تأليف: محمد موسى الشريف.
تعليق: مجدي داوود.

إن للتدريب في العصر الحالي أهمية كبرية وفي هذا الكتاب يتحدث مؤلفه الدكتور “محمد موسى الشريف” عن التدريب وتعريفه ووسائله وأهميته في العمل الإسلامي وتأصيله من الكتاب والسنة ومن سير الأنبياء وعمل السلف الصالح رضوان الله عليهم، وكذلك عن كيفية الاستفادة من التدريب في وسائل الدعوة والعمل الإسلامي المختلفة.
يبدأ المؤلف كتابه بمقدمة ثم تمهيد، يوضح فيها أن العمل الإسلامي المعاصر بصوره وأشكاله المختلفة يعاني من مشكلة ضعف التدريب، وسوء التوجيه، وقصوره؛ فالقائمين على العمل الإسلامي ونحسبهم مخلصين إلا أنهم ينقصهم التدريب الكافي الذي يحقق الهدف المنشود من الدور الذي يقومون به، وقد ترى البعض يبذل جهدًا كبيرًا ويستغرق وقتًا طويلاً في أمر ما ولو كان لديه التدريب الكافي لاختصر هذا الجهد والوقت ولكانت النتائج أفضل.
ثم ينتقل المؤلف إلى الفصل الأول وفيه مبحثين: المبحث الأول الذي ينقسم إلى مطلبين رئيسيين:
المطلب الأول فهو يناقش معنى التدريب وأهميته؛ فالتدريب لغةً هو التعود والتمرن، واصطلاحًا: هو نشاط مركز يهدف لتحقيق تغير في معارف الفرد ومهاراته وقدراته لتلبية احتياجات معينة في الحاضر والمستقبل في ضوء الدور الذي يقوم به، ويعتبر التدريب أحد قسمي التأهيل والقسم الثاني هو التنظير، ويجب أن يكون هناك تخطيط لهذا التدريب حتى لا يصاب المتدربون بالركود، وتعاني بلادنا من فجوة بين التدريب والتطبيق فحيث يتدرب البعض على أمور معينة يجد الواقع بخلاف ما قد تدرب عليه.
· أهمية التدريب:
ثم يوضح الكاتب أهمية التدريب فيذكر منها: اكتساب معلومات جديدة وأنه سبيل للتطوير والارتقاء واستيعاب التقنية الحديثة، وهو يعطي الإنسان الثقة في نفسه وفي قدراته ومواهبه كما أنه يشمل جميع جوانب الحياة ولا يقتصر على أحدها دون الآخر، ثم يتحدث المؤلف عن باعث التدريب ويؤكد أن الباعث ينبع من داخل الإنسان نفسه فهو الذي يشعر بقدراته ومواهبه وما هو بحاجة إلى أن يتم صقله بالتدريب ولا مانع من أن يتم توجيه البعض إلى التدريب إذ لم يفطن هو إلى حاجته لهذا التدريب، ومن أهم البواعث لدى الشباب المسلم علمه بأهمية التدريب عند النصارى وكثرة إنفاقهم عليه، فهم لا يرسلون مبشرًا إلى مكان ما إلا وقد دربوه على كيفية التعامل مع أهله وكيفية بناء كنيسة وإدارة شؤونها والاتصال بأصحاب السلطة، وفي ضوء هذا ينبغي أن نوضح أمرين هامين وهما: أن ما لا يقوم الواجب إلا به فهو واجب وعليه فالتدريب إذا كان مطلوبًا للأعمال الواجبة صار واجبًا، وأن كل الجهد المبذول في التدريب يقابله الله بالحسنات إن شاء الله.
وفي المطلب الثاني من هذا المبحث يتحدث المؤلف عن وسائل التدريب في العمل الإسلامي ويذكر منها:
1- إنشاء المؤسسات الخاصة بالتدريب الدعوي العلمي ويقوم بالتدريب فيها كبار العلماء الذين جمعوا بين العلم والخبرة الطويلة والتجارب الكثيرة، وينبغي إلزام من يريد أن يتصدر للدعوة بحضور الدورات الخاصة بالمجال الذي سيتصدر له.
2- تضمين مناهج الجامعات والمعاهد والمدارس العليا قضايا التدريب في العمل الإسلامي، ويضرب المؤلف عدة أمثلة لبعض الجامعات التي قامت بهذا الأمر من بينها كلية الدعوة بجامعة الأزهر.
3- الاستفادة من وسائل الإعلام الحديثة ومن أهمها شبكة الإنترنت والقنوات الفضائية والإذاعات المسموعة.
ثم يذكر المؤلف مجموعة من القضايا التي يجب أن تراعى عند التدريب ومن ضمنها إلقاء معلومات محصورة ومحددة سهلة الحفظ والتطبيق حتى لا يجد المتدرب صعوبة في استيعابها، وكذلك الوضوح في المهمة المطلوبة حيث يجب أن يدرك الداعية المتدرب المهمة الملقاة على عاتقه تفصيلاً حتى يسهل عليه القيام بها.
المبحث الثاني من الفصل الأول يتحدث فيه المؤلف عن تأصيل التدريب من الكتاب الكريم والسنة النبوية المطهرة، وعمل السلف الصالح في ثلاثة مطالب.
ففي المطلب الأول يناقش المؤلف تأصيل التدريب من صنيع الله تعالى مع أنبيائه ورسله، ويذكر أن المولى عز وجل كان يعد الرسل والأنبياء للمهمة الشاقة التي سيقومون بها ومن سبل هذا الإعداد:
1- جعلهم رعاة غنم؛ حتى يتعلموا الصبر والجلد، وكذلك اختلاف طبائع الناس وتباين عقولهم، وليتعلموا ويتمرنوا على تحمل المشاق.
2- العزلة قبل البعثة؛ لأن العزلة تخلص النفس من الانشغال بالدنيا، وهي تأهيل للروح لرؤية ما هو أكبر والاستمداد من مصدر آخر غير العرف الشائع بين الناس.
3- الصلاة الطويلة الشاقة نحو قيام الليل؛ وهي تدريب على تحمل المشاق الكثيرة وأعباء الدعوة الثقيلة، ويستدل المؤلف بالأمر الإلهي للنبي صلى الله عليه وسلم بقيام الليل.
4- التدريب على مواجهة الطغاة: ويستدل على هذا بقصة إعداد نبي الله موسى عليه السلام لمواجهة فرعون.
5- مواقف مختلفة: مثل تعليم النبي صلى الله عليه وسلم كيفية الرد على الأسئلة المستقبلية، وإرشاد الله تعالى لنبيه داود على كيفية صناعة الدروع.
والمطلب الثاني يناقش تأصيل التدريب من سنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصًا على تبليغ الدين على أكمل وجه، ولهذا فقد درب الصحابة الكرام على الأعمال المتنوعة ليقودوا الأمة من بعده ومن أمثلة هذا التدريب:
1- تدريب الصحابة على الدعوة وطرائقها: ومثال ذلك أنه صلى الله عليه وسلم لما أرسل معاذ بن جبل رضي الله عنه إلى اليمن أخبره أنه سيواجه قومًا أهل كتاب ودربه على التدرج في الدعوة من الأصول إلى الفروع.
2- تدريب الصحابة على القضاء والفتوى: ومثال ذلك تدريبه عقبةَ بن عامر الجهني وعمرو بن العاص وعلي بن أبي طالب وسعد بن معاذ رضي الله عنهم.
3- تدريب الصحابة على إدارة بعض شؤون دنياهم: ومثال ذلك إرشاده ذلك الرجل من الأنصار الذي جاء يسأله فأمره أن يذهب ليحتطب بدلاً من السؤال.
والمطلب الثالث يناقش تأصيل التدريب من عمل السلف الصالح رضوان الله عليهم ومن أمثلة ذلك تدريب الفاروق عمر رضي الله عنه أبا موسى الأشعري وشريحًا رضي الله عنهما على القضاء، وتدريبه الناس على الاخشيشان والقوة، وكذلك تدريب الصحابة رضوان الله عليهم للتابعين على نطق القرآن العظيم بالصورة الصحيحة وتجويده، وقد كان السلف رضوان الله عليهم يحرصون على تدريب تلاميذهم وتشجيعهم على الاستنباط والتصنيف، وقد كانت هناك بعض العلوم لا تفهم إلا بالتدريب والمشافهة كالتجويد والقراءات وكان التدريب علامة بارزة فيها.
وفي الفصل الثاني من هذا الكتاب يعرض المؤلف بعض طرق التدريب في بعض القضايا المهمة ومن هذه القضايا:
1- التدريب على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومن وسائل ذلك مصاحبة داعية بصير مجرب لديه خبرة بطبائع النفوس وكيفية التعامل معها، ومصاحبة رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للاستفادة من خبراتهم، والتدريب على الصبر على الإيذاء البدني والنفسي وعلى الشجاعة، والاطلاع على سير الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر والزج بالنفس في هذا الأمر لتعويدها عليه والتدرج في التطبيق مع الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة وأخيرًا إنشاء معاهد خاصة للتدريب على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
2- التدريب على مواجهة المواقف الحرجة: وهناك طريقتان،
الأولى- هي اجتماع مجموعة من الأشخاص ثم يكلف بعضهم بعضًا بمواقف محرجة صعبة كأن يتحدث في موضوع ما أو يلقي خطبة كخطبة الجمعة أو يعد رسالة معينة ثم يقوم الآخرون بالنقد وتبيان الأخطاء وبتكرار هذه الطريقة مرات يكون أفراد المجموعة قد حصل لديهم تدريب كافٍ لمواجهة المواقف الصعبة.
الطريقة الثانية- هي أن يعد الداعية نفسه منفردًا بقراءة تجارب من سبقه والاطلاع على خبراتهم وأن يفكر فيما يمكن أن يقابله أو يفاجئه ثم يعد نفسه على كيفية التصرف ومواجهة مثل هذه المواقف.
3- التدريب على الإلقاء وقد وضع المؤلف صورة وخطة مقترحة للتدريب على الإلقاء والخطابة وتتلخص في أنه لا بد أولاً من الإلمام بقواعد النحو الأساسية، واجتماع عدد محدود من الأعضاء ويكون رئيسهم هو أفضلهم حديثًا ثم يعهد إليهم بتحضير موضوعات معينة ليقوموا بإلقائها أمام بعضهم البعض ثم يطلب منهم نقد الموضوع وطريقة الإلقاء نقدًا شاملاً من جميع الجوانب وعندما يتأكد من إتقانهم لهذا الأمر ينتقل بهم إلى مرحلة أعلى وهي أن يطلب منهم إلقاء موضوعات لم يقوموا بتحضيرها ثم بعد ذلك يطلب منهم فجأة إلقاء خطبة الجمعة ثم يقوموا بنقد بعضهم البعض وأثناء هذا التدريب يتعهدهم المسؤول بما ينفعهم من مقالات وكتب، أما الشخص المنفرد فيمكنه تحضير الخطبة ثم يتخيل نفسه واقفًا أمام الناس ويبدأ في الإلقاء ويكرر ذلك مرارًا حتى يعتاد عليها.
4- التدريب على الاستفادة من الإنترنت، ذكر المؤلف بعض مميزات شبكة الإنترنت وأهميتها في العمل الإسلامي، ثم ذكر ما هو مطلوب للدخول إلى شبكة الإنترنت، ثم ذكر أهم المصطلحات المتعلقة بالإنترنت وأهم البرامج التي يحتاجها مستخدمه، ثم ذكر أهم استخدامات الإنترنت بالنسبة للداعية ومنها استخدام الإنترنت كمصدر للمعلومات حيث يذخر بكتب وموسوعات شتى كثيرة جدًا واليوم يتم تقديم بعض الدورات وكذلك الدراسة عن طريق الإنترنت، والمشاركة في ساحات الحوار لنشر الفكر والوعي الإسلامي، وإطلاق المواقع الإسلامية التي تنشر الإسلام الصحيح بكافة اللغات، وكذلك التواصل السريع مع الفئات المختلفة من الناس وخاصة الشباب الذي يقضي معظم وقته على شبكة الإنترنت، وكذلك رد الشبهات وتفنيدها وشن هجمات على المواقع التي تحارب الإسلام وتنفر منه، واستخدامات الإنترنت في الدعوة كثيرة جدًا وقد اختصرها الكاتب ولا يمكننا إلا أن نوجز إيجازًا شديدًا؛ لأن هذا الموضوع تصنف فيه المؤلفات، وقد حذر الكاتب من بعض الآثار السلبية مثل ضياع الوقت والتساهل مع الذنوب وانتهاك الخصوصيات.
5- التدريب على الاستفادة من الأوقات، ومن ذلك الاستفادة من الوقت الضائع المهدر عن طريق تحديد وقت معين يوميًا وليكن ساعة لإنجاز أمر ما ولا يتم التنازل عنها أبدًا وتحديد وقت معين يوميًا للحفظ والمراجعة والكتابة وغير ذلك، وكذلك الاستفادة من الهاتف في قضاء الأمور التي يمكن قضاؤها به، ويجب على المرء أن يدرك قيمة الوقت ولا يضيعه أبدًا، والتدريب على استعمال التفتيق أو العصف الذهني وهي طريقة هامة في الحفاظ على الوقت وعدم تضييعه، وهو أن تجتمع عقول مفكرة في مكان ووقت واحد للبت في أمر معين، وقد ذكر المؤلف بإيجاز كيفية القيام بالعصف الذهني.
6- التدريب على التخلص من المصطلحات السلبية: تنتشر بعض المصطلحات التي لها تأثير سلبي كبير وله دلالات محبطة ومثبطة للهمم، وهي تخالف الجد والحزم الذي كان يتصف به الصحابة ومن تبعهم، وبالتدريب ومعرفة كيف كان يتعامل الصحابة والتابعين والسلف الصالح رضوان الله عليهم نستطيع التخلص من هذه المصطلحات، ومنها “سأحاول فعل كذا وكذا يومًا ما) فيجب أن نستبدله بمقولة سأنجز كذا وكذا إن شاء الله تعالى أو شيء نحوها”، ومنها مقولة “أنا خَلقت هكذا” والأفضل أن يسأل عن الكيفية التي يمكن بها إنجاز العمل بدلاً من التهرب بمبررات واهية، ومنها مقولة “أنت السبب” وهي تعني إلقاء المسؤولية على الغير والتهرب من تبعاتها وهذا ما يخالف سير الأولين علاوة على طبيعة النفس البشرية التي تتسم بالنقص والعجز، ومنها مقولة “هذا الأمر صعب” والأفضل أن يمرن نفسه ويخاطر ويتحدى نفسه ليخرج قدراته الكامنة ويعتبرها فرصة عليه انتهازها، ومنها مقولة “أنا أعرف تمامًا ما يجري حولي ومطلع عليه” وهو يورث الغرور أو الغفلة ويجعل هناك سدًا بينه وبين الناس وعليه أن يتدرب على قبول النصيحة والاستماع لرأي الغير، وفي النهاية يذكر المؤلف مجموعة من الألفاظ والمصطلحات سيئة الدلالة أو النتيجة.
7- التدريب على انتهاز الفرص: الشرط لانتهاز الفرصة أن يدرك المرء أنها فرصة، وبعد أن ذكر المؤلف مجموعة من الفرص التي انتهزها النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام والسلف الصالح والأمراء المجاهدين وذكر الطيب ونتائجها العظيمة، وضع لنا مقترحًا لانتهاز الفرص يبدأ بإحسان تتبع وقراءة الأخبار من المصادر الموثوقة، ثم تحليل هذه الأخبار وقراءتها دون إفراط أو تفريط، ثم توسيع الأفق بكثرة الاطلاع والرحلات ومصاحبة أهل العلم والخبرة، ثم بناء علاقات طيبة خاصة مع الوجهاء والمقدمين، ثم الإقدام والعزم وقراءة تاريخ من انتهزوا الفرص وآثار ذلك، ثم استشارة أهل الخبرة والرأي فما ندم من استخار، وما خاب من استشار.
8- التدريب على المحاسبة والمساءلة والتقويم: لا بد من إعمال مبدأ المساءلة والمحاسبة وإلا تدهور العمل وقل العطاء والعكس صحيح، وقد أمرنا الله تعالى بهذا وكذلك النبي وأصحابه وضربوا لنا أروع الأمثلة في ذلك وقد ذكر المؤلف بعضًا منها، وقد بين لنا المؤلف القواعد العامة للمحاسبة والمساءلة ومنها إنشاء التقويمية مع وجود المصارحة بالأخطاء والقوة في النقد دون إخلال بالأدب والشمول في التقويم فلا يترك صغيرة ولا كبيرة، والتذكير الدائم بأهمية العمل، وصقل العاملين وتدريبهم.
9- التدريب على الاخشيشان والإقلال من المباحات: إن من شكر النعم أن نأخذ منها بقدر وألا نكثر فيها فننسى معانيها وتفضي إلى الكسل، وقد كان النبي وصحابته الكرام يأخذون من النعم بقدر ويتمتعون بمتع الحياة بقدر، ويجب علينا أن نسير على سنتهم ونقتفي أثرهم لكي نشكر الله عز وجل ونشعر بالفقير والضعيف وبنعم الله الكثيرة ومن أهمية الاخشيشان إعداد النفس للجهاد ولما ينزل بها من البلاء فإنه لا يجاهد ولا يقدر على مواجهة البلاء من يغرق في المباحات ولم يعتد على شظف العيش، وتربية الأولاد والأهل على المعاني العالية وشعور المجتمع بمشاركة الأغنياء للفقراء، ومن صور التدريب على الاخشيشان الإكثار من الصيام والإقلال من الطعام والشراب في بعض المواسم ومنع النفس من مرغوباتها ومشتهياتها وقراءة سير أهل الزهد، ولكن يجب الحذر واجتناب بعض تصرفات المتصوفة التي تخالف تعاليم ديننا الحنيف.
ثم يختتم المؤلف مؤلفه هذا داعيًا الله أن يجعل فيه فائدة وفي نهاية الكتاب قائمة ببعض المصادر

Scroll to Top