ لن تقدري على العفو الحقيقي إلا إذا احتسبت:
1 عمرك كله تدعين الله أن يغفر لك، لقد أتتكِ المغفرة فلا ترديها! قال الله تعالى: (وَلْيَعْفُوا ولْيَصفَحُوا ألا تحبونَ أَن يَغْفِرَ الّلَه لَكُمْ وَالله غَفُورٌ رَّحِيمٌ) النور: 22، فاصفحي أخية رجاء أن يغفر لك الغفور الرحيم.
2 افعلي ذلك لوجه الله، واقهري أول أعدائك الشيطان، فإن عفوك عمن أساء إليك يؤلمه أشد الإيلام لما يترتب على فعلكِ هذا من الأجر العظيم جدًا  جدًا، قال الله تعالى: (فَمَنْ عَفَا وَأَصلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى الله إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالمينِ) الشورى: 40، يا إلهي! هل تدركين معنى (فَأَجْرُهُ عَلَى الله) إن أجركِ لن يأتيكِ من وزير، ولا أمير، ولا من ملك مطاع! بل سيأتيكِ من ملك الملوك سبحانه، فماذا تريدين أفضل من ذلك؟ وقد تكفل الله بأجركِ و ضمنه لك.
3) العفو هو طريقك إلى “الحظ العظيم”، قال الله تعالى: (وَما تَستَوِي الْحَسنَةُ وَلا السيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحسن فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأنَّهُ وَليٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صبَروا وَمَا يُلقَّاهَا إلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) فصلت: 34-35، “أي ادفع السيئة إذا جاءتك من المسيء بأحسن ما يمكن دفعها به من الحسنات ومنه مقابلة الإساءة بالإحسان والذنب بالعفو، والغضب بالصبر، والإغضاء عن الهفوات، والاحتمال للمكروهات، وقال مجاهد وعطاء: بالتي هي أحسن: يعني بالسلام إذا لقي من يعاديه، وقيل بالمصافحة عند التلاقي، (فَإِذا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كأنه وَليٌّ حَمِيمٌ) هذه هي الفائدة الحاصلة من الدفع بالتي هي أحسن، والمعنى: أنكِ إذا فعلتِ ذلك الدفع صار العدو كالصديق، (وَمَا يُلقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صبروا) قال الزجاج: ما يلقى هذه الفعلة وهذه الحالة، وهي دفع السيئة بالحسنة إلا الذين صبروا على كظم الغيظ واحتمال المكروه (وَمَا يُلقاها إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) في الثواب والخير، وقال قتادة: الحظ العظيم الجنة”.
4) احتسبي ثواب الاقتداء بالله سبحانه، “والعفو صفة من صفات الله وهو الذي يتجاوز عن المعاصي، وحظ العبد من ذلك لا يخفى وهو أن يعفو عن كل من ظلمه بل يحسن إليه كما يرى الله محسنًا في الدنيا إلى العصاة غير معاجل لهم بالعقوبة”، قال الله تعالى: (إِن تُبْدُواْ خَيرًا أوْ تُخْفُوهُ أوْ تَعْفُواْ عَن سوءٍ فَإِنَّ الله كَانَ عَفُوًا قَدِيرًا) النساء: 149، (فَإِنَّ الله كانَ عَفُوًا عن عباده قَدِيرًا على الانتقام منهم بما كسبت أيديهم فاقتدوا به سبحانه فإنه يعفو مع القدرة”.
5 أجر الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، والأنبياء جميعًا في عفوهم عمن ظلموهم وأساؤوا إليهم مع قدرتهم عليهم، فهؤلاء خيرة البشر يتركون العقوبة لوجه الله! فمن نحن حتى نتعالى عن العفو ونعتبره ذلة ومهانة في حقنا؟ طبعًا هذا إذا كان العفو في مكانه الصحيح.
6 احتسبي بعفوكِ عن المسلمين أن تكوني ممن يدرؤون بالحسنة السيئة لتنالي جنات عدن، قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) الرعد: 22-24، “أُوْلئِكَ إلى الموصوفين بالصفات المتقدمة لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ والمراد بالدار الدنيا، وعقباها الجنة جَنَّاتُ عَدْنٍ العدن أصله الإقامة، وَمَنْ صلحَ مِنْ آبَائِهِمْ يشمل الآباء والأمهات  وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُريَّاتِهِمْ أي: ويدخلها أزواجهم وذرياتهم، وذكر الصلاح دليل على أنه لا يدخل الجنة إلا من كان كذلك من قرابات أولئك، ولا ينفع مجرد كونه من الآباء أو الأزواج أو الذرية بدون صلاح (وَالمَلاَئِكَة يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم من كُلِّ بَابٍ) أي: من جميع أبواب المنازل التي يسكنونها (سلاَمٌ عَلَيْكُم)  أي قائلين سلام عليكم أي سلمتم من الآفات أو دامت لكم السلامة بما صبرتم أي بسبب صبركم (فنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) جاء سبحانه بهذه الجملة المتضمنة لمدح ما أعطاهم من عقبى الدار المتقدم ذكرها للترغيب والتشويق”، إيه يا عظيمة الحظ، عندما عفوتِ عن الآخرين قمتِ بعبادات كثيرة، وصلتِ ما أمر الله به أن يوصل إن كان من عفوت عنه ذا رحم، عفوكِ علامة على خشيتكِ من الله وهذه عبادة عظيمة تدل على عبادة الخوف من الله، كذلك الصبر على الإساءة، والصبر على العفو نفسه يرفعكِ المنازل العالية، وبهذا أصبحتِ ممن يدرؤون بالحسنة السيئة وهذه عبادة جليلة فأبشري وأمِّلي.
7) إن عفوكِ عمن ظلمكِ إحسان منكِ إلى مسلم ترجين به إحسان الله إليك، قال الله تعالى: (هَلْ جَزَاء الإحْسانِ إلا الإِحْسانُ) الرحمن: 60، قال ابن سعدي رحمه الله: “…و معاملة الله له من جنس عمله، فإن من عفا عن عباد الله عفا الله عنه”.
8) ألا يفوتك فضل الله يوم الاثنين والخميس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئًا إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء}) فيقال: أنظروا هاذين حتى يصطلحا أنظروا هذين حتى يصطلحا أنظروا هذين حتى يصطلحا). أسألك بالله ما الذي يستحق في هذه الدنيا أن تحرمي نفسكِ من مغفرة الله لأجله.
9) أن يحبكِ الله وهذه من أغلى الأماني، قال الله تعالى: (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصفَحْ إِنَّ الله يُحِبُّ المحْسنِينَ) المائدة 13:، ومن أحبه الله أحبته الملائكة وأحبه الناس.
10) احتسبي أن يزيدكِ الله عزًا ورفعة إما في الدنيا وإما في الآخرة أو فيهما معًا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله)، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “كل الناس مني في حل”، وهل هناك أفضل ممن تواضعت لله فعفَت عمن ظلمها إن العفو ليشمل التواضع كل التواضع، فهنيئًا لكِ العز والرفعة، قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: “إنك إن تلقى الله ومظلمتك كما هي، خير لك من أن تلقاه وقد اقتصصتها”، الآن:  فكري وبهدوء قبل أن تقرري عدم العفو.

أمور تحتسبينها في جميع أعمالك:
ما رأيكِ لو ذكرت لكِ بعض الأجور التي تستطيعين احتسابها في جميع أعمالك؟
الآن: حاولي أن تحفظيها:
1 نية العبادة، وأنها لله،  وامتثال لأمر الله، وهذا أكمل شيء في النية كما ذكر أهل العلم.
2) بشرى للمحسنين، قال الله تعالى: (وَبَشرِ الْمحسنِينَ) الحج: 37، فللمحسن البشرى بخيري الدنيا والآخرة، “والمحسن له مزية وفضل على غيره في أمور منها:
أولاً- محبة الله: قال الله تعالى: (وَأَحسنوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمحسنِينَ) البقرة: 195، ومن أحبه الله كان معه في كل أموره يوفقه ويسدده.
ثانيًا- زيادة مضاعفة الحسنات: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أحسن أحدكم إسلامه فكل حسنة يعملها تكتب بعشر أمثالها، إلى سبع مائة ضعف).
ثالثًا- أجر الإحسان في العبادة، قال الله تعالى: (لِلَّذِينَ أحسنوا الْحسنَى وَزيَادَة) يونس: 26، والحسنى الجنة، والزيادة: النظر إلى وجه الله تعالى”.
3 احتسبي قول الله تعالى: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسنَةِ فلهُ خَير مِنْهَا) القصص: 84، وهو أن الله يجازيه بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف.
4) احتسبي قول الله تعالى: (فمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذرَّةٍ خَيرًا يَرَهُ) الزلزلة: 7، أي وزن نملة، وهي أصغر ما يكون من النمل، قال مقاتل: فمن يعمل في الدنيا مثقال ذرة خيرًا يره يوم القيامة في كتابه فيفرح به، وقال بعض أهل اللغة: “إن الذرة هو أن يضرب الرجل بيده على الأرض فما علق من التراب فهو الذرة”.
5) ثواب الآخرة، قال الله تعالى: (وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ) آل عمران: 145.
6) أنكِ ستجدينه عند الله خيرًا وأعظم أجرًا، قال الله تعالى: (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسكُمْ مِنْ خَير تجدوهُ عِنْدَ اللهِ هُو خَيرًا وَأعْظَمَ أجرًا) المزمل: 20.
7) السبق بالخيرات والفوز بالفضل الكبير، قال الله تعالى: (وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْن اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفضلُ الكبير) فاطر: 32، “السابق الذي سبق إلى الأعمال الصالحة، وهو الذي سبق غيره في أمور الدين، السبق إلى الخيرات هو الفضل الكبير، أي الفضل الذي لا يقادر قدره”.
يا هميمة: حاولي أن تحفظي بعض تلك الآيات والأحاديث لتتراءى أمام عينيك في كل حين؛ فتدفعكِ إلى احتساب أصغر الأمور فضلاً عن أكبرها.

الخاتمة:
نسأل الله حسنها:
يا حية القلب: ها أنتِ قد تعلمتِ الآن كيف تحتسبين الأجر؛ فحاولي أن تتذكري ما قرأته في هذا الكتاب أثناء ممارستكِ لحياتكِ اليومية، وعوّدي نفسكِ على الاحتساب في كل شيء، كل شيء،  فلا يغلبكِ الشيطان وينسيكِ الاحتساب فتكوني من الغافلات فتذهب أيامكِ هدرًا وأعمالكِ سدى، والغفلة أعاذنا الله وإياكِ منها هي “أن لا يخطر الشيء ببالك” وهي “إبطال الوقت بالبطالة”،قال الله تعالى: (وَلَقَدْ ذرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الجن وَالْأِنْسِ لهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلهُمْ أعْين لا يُبْصرُونَ بِهَا وَلهُمْ آذَانٌ لا يسمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأنْعَامِ بَلْ هُمْ أضلُّ أولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) الأعراف: 179، فالغافلة لها عين لكنها لا تبصر بها، الحق بل تبصر ما يحلو لها فقط! الغافلة لها أذن لكنها لا تسمع بها الخير بل تسمع ما ترغب فيه فقط! ومن هنا نزلت إلى منزلة أقل من منزلة البهائم؛ لأن الله أعطاها العقل الذي فضلها به على غيرها من المخلوقات لكنها غفلت عن كيفية الاستفادة منه في التقرب إلى الله وكسب رضاه، “فالغفلة تبلد الذهن وتسد أبواب المعرفة وتبعد العبد عن الله – عز وجل وتجره إلى المعاصي وتنزل الهم والغم إلى القلب وتبعد عنه الفرح والسرور” تميت القلب”، وهي تجلب الشيطان وتسخط الرحمن”، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا الله فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ) الحشر: 18-19، فاتقي الله، وانظري ماذا قدمتِ من الأعمال ليوم القيامة، فمهما طال بقاؤكِ في الدنيا فلا بد من الرحيل شئتِ أم أبيتِ، (وَلا تَكُونُوا كَالذِينَ نسوا الله فأنْساهُمْ أنْفُسهُمْ أولئِكَ هُمُ الفَاِسقُونَ) “أي تركوا أمره، أو ما قدروه حق قدره، أو لم يخافوه، أو جميع ذلك قال الله تعالى (فأنْساهُمْ أنْفُسهُمْ) أي: جعلهم ناسين لها بسبب نسيانهم له، فلم يشتغلوا بالأعمال التي تنجيهم من العذاب، ولم يكفوا عن المعاصي التي توقعهم فيه، قال الله تعالى (أُولَئِكَ هُمُ الْفَاِسقُونَ) أي الكاملون في الخروج عن طاعة الله”.
ومما يعينكِ على ألا تنسي نفسكِ من العمل الصالح، احتساب الثواب من الله في جميع ما تقومين به في يومك وليلتك وحتى أثناء نومك، وبعد احتساب الأعمال ابذلي جهدكِ في المحافظة على ثوابكِ بالبعد عن الرياء والسمعة، خاصةً إذا لم يكن هناك ما يستدعي أن يُظهر الإنسان أعماله الصالحة ويتكلم بها، تأسيًا بسلفنا الصالح، فعن أبي بردة، عن أبيه أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة، ونحن ستة نفر، بيننا بعير نعتقبه، فنقبت أقدامنا، فنقبت قدماي وسقطت أظفاري، فكنا نلف على أرجلنا الخرق فسميت غزوة ذات الرقاع، لما كنا نعصب على أرجلنا من الخرق، قال أبو بردة: فحدث أبو موسى بهذا الحديث، ثم كره ذلك، قال: كأنه كره أن يكون شيئًا من عمله أفشاه.

هذا والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما ينبغي لجلال وجه ربنا وعظيم سلطانه، وما كان من الصواب فمن الله فله الفضل وحده، وما كان من الخطأ فالله ورسوله منه بريئان، اللهم صلِ على نبينا وحبيبنا محمد، وعلى آله وسلم.

المراجع:
– الأذكار النووية، أبو زكريا يحيى بن شرف النووي، مكة المكرمة، المكتبة التجارية، ط1، 1412 ه.
– الإيجابية في حياة الداعية، د. عبد الله يوسف الحسن، الإمارات العربية المتحدة،
دار المنطلق.
– اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى، زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي، تحقيق وتعليق: جاسم الدوسري، الكويت، مكتبة دار الأقصى، ط1، 1406 ه.
– التوكل على الله وعلاقته بالأسباب، د. عبد الله الدميجي ، الرياض، دار الوطن، ط1، 1417 ه.
– المتجر الرابح في ثواب العمل الصالح، الحافظ شرف الدين عبد المؤمن بن خلف الدمياطي، بيروت، مؤسسة الكتب الثقافية، ط1، 1410 ه.
– المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، وضعه: محمد عبد الباقي، القاهرة، دار الحديث، ط1، 1407 ه.
– النية، عبد الله عبد العزيز الجبرين، د.ط، د.ت.
– بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار، عبد الرحمن بن ناصر السعدي، الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، الرياض، 1405 ه.
– تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، عبد الرحمن بن سعدي، جدة، دار المدني، د.ط، 1408 ه.
– شرح رياض الصالحين، محمد العثيمين، إعداد: د. عبد الله الطيار، الرياض، دار الوطن، ط1، 1416 ه.
– غاية المرام شرح مغني ذوي الأفهام، عبد المحسن العبيكان.
– فتح القدير، محمد بن علي الشوكاني، بيروت، دار الفكر، د.ط، د.ت.
– مَعلَم في تربية النفس، عبد اللطيف بن محمد الحسن، الرياض، المنتدى الإسلامي، د.ط، 1421 ه

Scroll to Top