“يجب أن يطابق عمل العالم قوله حتى يصدقه الناس”
ضيف الحوار: الداعية: الشيخ عبد القادر خليل الشطلي.
أجرت الحوار الصحفية: أمينة سعيد.
المسؤولية في الدعوة هي مسؤولية جماعية تشمل كل مسلم موحد لله سبحانه وتعالى؛ فكل واحد منا مطالب بالدعوة إلى الله عز وجل لقول النبي صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَن بَنِي إسْرَائِيلَ وَلا حَرَجَ، وَمَن كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ) رواه البخاري، والدعوة إلى الله كما تكون باللسان تكون بالسلوك والمواقف والتصرفات، وقد تكون الدعوة بالأفعال أبلغ من الدعوة باللسان، وأبلغ تأثيرًا ووقعًا في النفوس، فلسان الحال -كما يقولون- أبلغ من لسان المقال بهذه العبارة استهل ضيفنا الداعية الإسلامي عبد القادر خليل الشطلي عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين فرع فلسطين وعضو رابطة علماء فلسطين وعضو جمعية أهل السنة والصحابة في غزة حواره مع “دعوتها” بالحديث عن قيمة المسؤولية في حياة الداعية وتناول خلال حاوره شروط تحمل المسؤولية مبينًا أن المقصود بالتخصص هو وجود جماعة متخصصة في الدعوة إلى الله عز وجل لقوله تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) سورة آل عمران: 104ّ.
منوهًا أنه يشترط في مَن سيقوم بواجب الدعوة إلى الله عز وجل الإخلاص لله عز وجل في عمله، وأن يبتغي الأجر من الله عز وجل، واستشعار المسؤولية عن ذلك أمام الله عز وجل يوم القيامة إن هو قصر في ذلك.
من جانب آخر يشترط في الداعية حتى يكون قادرًا على تحمل مسؤولية الدعوة إلى الله أن يكون قادرًا على ذلك ونعني بها المقدرة العلمية، وأن يكون على قدر كبير وواسع من العلم والثقافة والفهم الدقيق لدين الله عز وجل؛ كي يوظف ذلك في الدعوة إلى الله عز وجل.
وتابع: يشترط في الداعية أن يكون على وعي وإدراك وفهم دقيق للواقع الذي يتحرك فيه، ومتطلبات العصر، وما يحتاجه الدعاة اليوم حتى لا يكون الداعية في وادٍ والناس في وادٍ آخر، أو كما يقولون: ولا يغرد الداعية خارج السرب؛ فلا يسمع له أحد ولا يُنتفع بكلامه ودعوته.
هذا وبيّن الداعية الإسلامي الشطلي أن المسؤولية في اللغة هي مصدر صناعي كقولنا: اجتماعية وإنسانية، وهي من سأل، ويراد بها في اللغة كما جاء في معجم المنجد هي: “ما يكون به الإنسان مسؤولاً ومطالبًا عن أمور وأفعال أتاها، أو بعبارة أخرى: هي أن يتحمل الإنسان نتائج الأفعال التي يقوم بها مختارًا، وهو مدرك لمعانيها ونتائجها”، مؤكدًا أن المسؤولية في الاصطلاح الشرعي لها معانٍ متعددة أدقها على حد تعبير العلامة د. محمد راتب النابلسي: “هي حالة يكون فيها الإنسان صالحًا للمؤاخذة عن أعماله، وملزم بتبعاتها المختلفة”، موضحًا أن المسؤولية -حسب موضوعها- تختلف في معناها من موضوع لآخر؛ فهناك مسؤولية أسرية، ومسؤولية إدارية، ومسؤولية الحاكم عن شعبه، مبينًا أن المسؤولية في حياة الداعية تعني تحمل الداعية لأعباء الدعوة وتكاليفها الثقيلة الملقاة على عاتقه مع علمه المسبق بتلك الأعباء والتكاليف واستعداده للقيام بها، والسؤال عنها أمام الله إن هو قصر فيها.
هذا وأشار أنه لا بد للداعية أن يتصف بجملة من الصفات كي ينجح في دعوته، ويصل إلى قلوب الناس ومن هذه الصفات: أن يكون حسن السيرة، صادقاً في قوله، حسن المعاملة، طيّب الكلام، متجنبًا للمحرمات، ومبتعدًا عن الشبهات، وأن يطابق عمله قوله حتى يصدّقه الناس ويثقوا فيه، ولا يكون من الذين قال الله فيهم: (كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) وأن يتصف بالرحمة ولين الجانب، وأن يبتعد عن الفظاظة والقسوة لقوله تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) آل عمران: 159، كما يجب أن يتصف بالتواضع وعدم التكبر على الناس؛ حتى يحبوه ويقبلوا كلامه، ويتخذوه قدوة لهم.
وتابع: لا بد أن يميل الداعية في دعوته إلى الاعتدال والتيسير والتسهيل على الناس والبعد عن التعصب والتشدد والتعسير والتنفير، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي بذلك من يرسلهم دعاة إلى الناس كما جاء في وصيته لمعاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري -رضي الله عنهما- حينما بعثهما إلى اليمن فأوصاهما قائلاً: (يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا)، إضافة إلى ضرورة أن يلتزم أدب الحوار مع الآخرين، ومناقشتهم بالحجة والدليل بأسلوب حسن، بعيدًا عن التعنيف والاستخفاف بآرائهم، لقوله تعالى: (وجادلهم بالتي هي أحسن) ، وأن يتصف بالصبر وسعة الصدر، واحتمال الأذى من الآخرين، والعفو عنهم، فالداعية لا يقابل السيئة بالسيئة، وإنما يقابلها بالحسان لقوله تعالى: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إلا ذُو حَظٍ عَظِيمٍ) فصلت: 34-35).
على الصعيد ذاته بيّن الشطلي مدى وعي الدعاة لحجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم في ظل التحديات الكثيرة التي تواجههم مشيرًا أنه في هذا المقام لا نستطيع التعميم، فهناك من الدعاة من يعون ذلك، وهناك -للأسف- من لا يعون حجم المسئولية الملقاة على عاتقهم في ظل التحديات الكثيرة التي تواجههم، فتراهم يخوضون في قضايا بعيدة كل البعد عن احتياجات العصر، ويشغلون الأمة وشبابها في قضايا فرعية خلافية يمكن القفز عنها وتجاوزها، ويغرقونهم في بحر من الجدل حول مسائل في فروع الفقه أو على هامش العقيدة، اختلف فيها السابقون، وتنازع فيها اللاحقون ولا أمل في أن يتفق عليها المعاصرون، مؤكدًا أنه الأولى بهؤلاء الدعاة أن يشتغلوا بهموم الأمة الكبرى كقضية فلسطين، والقدس والمسجد الأقصى المبارك، وقضية المسلمين المركزية في العالم كله وهي استئناف الحياة الإسلامية وتطبيق الشريعة في كل مكان في العالم، والرد على الشبهات التي تثار حولها، واستغلال طاقات الأمة والشباب في مواجهة التحديات الكبرى التي تواجههم في هذه الأيام، مضيفًا أن الذي ينمي شعور الفرد بالمسؤولية هو شعوره بالخوف من الله عز وجل، وتقوية الوازع الديني عنده، وأنه سيُسأل عن ذلك يوم القيامة، ويحاسب عليه إن قصر في ذلك، مبينًا أن هذا لا شك أن له أهمية كبيرة في تحمل الفرد للمسؤولية.
ولزيادة وازع المسؤولية يكون من خلال تذكير الدعاة إلى الله بما كان عليه الدعاة من قبل من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والسلف الصالح من التابعين وتابعي التابعين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، الذين وظفوا كل ما لديهم من قدرات وإمكانات لصناعة مجد لدينهم، لا لصناعة مجدٍّ لأنفسهم.
أما عن آثار وفوائد تحمل الداعية للمسؤولية أكد الداعية الإسلامي أن للمسؤولية فوائد جمة، وآثارًا طيبة على المجتمع حيث أنها تصنع منه مجتمعًا صالحًا وقويًا ومتماسكًا وقادرًا على مواجهة التحديات، ومستعصيًا على الانحناء، ومحصنًا من العدوى بفيروسات الأعداء التي يُنشرونها في كل مكان بهدف إصابة مجتمعاتنا المسلمة بأدواء وأمراض تفتك بها وتعمل على تدميرها.
مشيرًا أنه في المقابل التنصل من المسؤولية له عواقب وخيمة على الفرد والمجتمع وتؤدي إلى تفككه وضعفه، وتساقطه وتهاويه أمام ضربات الأعداء، وتجعله عرضة للإصابة بالأدواء والأمراض التي تفتك به وتعمل على تدميره.
وأرجع انتشار ثقافة اللامبالاة والأنانية والاستهتار والهروب من تحمل المسؤولية عند الكثيرين من أبناء المجتمعات الإسلامية إلى عدة أسباب منها: ضعف الوازع الديني عند هؤلاء، وضعف الخوف من الله، وعدم الشعور بالمسؤولية أمام الله سبحانه وتعالى، والمحاسبة على ذلك، إضافة إلى غياب القدوة في أكثر المجتمعات الإسلامية، كما أكد أن وجود القدوة له كبير الأثر للتخلص من تلك الأمراض التي يعاني منها الكثيرون من أبناء المجتمعات الإسلامية وقال: يحضرنا في هذا المقام عبادة الداعية الإسلامي الكبير (محمد أحمد الراشد) وهو يتحدث عن ظاهرة الفتور في العمل الإسلامي فيقول: “إن علاج الفتور لا يكون بالتقريع، وإنما بانتصاب البعض قدوات”.
وأشار إلى أن انشغال الكثيرين من أبناء المجتمعات الإسلامية بأنفسهم وهمومهم، ومشكلاتهم الخاصة، وعدم التفكير بهموم أمتهم ودعوتهم، وأن الواحد منهم يفكر كيف يصنع مجدًا لنفسه، ولا أن يصنع مجدًا لدينه وأمته أحد أهم أسباب الهروب من تحمل المسؤولية وختم الشطلي حديثه مؤكدًا أن علاج ضعف الشعور بالمسؤولية يكون بالعمل على تقوية الوازع الديني، وتنمية الشعور بالخوف من الله، والعمل على إيجاد قدوات يقتدي بهم في تحمل المسؤولية إضافة إلى العمل على القضاء على الأنانية وحب الذات، وتذكيرهم بأهمية العمل للدين والآخرة، فهذا أرجى لهم وأنفع عند الله عز وجل