الرجوع إلى المتخصص عند وقوع الخلاف.

الرجوع إلى المتخصص عند وقوع الخلاف:

نعيم أسعد الصفدي.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه ومن تبع هداهم بإحسان وتوفيق إلى يوم الدين، أما بعد: فإن للتخصص أهميةً كبيرةً في حياة الفرد والمجتمع، حيث نجد المتخصص في علم معين، أو مهنة معينة محبًا لتخصصه، مبدعًا فيه، يعمل وهو مرتاح النفس، ينعكس ذلك إيجابًا عليه، وعلى أسرته، ومجتمعه.
وإن المجتمع المتطور الحضاري، الذي يصبو إلى الأفضلية، والرقي بحاجة ماسة لأصحاب التخصصات المتنوعة العلمية والمهنية.
وفي حال وجود خلاف بين الناس في قضية معينة؛ فلا بد من الرجوع إلى المتخصص فهو الأقدر على أن يعطي الحكم المناسب، والعلاج المناسب، ولذلك كان عمر -رضي الله عنه- يدخل ابن عباس -رضي الله عنهما- في أوساط الكبار ليبرز مكانته العلمية، ويكون الحكم في القضايا المختلف في معرفتها حيث روى البخاري في صحيحه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِي مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لِمَ تُدْخِلُ هَذَا الْفَتَى مَعَنَا وَلَنَا أَبْنَاءٌ مِثْلُهُ؟ فَقَالَ: إِنَّهُ مِمَّنْ قَدْ عَلِمْتُمْ، قَالَ: فَدَعَاهُمْ ذَاتَ يَوْمٍ وَدَعَانِي مَعَهُمْ، قَالَ: وَمَا أُرِيتُهُ دَعَانِي يَوْمَئِذٍ إِلَّا لِيُرِيَهُمْ مِنِّي، فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا) حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أُمِرْنَا أَنْ نَحْمَدَ اللهَ وَنَسْتَغْفِرَهُ إِذَا نُصِرْنَا وَفُتِحَ عَلَيْنَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا نَدْرِي أَوْ لَمْ يَقُلْ بَعْضُهُمْ شَيْئًا، فَقَالَ لِي: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، أَكَذَاكَ تَقُولُ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَمَا تَقُولُ؟ قُلْتُ: هُوَ أَجَلُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَهُ اللهُ لَهُ: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) فَتْحُ مَكَّةَ، فَذَاكَ عَلَامَةُ أَجَلِكَ (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا) قَالَ عُمَرُ: مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلَّا مَا تَعْلَمُ، فكمال فهم ابن عباس وسعة علمه دفعا عمر رضي الله عنه لتقديمه على أقرانه، وجعل كلامه هو الفيصل في المسائل الخلافية؛ فقد كان ابن عباس حبر الأمة وعالمها ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له حيث قال: (اللَّهُمَّ فَقِّهُّ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ)، قال ابن بطال: “التفهم للعلم هو التفقه فيه، لا يتم العلم إلا بالفهم”، وقال ابن حجر: دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفهم في القرآن فكان يسمى البحر والحبر لسعة علمه.
ولذلك ينبغي علينا في حال وجود خلاف في قضية معينة أن نحكم المختصين فيها، فهُم الأقدر على إصدار الحكم المناسب، والمريح للجميع.

وفقنا الله تعالى وإياكم لما يحب ويرضى، وجمعنا بكم في الفردوس الأعلى، والحمد لله رب العالمين.
Scroll to Top