ديننا يدعو إلى تحرّي الذوق مع المسلمين وغير المسلمين: 
ضيف الحوار: أ.د حسن أبو غدة.
أجرت الحوار: أمينة سعيد.

ما هو الذوق وما أهميته؟
عرف أ.د. حسن أبو غدة الذوق بأنه إحساس داخلي معنوي، يدعو صاحبه إلى استشعار أحوال الآخرين ومراعاة ظروفهم، ويقصد به إدخال السعادة إلى نفوسهم، فضلاً عن تجنّب إحراجهم أو الإثقال عليهم، أو إيذائهم بالقول أو الفعل.
وحول أهمية الذوق قال: إن للذوق أهمية كبرى في التعامل مع الناس، وكسب تقديرهم، والظفر بمحبتهم، والقرب من نفوسهم، وتلك أمور يحتاجها كل فرد بحكم تكوينه الإنساني وفطرته البشرية، ووجوده الاجتماعي.
وأشار إلى أن اتّصاف الإنسان بالذوق يدل على كمال في العقل وبعد في النظر، وسلامة في التربية واعتدال في المزاج، ونباهة في النفس، ونضج في المشاعر الاجتماعية؛ لذا كان من الأهمية بمكان تأصيل فنون التعامل بين الناس بشفافية، ولطف وذوق، وحسن خلق.
ولفت أبو غدة خلال حديثه إلى وجود عدة مترادفات لكلمة الذوق منها: اللباقة، واللطف، والنباهة، والحكمة، والحذق، والكياسة، والفِطْنة، والرفق، وشفافية التعامل، وتقدير الآخرين، واحترامهم.
كما أكّد أن صاحب الذوق يتصف بذكاء في القلب، وطلاقة في الوجه، وملاطفة في الكلام، ومجاملة صادقة في التعامل، وبعد عن الخشونة والفظاظة وسوء الخلق.
وتطرّق إلى اهتمام القرآن والسنة النبوية بالذوق وتأصيله شرعًا وقال: إن المتتبع لنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية ليُسَرُّ من غزارة النصوص التي تدعو المسلمين إلى تحرّي الذوق والتعامل به ومراعاته في جميع شؤونهم ومعاملاتهم، حتى في علاقاتهم وصلاتهم مع غير المسلمين.
وذكر من هذه النصوص قوله تعالى في الآية / 83 من سورة البقرة: (وقولوا للناس حُسْنًا) وجاء في الآية / 159 من سورة آل عمران قوله تعالى: (ولو كنتَ فظًا غليظ القلب لَانفضوا من حولك)، ومن هذه النصوص أيضًا قوله تعالى في الآية / 19 من سورة الكهف: (فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعامًا فليأتكم برزقٍ منه وليتلطَّف ولا يشعرنّ بكم أحدًا)، ومعنى قوله: (وليتلطف) ليكن رقيقًا لبقًا، غير فظًا ولا خشنًا في تعامله مع الآخرين، وهذا هو معنى الذوق الذي ينبغي أن يستحضره الناس فيما بينهم، في تسليمهم على بعضهم، وفي لقاءاتهم، وزياراتهم، وبيعهم، وشرائهم، واختلاطهم، وافتراقهم، وسائر أحوالهم.
أما تأصيل الذوق في السنة النبوية ودعوتها إليه فما رواه أبو داوود والحاكم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأصحابه وكانوا عائدين من سفر: (إنكم قادمون على إخوانكم، فأصلحوا رحالكم وأحسنوا لباسكم، حتى تكونوا شامة في الناس، فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش).
ومن ذلك أيضًا ما رواه الشيخان أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (ما عاب طعامًا قط إن اشتهاه أكله، وإلا تركه وقال لا أشتهيه) أي: لا يقول: إني أكرهه أو لا أحبه؛ مراعاةً لمشاعر من يحب هذا الطعام ويأكله.
الذوق من أمهات الفضائل ومفاتيح الخير:
أولى الإسلام صفة الذوق مزيدًا من الرعاية والعناية والاهتمام؛ فقد حثّ عليها ورغّب فيها، وجعلها من مكارم الأخلاق ومفاتيح الخير، ورتّب الأجر والثواب على استحضارها حال الاتصال بالناس، والاختلاط بهم، والتعامل معهم؛ لأنها تحقق في النهاية معنى التودّد لهم، والتلّطف، والرفق بهم، والإحسان إليهم، روى مسلم عن جرير بن عبد الله البجلي قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (من يُحرَم الرفق يحرم الخير كله)، والرفق واللطف والذوق ألفاظ مترادفة تدور حول معنى واحد سبق بيانه، وروى مسلم عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف).
وتناول أبو غدة أسباب فقدان الذوق في بعض المواقف: مع كل ما تقدّم من حثّ الإسلام على الذوق، وأمره للناس بالتعامل به، نرى صفة الذوق مفقودة في مواقف ومناسبات كثيرة في حياتنا، وفي تصرّفاتنا الشخصية، والأسرية، والاجتماعية، ولعلَ من أبرز الأسباب لهذه المظاهر السلبية:
– غياب بعض معالم التربية الإسلامية عن كثير من أفراد الجيل المعاصر الذي نرى عيّناته أمامنا صباح مساءً.
– انحسار القدوة الحسنة، بدءًا من والد يتجاهل التسليم على جيرانه عندما يقابلهم وجهًا لوجه، إلى أم تهمل أبناءها الصغار فيخرجون إلى الناس في ثياب ووجوه ملطخة بالأوساخ، ورؤوس ثائرة الشعور …. إلى مدّرس يتصرف بفظاظة وغلظة مع تلاميذه وطلابه، إلى داعية لا ينتبه إلى مظهره وهندامه، ودقة كلامه واختيار ألفاظه.
– الانصياع للطبائع الخاطئة الموروثة المتأثرة بالبيئة الجغرافية أو الإقليمية أو المهنية أو الغذائية، ولو أدّى هذا إلى تجاوز حدود اللباقة والخروج على الذوق العام.

– سلبية بعض الجهات والمؤسسات الخاصة والعامة؛ وذلك بتقصيرها في تبنّي هذه المعاني الأخلاقية والاجتماعية السامية والدعوة إلى ممارستها، وعدم معالجتها لما يخرج من هذه القيم، بل ربما أسهمت بغير قصد في نشر أضداد هذه المعاني والقيم، مما يترتب عليه تعميق انحسار الذوق في التعامل الشخصي والاجتماعي والأسري، وهو ما يُلاحظ أحيانًا في بعض وسائل الإعلام من صحف ومجلات، في مقابلات أو نقل أخبار أو عرض إعلانات أو دعايات، أو تجاهل معالجة بعض المواقف والتصرفات الخاطئة التي يقع فيها كثير من الناس، من مثل إلقاء المناديل في الطرقات وعبر نوافذ السيارات، أو إيقاف بعض الأفراد سياراتهم وسط الشوارع وعلى أبواب المساجد وفي المواقف بطريقة تعيق حركة السير، أو تمنع الآخرين من الدخول إلى سياراتهم أو التحرك بها …إلخ.
– عدم التفات كثير من رجال التربية والتعليم والتوجيه الديني إلى تضمين مناهجهم ومحاضراتهم وخطبهم ومواعظهم فنون التعامل الذوقي والطريقة المثلى لمخالطة الناس بلطف وشفافية وإحساس مرهف.
Scroll to Top