مجموعات “الواتس أب” بين إقبال النساء  وتحذير العلماء:
أجرت الحوار: أمينة سعيد. 

د. المظلوم: هناك ضوابط يجب أن تتقيد بها المرأة في حال مشاركتها بالمنتديات والمجموعات المختلفة.
أ. الفرا: المنابر الإعلامية الجديدة وسيلة متطورة من وسائل طلب العلم والتأثير.

لا شك أن من عمل خيرًا وصالحًا وكان مخلصًا لله في عمله فإن له من الأجر والمثوبة من الله تعالى مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، والشخص الناجح لا يترك وسيلة لعرض ما يستطيع تقديمه من خدمة تصب في مصلحة الناس إلا استعملها، وهو يستفيد من كل ما أتيح له من وسائل حديثة ومن مستجدات هذا العصر، كما أصبح بإمكانه أن يصل إلى ملايين الناس بفضل هذه الوسائل الحديثة “كبرنامج الواتس أب” الذي شكّل قوة إعلامية مؤثرة في واقع مستخدميه، ويعد من الوسائل التي فرضت نفسها بقوة في زماننا هذا؛ فمن خلاله يتم تبادل الأخبار، وكل ما هو جديد على الساحة.
وبما أنه أصبح البرنامج جبهة لا يستهان بها سارعت مجموعة من النساء كغيرهن من الناس إلى استغلال هذه الوسيلة لنشر العلم والمعرفة، والوصول إلى أكبر عدد بتخطي كل الحواجز والعوائق أمامهن، وإنشاء ما عُرف بالمجموعات أو group ولمعرفة الهدف منها وسلبياتها، وإيجابياتها، وضوابطها، وآدابها، إليكم التحقيق الآتي:

قالت أ. أسماء العطار: فكّرتُ في تأسيس مجموعة خاصة تجمع الأخوات من مختلف الأطياف، وتكون خاصة بنشر العلم الشرعي فقط؛ فسهولة استخدام البرنامج، ومجانيته، وانتشاره بين الناس سهّل من عملنا، وأول ما قمنا به إطلاق اسم على هذه المجموعة ليكون عنوانًا لِما سيتم إرساله للأخوات، ويجذبهن إلى المجموعة، وأطلقنا اسم “رياض الصالحين”، وبدأنا بإرسال رسائل قصيرة تحتوي على أحاديث شريفة صحيحة، وتفاعلت كثير من الأخوات معنا.
وأكّدت أنه من ضمن أهداف المجموعة اطلاع الأخوات على كل ما هو جديد على الساحة، وربطهم بالأنشطة والندوات التي تقام في المنطقة.
وتابعت العطار كل يوم نضيف العديد من الأرقام التي تود المشاركة معنا في المجموعة، وهذا الإقبال يرجع إلى الشفافية في العمل، والوضوح؛ فمن الضروري أن تعرف المضيفات من هي صاحبة المجموعة، أو المشرفة عليه، وأن تكون أهلًا للثقة، منوهةً إلى أن فريقهن مجموعة منتقاة، من طالبات العلم، وربات البيوت.
وأضافت العطار أنه من الضروري وجود مشرفة للمجموعة تكفل سير العمل، وراحة الأعضاء، وتعمل على إثراء ثقافتهم، ومراقبة ما يُطرح من مواضيع، والتحقق من صحة ما يُنشر خاصةً الأحاديث النبوية الشريفة، إضافةً إلى أهمية تحديد وقت الإرسال؛ لضمان راحة الأعضاء، وعدم إزعاجهم في أوقات غير مناسبة لهم، ونوّهت إلى أن مجموعتهم علمية شرعية بامتياز لا مجال فيها لطرح قضايا خارج هذا الإطار؛ فالرسالة تكون قصيرة ومختصرة، والتركيز يكون على الأحاديث الصحيحة والحسنة، مؤكدةً أن العبرة ليست بكثرة الرسائل فقليل دائم خير من كثير منقطع، منبهةً إلى أنه من الضروري التأكد من مصدر المعلومة عند نشرها؛ لأن عدم التأكد من المعلومة فيه الضرر الكثير، مشيرةً إلى أن مشرفة المجموعة لا بد أن تكون لديها القدرة على إدارة النقاشات، وأن تنشر الألفة والمحبة بين من جمعتهم.
وأوضحت أن الهدف من المجموعة هو تأهيل بنات وأخوات تكون آراؤهن مطابقة لرأي الدين حتى في أصغر الموضوعات مبينةً أن تجربة الواتس جميلة حيث نستفيد ونفيد وخاصة من خلال طرح موضوعات النقاش التي نقصد فيها أن نبين رأي الشرع، ونحاول أن نطبق ما يرضي الله، كما نطمح دائمًا أن نقدم الموضوعات من رأي الشرع والدين.
وختمت العطار مشرفة المجموعة بأن عليها مسؤولية كبيرة فعليها توجيه النصيحة لمن تخالف، وعليها إنذارها، وإذا أصرّت على ذلك فلتستبعدها.

  تجربة رائعة:
وأوضحت نسبية نايف من العضوات النشيطات في مجموعة “رياض الصالحين” على الواتس أب أن المجموعة تجربة رائعة؛ فلا بد من الاستفادة من هذه الوسيلة، واستبدال المفاهيم الخاطئة بالمفاهيم الصحيحة، مبينةً أن الجميل في هذا مشاركة ما يتم معرفته من أمور الشرع مع مجموعة من الأخوات حيث لا تكون المعلومة حكرًا عليك وحدك وخاصة أن المجموعة جامعة لمستويات مختلفة من الأخوات.
من جانبها شاركت أم سعد أخواتها الرأي وقالت: هذه الوسائل سلاح ذو حدَين فعلينا أن نستغل الجانب الإيجابي، مبينةً أنها استفادت كثيرًا من خلال مشاركتها بمجموعة “رياض الصالحين”، ومعجبة بالإضافة الجديدة وهي طرح قضايا المجتمع ومناقشتها من منظور إسلامي، منوهةً إلى أن مشاركة الجميع تساعد في الاستفادة من خبرات الكل، حيث إن كل شخص لديه من الخبرات ما ليس لدى الآخرين، ولديه من المعرفة والتجارب ما يمكن أن يثري به النقاش، متابعةً بقولها إن روح المحبة والتعاون هي المسيطرة على المجموعة؛ فمن مهام المجموعة التذكير بالأذكار في الصباح والمساء وقبل النوم وفي ظل مشاغل الحياة الكثيرة، وختمت بالرغم من أنها مقتطفات صغيرة وبسيطة من الكلمات لكن معناها قوي ومؤثر.
مديرة حازمة:
في ذات الإطار لم يختلف رأي إحدى عضوات مجموعة “رياض الصالحين” عن سابقاتها، وأكّدت أن القروبات جاءت لنشر العلم للقريب والبعيد، وتصحيح المفاهيم الإسلامية الخاطئة، إضافةً إلى أن التواصل جميل لجميع المستويات، وأطياف المجتمع، وقالت: من سلبيات المجموعات نشر البدع والاستدلال بالأحاديث النبوية الضعيفة من بعض الأخوات، منوهةً إلى أنه من المهم أن تكون مديرة المجموعة حازمة عندما تكون هناك مخالفات يتم طرحها في المجموعة؛ فلا يسمح بما يخالف الدين أو يتسبب في الإساءة، ولا بنشر العصبية والتعصب الذي يؤدي للفرقة والاختلاف وشقّ صف أعضاء المجموعة.
على قدر الحاجة:
بدوره أوضح د. جودت المظلوم أن الأولى بالمرأة ألا تشارك في أي من المنتديات أو المجموعاات العامة، وخاصةً أن هناك الكثير من المتطفلين والعابثين بهذه المواقع؛ فإن كان لا بد من المشاركات أو العمل ضمن هذه الأطر كصحافة أو إعلام أو موظفة أو غير ذلك؛ فإنه لا بأس فيها.
مبينًا أن هناك ضوابط يجب أن تتقيد بها المرأة في حال مشاركتها بالمنتديات والمجموعات المختلفة وهي أن تكون مشاركتها على قدر الحاجة بطرح سؤالها أو موضوعها وتنصرف، ولا تعلّق إلا على ما لا بد منه؛ لأن الأصل فعل ذلك الأمر والحاجة التي دفعتها لذلك.
منوهًا أنه من الضروري ألا يكون في كلامها ما يثير الفتنة، كالمزاح ولين الكلام، والضحك؛  لأن ذلك يؤدي إلى طمع من في قلبه مرض، كما قال سبحانه: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا) الأحزاب: 32.
مؤكدًا أنه الأولى والأفضل ألا تشارك المرأة إلا في المنتديات النسائية فهذا أسلم لها، وقد كثرت هذه المنتديات، وفيها خير وغنى، وإن احتاجت للمشاركة في منتديات عامة فالأولى أن تختار اسمًا لا يدل على أنها أنثى من باب سد الذرائع ودرء المفاسد أولى من جلب المصلحة لها.
رسالة سامية:
من جانبه أكّد أ. محمد سليمان الفرا أن الإعلام الإسلامي له رسالة حضارية سامية، منضبطةً بقيود الشريعة، ومتخلقة بأخلاق الإسلام، وتنسجم مع الفلسفة الإسلامية الشاملة، وتدور في سياق الدور الحضاري لأمة محمد الشاهدة على الناس.
وقال: أضحت مواقع التواصل الاجتماعي وشبكاته وبرامجه ذات تأثير واسع في المجتمعات الإنسانية على اختلافها؛ حيث صارت جزءًا من مكونات ثقافة الشعوب تؤثر في سلوك الشباب وتصرفاتهم وتوجهاتهم، مبينًا أن أخطر ما في هذه الصفحات والمواقع والبرامج أنه لا يمكن إخضاعها لبرامج رقابية فعالة تضبط استخدامها، ونوّه إلى أن ما يميزها أنها تصل إلى كل بيت ويمكن أن يتعامل معها كل شخص بغض النظر عن عمره أو ثقافته أو مستواه التعليمي.

مبينًا أن الرسالة الإخبارية للإعلام الإسلامي يجب أن تكون مصدرًا موثوقًا للحقيقة، فعلى المرسل أن يبعد عن التهويل والتهوين والتحريف، وأن يصوغ الخبر في سياق البناء لا الهدم، وأن يسعى لتحقيق المصلحة ويدفع المفسدة، مؤكدًا أن الرسالة العقدية يجب أن تلتزم بنشر العقيدة الصحيحة السليمة وخاصةً ما يتعلق منها بالله واليوم الآخر، ثم بالرزق والأجر، وعموم الغيبيات، منوهًا إلى أنه لا يمكن صناعة المسلم الصادق إلا من خلال التربية العقدية السليمة التي تجعله مطمئنًا على حياته أو رزقه.
تصل للملايين:
وتابع الفرا أن الإعلام الإسلامي يرسخ القيم والمفاهيم السليمة في المجتمع المسلم، وهي التي تؤثر في السلوك بما يعزز الجانب الإيجابي، ويقضي على الأفكار السلبية الهدامة، وأكّد أن المنابر الإعلامية الجديدة وسيلة متطورة من وسائل العلم؛ إذ تصل إلى ما لا يصل إليه غيرها من الوسائل، وتفتح آفاقًا كثيرة للاتصال والتواصل والتأثير، منوهًا إلى أن الفرق شاسع بين شخص يؤثر في بضع مئات وإعلام يصل إلى الملايين، ويمكن مطالعته في كل حين.
مضيفًا أن هناك ضوابط شرعية وأخلاقية يجب على الشباب والناشطين مراعاتها فيما يطالعونه أو يشاهدونه أو ينشرونه عبر صفحات الإعلام الجديد وفي وسائله منها: استحضار رقابة الله تعالى فيما كل ما يقرأه ويكتبه؛ لأنه محاسب على كل ما يصدر عنه من أقوال وأفعال يوم القيامة، وهي في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها كما جاء في قوله تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) ق: 18.
آثاره باقية:
ونوّه الفرا أن أقوال الإنسان التي تصدر عنه وكتاباته هي آثار تبقى من بعده كلها محصية عليه ومكتوبة في صحائف أعماله التي سيحاسب عليها يوم القيامة، وذكر في هذا المقام ما جاء عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إِنَّ العبد ليتكلّم بالكلمة -مِنْ رضوان الله- لا يُلْقِي لها بالاً، يرفعه الله بها في الجنة، وإن العبد ليتكلم بالكلمة -من سَخَط الله- لا يُلْقِي لها بالاً، يهوي بها في جهنم) “أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح”.
وأكّد على ضرورة وجوب التثبت من صحة المعلومة قبل نشرها، والإحاطة الشاملة بالخبر قبل نشره، مبينًا أن المعلومة التي تصل قد تكون صحيحة لكن فصلها عن سياقها يغير من معناها وأثرها فيحول المصلحة إلى مفسدة، ويجعل الحقيقة المجتزأة كذبًا وليس صدقًا ذلك الذي ينطق بنصف الحقيقة.
تحري الصدق:
ودعا الفرا إلى تحري الصدق في نقل الخبر، والابتعاد عن الكذب والتحريف والتهويل؛ حتى لا يصبح المسلم معول هدم وتفريق لأبناء المجتمع؛ لأن الكذب من صفات المنافقين الذين يحرصون على إضعاف المجتمع المسلم، وهدمه بمعاول الإشاعة والزور، ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون.
وشدّد على الحرص على الالتزام بأخلاق الإسلام في الكتابة والنشر، وحذّر من الإسفاف وسوء الخُلق مع الخالق، مؤكدًا أن المؤمن ليس بطعّان ولا لعّان ولا فاحش ولا بذيء.
وحثَّ على الفصاحة والوضوح والدقة في الطرح والعرض؛ فالمسلم صاحب رسالة حضارية سامية، منوهًا إلى أنه لا يمكن أن تصل الرسالة إلى جمهورها ما لم تكن قوية وسليمة وفصيحة وبليغة؛ حتى تحدث التغيير المنشود مع ضرورة البعد عن اللغو في ما لا فائدة فيه، ويجب أن تلائم الحاجات والواقع؛ لأن ميادين الإعلام البديل لا تخضع لرقابة أو تدقيق فلا بد أن يكون لدى الإنسان رقيبًا داخليًا متمثلًا بتقوى الله عز وجل.
ونصح الفرا جمهوره بالإعراض عن الجاهلين، والبعد عن مجادلة السفهاء أو الخوض مع الجهلة؛ لأن فيه منقصة للهيبة لذلك أمرنا الله بالإعراض عن الجاهلين، وعدم الخوض مع الخائضين، ومدح المؤمنين بقوله تعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) الفرقان: 72.
إضافةً إلى ضرورة النظر في ما آلت إليه الأخبار؛ فليس كل ما يُعلم يُقال، والحكمة تقضي كتم بعض العلم إذا ترتب على نشره للفساد، إلى جانب مخاطبة الناس على قدر عقولهم، وبما يحقق مصالحهم.
الفتوى المرتجلة:
ونهى عن النصح في العلن، وقال: النية الصالحة لا تصحح العمل الفاسد، والنصيحة في العلن قد تنشر من العيوب ما وجب طيِّه وكتمانه، وعلى المسلم أن يتقبل النقد، وأن يكون واسع الصدر حليمًا، وأن يبتعد عن العصبية والشدة، ويتحلى بالذكاء والحنكة في الرد، والمحاورة، وألا يتحرج في الرجوع لأهل الذكر حين جهله، والاستفادة من الآخرين، والاستعانة بالصادقين.
وحذّر الفرا المسلم أن يتحدث في دين الله بغير علم؛ إذ يجب الرجوع إلى أهل العلم والثقاة، كما حذّر من الفتوى المرتجلة، مبينًا أن الله جعل القول في الدين بغير علم في درجة الفواحش المستقبحة، والإثم المبين، وتعدي الحدود المشروعة، والشرك والعياذ بالله.
ودعا إلى تجنب التعصب الأعمى، وعلى المرسل أن يفرّق بين الخطأ والخطيئة، والخطأ والمخطئ عند النقد.
وختم حديثه موصيًا كل من يستخدم هذه الوسائل أن يجعل شغله الشاغل  التماس مغفرة الله -عز وجل- وأن يصرف همته في التقرب إلى الله بطاعته.
Scroll to Top